تعنى مجلة بونة بالأبحاث والدراسات التراثية والأدبية واللغوية، وتصدر عن مؤسسة «بونة للنشر والتوزيع» بعنابة – الجزائر، وهي مجلة دورية محكمة تصدر مرتين في السنة، وتنوّعت محتويات العدد 15 منها، وبدأت بافتتاحية الأستاذ الدكتور سعد بوفلاقة، رئيس تحرير المجلة، وقد ارتأى أن يخصّصها للاحتفاء بذكرى العلاّمة الشيخ زهير الزاهري. كما تضمّن العدد مقالاً لرئيس التحرير أ.د.سعد بوفلاقة وسمه ب «محمد إسماعيل الندوي، تأمّلات في حياته ومصنفاته»، وذكر أنّ مقاله يهدف إلى إلقاء الضوء على مصنّفات علم من أعلام اللغة العربية والتاريخ والترجمة في عالمنا المعاصر، وهذا العلم هو محمد إسماعيل الندوي الهندي (تلميذ العلاّمة أبي الحسن علي الندوي). وكتب الدكتور عاطي عبيدات من جامعة رازي، محافظة كرمانشاه، من الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن «المقدمة الطللية، نشأتها وتطوّرها في الشعر العربي». وقد أشار في ملخصه إلى أنّ بنية القصيدة العربية لم تكن يوماً ما، تقتصر على شكل أو نوع معيّن مِن المقدمات، بل تنوّعت المقدّمات في فضائها ولكنَّ اللوحة الفنية التي ذاع صيتها ورافقت القصيدة العربية في رحلتها، هي اللوحة الطللية التي كثُرَ استخدامها مِن قبل الشعراء الجاهليين الذين أصلّوها واقتدى الشعراء فيما بعد بهم وأخذوا يحرصون على افتتاح قصائدهم بالتقليد الفني المتوارث، إلا أنّ هناك بعض التيارات التي برزت وجابهتها وحاولت إضعافها. وقد تَمثلّت في أبي نواس ورفاقه.. ورغم تلك المحاولات، استطاعت اجتياز التحديات إلى أن عانقت منتصف القرن التاسع عشر وشهدت المقدمة الطللية في هذه الفترة الطويلة ازدهاراً وانكماشاً وشَدّاً وجذباً كثيراً. وقد استعرض الباحث الدكتور عبد الباقي مفتاح من المغرب الأقصى في مقاله «علم الحروف عند الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي»، حيث كتب مدخلاً ذكر فيه «أنّه من الصعب جدا الكلام عن علم الحروف عند الشيخ الأكبر ابن العربي (560– 638 ه / 1165 – 1240م) لسببين؛ أولهما بُعد وغرابة المفاهيم المتعلقة به عن العقلية الحديثة المنحصرة في تصوّرات نحتتها من النظريات المادية أوالفكرية المنقطعة عن المبادئ الميتافيزيقية والتعاليم الإلهية؛ والسبب الثاني: هو أنّ هذا العلم يصحّ عليه حقا وصف «محيط بلا ساحل»، إذ أنّ مجرد المدخل إلى مبادئه الأولى يحتاج بيانه إلى مجلّد ضخم مستقل. ولإعطاء فكرة عن وسع هذا العلم، يقول الشيخ الأكبر عن أحد فصوله إنه يتضمّن 3540 مسألة وتحت كلّ مسألة مسائل كثيرة متشعبة، وقد افتتح موسوعته العرفانية الكبرى، أي «الفتوحات المكية» ببيان بعض مظاهر هذا العلم، وذلك في الباب الثاني منه، إعلاما بأنّ الرسوخ فيه من الشروط الأساسية لفتح كنوز المعارف الإلهية العليا المخصوصة بأولياء الرحمن وقد عبّر فيه عن حقائق تبدو غريبة لمن ليس له ألفة بالمعارف العميقة، كقوله مثلا «إنّ الحروف أمة من الأمم: مخاطَبون ومكلَفون وفيهم رسل من جنسهم، ولهم