شيّعت صباح أمس، بمقبرة شرشال بتيبازة، جنازة فقيدة الأدب الجزائري والعالمي الراحلة آسيا جبار، التي وافتها المنية الجمعة الماضي، بفرنسا عن عمر ناهز ال79 سنة بحضور أقاربها وذويها والشخصيات الأدبية والسياسية الوطنية وجمع غفير من المواطنين، وكان جثمان الأيقونة الجزائرية قد وصل أول أمس، إلى المطار الدولي بالجزائر العاصمة قادما من باريس، حيث تم نقله إلى قصر الثقافة لإلقاء نظرة الوداع قبل أن تنقل إلى مدينة شرشال مسقط رأسها . ونظمت تأبينية للروائية العالمية بالمكتبة البلدية بحضور والدتها وأبنائها و أقاربها وشخصيات ثقافية ومحبي فقيدة الثقافة في أجواء من الحزن والأسى على روح صاحبة الفيلم السينمائي "نوبة نساء شنوة". وتم حمل جثمان الروائية من المكتبة البلدية لشرشال في أجواء من "التأثر الكبير" من طرف تشكيلة للحماية المدنية أدت لها التحيّة الشرفية عرفانا وتقديرا لهذه الشخصية "الفذة" التي استطاعت أن "تفرض" نفسها كأحد أعلام الأدب والثقافة على المستوى العالمي طيلة 50 سنة من العطاء والإبداع. وفي أجواء مهيبة وقف الجميع بساحة المقبرة لأداة صلاة الجنازة على جثمان الراحلة الذي كان مسجى بالراية الوطنية قبل أن ينقل إلى مثواه الأخير في لحظة وداع أبدية للأديبة التي عرفت بنضالها المستميت عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة و"تمسكت بجزائريتها" وافتكت مكانة لها في الأكاديمية الفرنسية سنة 2005. كما استقبل قصر الثقافة أول أمس، جثمان الراحلة الأديبة آسيا جبار، وسط زغاريد الحاضرات إضافة إلى العديد من الشخصيات السياسية والأدبية وعائلة الفقيدة من باريس وشرشال والكثير من الجمهور المولع بأدب الراحلة. كلل الجثمان بباقات الورود الحمراء وغطى بالعلم الوطني ليتقدم الحشود نحو عائلة الراحلة لتقديم التعازي بعدها تمت قراءة الفاتحة والوقوف دقيقة صمت على روح آسيا جبار، ليتقدم إلى المنصة الشاعر ابراهيم صديقي، الذي قرأ الكلمة التأيبنية لوزيرة الثقافة السيدة نادية لعبيدي، والتي كانت من بين الحضور والتي استقبلت أيضا جثمان الراحلة بمطار هواري بومدين من بين ما جاء في هذه الكلمة أن "لله ما أعطى ولله ما أخذ"، وأن مصابنا جلل في فقدان هذه العلامة الأديبة البارزة، التي برحيلها ينطفئ شعاع ساطع لكن سيبقى نوره يضيء على أجيال المستقبل"، وجاء في الكلمة أيضا أن ساحات العالم تشهد على أعمال آسيا جبار، التي أعطت نفسا متدفقا للأدب الحديث، وكانت تحمل الوطن في أعماقها وينطق لسانها بما يختزله الوطن الأم من الثورة والذكريات، وفي الفترة العصيبة للوطن (العشرية السوداء) كتبت عن العنف وعن الحب المتخيل. لقد غابت عنّّا العزيزة فاطمة الزهراء، ونحن نعبّر عن حزننا وخسارتنا لفقدانها لكن أعمالها ستظل مرسومة بمداد الحب في مخيلتنا". ليعلن الاستاذ صديقي، أن دفن الراحلة بمسقط رأسها بشرشال تنفيذا لوصيتها. بعض الحضور فضل البقاء ليلتحق بالقاعة الشرفية حيث برمجت قراءات من نصوصها الأدبية والشعرية وقدمت نماذج عن مسيرة الراحلة في الحفل الأدبي والمعرض، وكيف استطاعت أن تجعل من الكلمة سلطة قائمة ومن جزائريتهااعتزازا وفخرا بهويتها لتكون بجدارة من بين سيدات الجزائر اللواتي سجلن أسماءهن في سجل التاريخ الوطني. نشط هذه القراءات السيدة بومنجل (ابنة أخ الراحل بومنجل)، وقرأت النصوص الشاعرة أمحيز، ثم خلفتها شاباتان إحداهما ليندة بلدي قرأتا بالتناوب فقرات من روايتها حضر هذه الجلسة المسائية العديد من الشخصيات الأدبية الوطنية وكذا بعض الضيوف الفرنسيين. وقد رشحت الروائية العالمية الأكثر شهرة وتأثيرا بالمغرب العربي والعالم الفرانكفوني آسيا جبار، واسمها الحقيقي فاطمة الزهراء امالاين، المولودة بشرشال في 30 جوان 1936، عدة مرات لجائزة نوبل وأصدرت أول رواية لها "العطش" في 