افتتحت "الجاحظية" أوّل أمس، ناديها "أحباب الكتاب" لتستضيف فيه الكاتب مراد وزناجي، لتقديم كتابه "حديث صريح مع الأستاذ أبو القاسم سعد الله" (في الفكر والثقافة واللغة والتاريخ)، استعرض من خلاله بعضا من حياة هذا المفكر القامة الذي ترك تراثا فكريا ثقيلا، واستغل الضيف حضوره ليعلن عن قرب صدور كتاب جديد للراحل سعد الله. افتتحت اللقاء الدكتورة وردة خيليا (أستاذة محاضرة بجامعة الجزائر)، معلنة في بدايته عن تأسيس نادي "أحباب الكتاب" بجمعية "الجاحظية" والذي سيستقبل في كل أسبوع مؤلفا لتقديم ما نشره، والبداية مع الأستاذ مراد وزناجي، الذي قدّم أحد كتبه بعنوان "حديث صريح مع الدكتور أبو القاسم سعد الله"، رصد من خلاله فكر هذا العلامة ومواقفه وسيرته التي تبقى مفتوحة للبحث. وصف المؤلّف أستاذه الراحل سعد الله، بالعالم الزاهد والمتواضع وبالناسك المصلح ونسب إليه شرف صون الهوية والذاكرة الثقافية للجزائر، وأشار إلى أنّ الكتاب صدر في ثلاث طبعات كانت الأولى سنة 2008، والثانية في 2010 والطبعة الأخيرة في نوفمبر 2014، وفي كلّ طبعة تجرى بعض التنقيحات، وقال "في كلّ مرة كنت أسأل من طرف الجميع لماذا سعد الله بالذات؟ وكنت أردّ فورا أنّ الرجل هو أوّل من تحصل على دكتوراه تاريخ في الجزائر وبالضبط سنة 1967 بالولاياتالمتحدة، بعد أن درس ودرّس بجامعاتها وفيها رفض الجنسية الأمريكية التي لم يكن يفضّلها عن الجزائرية، فبالنسبة إليه الجنسية تكتسب بعد نضال ولا تؤخذ على طبق من فضّة". أكّد المحاضر أنّ الراحل سعد الله، كان عالما موسوعيا بمعنى الكلمة، فهو الذي حفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه بڤمار ولم يكن يتجاوز ال14 سنة، ليواصل تعليمه بالزيتونة ثم بدار العلوم بالقاهرة، وأخيرا بالولاياتالمتحدة، ولم يختلف الراحل عن مثقفي جيله لذلك بدأ حياته بالشعر ثم تحوّل إلى القصة ثم إلى النقد الأدبي وفي سنة 1952، اشتغل كمراسل صحفي بعد أن تكوّن في الإعلام عن طريق المراسلة، كما عمل مترجما خاصة بعد أن أصبح يتقن عدة لغات وهي الفرنسية والانجليزية والفارسية والألمانية، علما أن الراحل كان متأثرا بالمدرسة الألمانية. قسّم المؤلّف كتابه إلى قسمين، الأوّل خاص بسيرة المحتفى به الذاتية والعلمية والنضالية بروايته الشخصية، وفيه الكثير من الذكريات منها وصوله إلى القاهرة بتوصية من الشهيد العربي التبسي، والاستقبال الجاف للشيخ الإبراهيمي له (بعدها تحوّلت فكرته عن سعد الله)، ثم استفادته من منحة جبهة التحرير للدراسة في الولاياتالأمريكية، كما ذكر صعوبة اندماجه في المنظومة العلمية الجامعية بعد الاستقلال. القسم الثاني تناول آراء ومواقف سعد الله، من خلال أسئلة طرحها عليه محاوره الأستاذ وزناجي، وقد أجاب عنها كتابيا. علما أنه كان يسقط بعض الأسئلة ولا يجيب عنها لأسباب لم يحدّدها، وتضمّن هذا القسم عدّة عناوين فرعية تناول فيها مثلا النخبة الفرونكوفونية وغرور مصالي الحاج، وجيل الثورة وبعض التصرّفات الرعناء أثناء الثورة التي لا يجب أن تكون هي محور التأريخ، لأنّ الثورة كانت أكبر منها، وأكّد المحاضر أنّ الراحل كان يعمل كاتبا في الحكومة المؤقتة بالقاهرة، وشهد الإعلان عنها كما أنّه شارك في صدّ العدوان الثلاثي على مصر. أضاف المحاضر في معرض حديثه "من يقول إنّ سعد الله مؤرخ ويصمت فقد ظلمه، فهو لم يكن مؤرّخا وكفى، بل كان موسوعة ثقافية كاملة، كما كان قمّة في التواضع لغيره وكان مرهف القلب والإحساس لا يعلوه أحد في رفعة أخلاقه، وكان يجعل من محدّثه مركزا لاهتمامه بل مركزا للكون، وبالنسبة لي كنت عندما تضيق بي الحياة أطرق باب بيته"، وأكّد المحاضر أنّ سعد الله، تميّز أيضا بكونه واحدا من أبناء جيل ذهبي تفرّد بالكفاءة وحب الوطن سخّرته القدرة الإلهية للبحث في تاريخ وهوية هذا الشعب. سعد الله لم يكن يحب أن يكرّر نفسه لذلك كان دائم البحث، زار وجال أصقاع العالم، وهنا ذكر وزناجي، حادثة الحقيبة المشؤومة التي سرقت منه في مطار لندن في الثمانينيات وبها وثائق أصلية نادرة تخصّ تاريخ الجزائر، بقيت تؤلم الراحل لأنّه ضاع معها جزء مهم من تاريخنا الوطني. في الأخير، أعلن الأستاذ وزناجي، عن قرب صدور كتاب سعد الله، الذي أنهاه قبل وفاته والذي كان حلمه. علما أنّه بمثابة المشروع الذي كان من الواجب أن تتكفّل به مراكز بحث رسمية لأهميته وتكاليفه وهو يخصّ "تاريخ الجزائر الثقافي بين سنة 683 و1500"، علما أنّه كان قد أصدر تاريخ الجزائر الثقافي في 11 مجلدا خاصا بالفترة من سنة 1500 وحتى 1962. أثناء المناقشة تدخّل بعض الأساتذة الذين أكّدوا أنّ هذا الرمز العلمي الثقافي لم ينل حظه لا أثناء حياته ولا بعد رحيله، لكنه رغم ذلك يبقى درّة في تاريخ الجزائر، كما كانت المناسبة فرصة لفتح العديد من المواضيع ذات الصلة منها دور المثقف في المجتمع خاصة في الظروف الحرجة، وقدرته على تحريك دواليب التغيير والمحافظة على هوية الوطن. للتذكير، فإنّ مراد وزناجي، إعلامي وباحث في التاريخ له عدّة كتب منها "ظواهر جزائرية"، "مذكرات شهيد لم يمت"، و"الثورة التحريرية في السينما الجزائرية" وترجمة كتاب عمار بن تومي، "الدفاع عن الوطنيين" و"عمر الصغير" لسهيلة عميرات، وله العديد من سيناريوهات الأفلام التسجيلية.