أسماء من حيث هم، ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريقنا، وهم على أقسام كأقسام العالم، فمنهم عالم الجبروت والعظمة، وعالم الملكوت الأعلى، وعالم الجبروت الأوسط، وعالم الملك والشهادة الأسفل، ولهم شريعة تعبدوا بها، ولهم لطائف وكثائف، وفيهم عوام وخواص». وخصّص الباحث الدكتور عبد الفتاح أحمد يوسف بحثه لمعالجة موضوع «سيميائيات العُزْلَة في خطاب السّرد القديم - رسالة (حي بن يقظان) لابن طُفيل نموذجًا»، وتساءل في البدء «لماذا السيميائية؟!»، وأجاب عن تساؤله هذا بالقول «إذا كان الهدف من الدراسة السيميائية، هو الكشف عن المعنى في الخطاب عبر طريقة منهجية في تحليله، فإنّ عملية تحليله في سياق سيميائي، تطمح إلى إبرازٍ نوعيٍّ لموضوع الخطاب الذي تستهدفه الدارسة، حيث تسعى هذه الممارسات النقدية إلى إعادة فهم الموضوع ضمن أفق إبستمولوجي يكشف عن خصوصية الخطاب وأهميته، لهذا السبب اخترنا أن ندرس موضوع العُزلة - كما تناولها ابن طُفيل - ضمن أفق إبستمولوجي خاص، فدراسة العزلة سيميائيا قد تختلف عن دراستها في سياقات أخرى تخرج بها عن خطاب ابن طُفيل، وهو أمر طبيعي في السيميائية عمومًا، إذ تهتم بمستوى تحليل الموضوع داخل الخطاب، مع الوضع في الاعتبار تواصلها مع مقاربات أخرى للموضوع نفسه في سياقات أخرى مرجعية، أومعاصرة ترتبط معها بعلاقة تفاعليّة، فيمكن على سبيل المثال دراسة (المطر) بطرائق مختلفة ومتنوعة، فدراسته كظاهرة طبيعية - في سياق علم الفيزياء - تُعطيه معنى ما لدى الباحث في علوم الطبيعة، وهي تختلف بطبيعة الحال عن دراسته لدى الناقد - في مجال تحليل الخطاب الأدبي- في مقدمة لقصيدة عربية تقليدية يتساقط على أطلال المحبوبة، ويختلف معناه بالنسبة إلى البدوي عندما يتحول إلى سيل جارف يأتي على الأخضر واليابس، فالسيميائية من وجهة نظرنا تعني إضفاء معنى مختلف على العلامة في سياق ما، تحدّده فلسفة الخطاب، والعلامة هنا هي (العُزلة) وما يتعلق بها من ممارسات داخل برنامج السرد في رسالة ابن طُفيل. من المعروف أنّ دلالات الخطاب تتنوّع بتنوّع سياقاته، خاصة حينما يتناول الخطاب موضوعات إبستمولوجية نوعيّة، مثل موضوع العُزلة، وهو ما يفعله ابن طُفيل في رسالته كموضوع، بحيث تحيل العزلة عنده على دلالات نوعيّة حول مصير الإنسان وعلاقته بنفسه وجسده، وعلاقته بالطبيعة والآخر، باعتبار ذلك كله من المصادر المهمة للمعرفة، تزيد من شُحنة الخطاب الدلالية/ الإبستولوجية؛ ومن ثمّة يمكننا دراسة موضوع العُزلة بصفتها فعلا سيميائيا يكشف عن نوعيّة المعارف التي يطرحها الخطاب، ويراهن على إحداث تغيّرات جوهريّة في تقدير الإنسان لذاته، وعلاقته بالآخرين. وهذا الإجراء سيمهّد الطريق لدراسة ما يُعرف بسيميائيات الأفكار، وفهم آليّات اشتغالها ودراسة علائقها المولّدة للدلالة داخل الخطاب، وحركيتها الخارجية/ أثرها في المتلقي، بما يمنحها بُعدها التداولي - إلى جانب بُعدها السيميائي- بوصفها إخبارًا عن معرفة جديدة