1957 كما أخرجت عدة أعمال سينمائية واهتمت كذلك بالتاريخ. وللراحلة عدة روايات وقصص وأشعار باللغة الفرنسية وألفت أيضا للمسرح وأخرجت عدة أفلام للسينما وهي صاحبة ال15 جائزة دولية منها الجائزة الدولية للأدب (الولاياتالمتحدة-1996) وجائزة السلام لأصحاب المكتبات الألمانيين (فرانكفورت-2000)، والجائزة الدولية بابلو نيرودا (إيطاليا- 2005). وقد شكل رحيل الكاتبة العالمية آسيا جبار، هزة للمشهد الأدبي الجزائري والعالمي حيث أشادت بها الأوساط الأدبية والسياسية في مختلف أرجاء العالم، حيث ما تزال الصحافة العالمية تردد الصدى المدوي لفقدان واحدة من أبرز أديبات العالم بعد مضي أسبوع عن رحيلها مخلفة منجزا أدبيا وإبداعيا قل نظيره وحظيت مسيرتها الأدبية والنضالية بإشادة عالمية. قالوا عن الفقيدة الأستاذ : عز الدين ميهوبي رئيس المجلس الأعلى للغة العربية: آسيا جبار لا يختلف حولها اثنان، فهي كاتبة وسياسية ومناضلة وسينمائية، لها اهتمامات في العمل الثقافي ، كتاباتها الأولى تعكس بيئتها،وهي سليلة عائلة ثورية عكست بصدق وفي ظروف صعبة معاناة الجزائريين في الحقبة الاستعمارية حتى عندما اختارت المنفى الثقافي والجغرافي إراديا. حملت الفقيدة معها الجزائر وما فيها من قيم وثقافة وكل التجليات الأخرى، ونجحت في أن تصنع لنفسها اسما كبيرا في الساحة الثقافية الجزائرية والعالمية وأبقت على مسافة الاحترام واسعة لشخصها على الصعيد الوطني لأنها لم تقحم نفسها في النقاشات السياسية والثقافية والتي سادت في العشريتين الأخيرتين. نرى اليوم لحظة استقبال جثمانها كأنها لحظة تكريم من المثقفين والكتاب والسينمائيين وكل من يبدعون باللغة الفرنسية والعربية، فهي حققت الاجماع بغض النظر عن قناعاتها الثقافية. اعتقد أن أحسن تكريم لها كمثقفة هو ترجمة أعمالها لتصل إلى عموم الجزائريين وهو أمر أرى أنه يتطلب دور نشر مؤهلة. الدكتورة خولة الابراهيمي: كل كتاب من كتب آسيا له قصة معي وله أثر في تكويني كخولة المرأة والمواطنة والانسان، كل كتاب له صداه في عقلي ووجداني، كرواية " بعيدة عن المدينة" و " الحب والفنتازيا" والكتاب الذي تحدثت فيه عن زوليخة أوادي الشهيدة التي اغتيلت في جبل شنوة إبان الثورة والتي اكتشف رفاتها مؤخرا. آسيا تواصل دوما حفرها الأثري في ذاكرة الجزائر لذلك كتبت عن التاريخ في الرواية ونجحت في أن تكون مؤرخة وكاتبة وذات لغة جزلة. اعشق روايتها " لا مكان في بيت أبي" أحس كأنها تتحدث عن أبي أنا أيضا وكيف مسك يدي ليأخذني لأول مرة إلى المدرسة الابتدائية، نحن اليوم ندين لها كجزائريات وكجزائريين بالجميل ووجودنا اليوم نوع من الاعتزاز والافتخار ربما لأنها مثلتنا أحسن وأرقى تمثيل. الدكتور محمد ساري: عندنا في شرشال نسمي كل كبير بالمنارة طبقا لتقاليدنا التي تتصدرها منارة سيدي علي فركي بميناء شرشال لذلك نسمي آسيا بالمنارة . اعتبر أن رحيل آسيا مثل رحيل أي كاتب هو بمثابة ميلاد ثان إذ بعد الوفاة تشد الأنظار إليه وإلى شخصيته ومواقفه وتسليط الضوء على أدبه تماما كما حدث مع الراحل محمد ديب عندما توفي سنة 2003 إذ راجت كتبه وترجمت ودرست ونظمت له الملتقيات والحال سيكون نفسه مع آسيا خاصة في جانب الترجمة. الوزيرة وعدت بترجمة أعمالها إلى العربية، علما أن الراحلة اختارت هذه اللغة كلغة ثانية درستها إبان الاستعمار فقد أكدت في كتابها " بوابة الذكريات" أنها قرأت الشعر الجاهلي والتراث الإسلامي وهذا الكتاب موجود وترجمه محمد احياتن. الأستاذ محمد تين رئيس جمعية الجاحظية: ها هو الحنين يعبر عن نفسه في أمنيتها الأخيرة في أن تدفن في مسقط رأسها بالجزائر. آسيا قيمة أدبية نتفق أو نختلف معها لا يهم فيكفيها أنها ارتقت بتقنيات الكتابة الأدبية لمستوى ترشحها لنوبل. نطلب من العلي القدير أن يتغمدها برحمته