أو دليلاً عليها. ويندرج هذا البحث ضمن موضوع سيميائيات العمل، وليس ضمن سيميائيات الهوى أوالكلام؛ لأنه يبحث في الشروط التي تتوفّر عليها الذات لإنجاز فعلها الإبستمولوجي الخاص، لاسيما فيما يتعلّق بأدوارها المختلفة في الحياة، وأنماط وجودها، ومنزلتها عندما تقع أسيرة للعُزلة؛ ومن ثمّة ينطلق البحث من دراسة موضوع العُزلة بوصفه فضاءً معرفيا يسبق فعل إنتاج الخطاب، ويُعد هذا الفضاء شرطًا من شروط إنتاجه، ويمكن دراسته بوصفه علامة رمزيّة على موضوع العُزلة (تكون العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية - عُرفيّة - وغير معلّلة). ويُمكن دراسة العُزلة - في هذا الخطاب -باعتبارها إشارة / علامة إبستمولوجيّة على رغبة الذّات في إعادة اكتشاف المعرفة من خلال العُزلة (تكون العلاقة بين الدال والمدلول علاقة سببيّة ومنطقيّة). لقد خاض ابن طُفيل معركة حقيقية لكي يُقنع القارئ بالقيمة الإبستمولوجية لموضوع العُزلة، وبانتصار للعقل على نمط الحياة الثقافي المؤدلج، وتقديم إجابة لسؤال جوهري: إلى أي مدى يمكن أن تؤثّر الاكتشافات الجديدة على علاقتنا بأنفسنا؟! أملاً في لفت انتباه القارئ إلى أهمية التقارب بين الإنسان وذاته من خلال العُزلة. وبالنسبة إلى أهداف البحث، ذكر الباحث الدكتور عبد الفتاح أحمد يوسف، التساؤل حول جدوى المقاربات السيميائية في الكشف عن جوانب نوعيّة لموضوعات الخطاب السردي العربي القديم تُعدّ إضافة إلى اكتشافات المقاربات المنهجيّة الأخرى، تفكيك العلامات الخطابية الفارقة في رسالة (حي بن يقظان) وإعادة صياغتها في خطاب نقدي يكشف عن آفاقها المعرفيّة، ويناقش تحوّلات الذات وقدراتها على إنتاج خطاب معرفي عندما تقع أسيرة محنة العزل والكشف عن الإيحاءات الإبستمولوجيّة للخطاب وإحالاته الثقافيّة على المرجعيّات المختلفة. تُعدّ سيميائيات العُزلة في رسالة ابن طُفيل علامةً على أنموذج خطابي يستوعب قدرات الذّات المعرفيّة على اختراق الحدود الفاصلة لعدد من الثنائيات المعرفيّة مثل: النقل/ العقل، الانفصال/ الاتصال، الموت/ الحياة.. حيث تقوم الذّات بفعلها المعرفي في هذا الفضاء بما يمكّنها من العيش خارج إطار العُزلة؛ ويجيب البحث عن التساؤلات التالية «كيف يمكننا فهم علامات الخطاب بوصفها حضورًا (لغة) يُضمر غيابًا (معرفة)؟ وتفسير إحالات الغياب على الحضور من خلال دراسة الحضور بوصفه علامات إبستمولوجية على هذا الغياب؟»، «هل ثمّة علاقة خاصة بين الكلمات بوصفها حضورًا، والأشياء بوصفها غيابًا في خطاب السرد العربي القديم لاختلاف مرجعياته؟!»، «كيف يمكننا فهم جماليّات خطاب العُزلة من خلال دراسة ثنائياته المعرفيّة سيميائيا؟». وتمكننا الإجابة عن هذه الأسئلة كلها عبر المحاور التالية، المحور الأول «العُزلة وسيميائية الممارسات المعرفية»، المحور الثاني «البُعد السيميائي للثنائيات المعرفيّة» والمحور الثالث «سيميائية اللغة». تركز بحث الدكتور مبارك تريكي من جامعة المدية على موضوع «الطرق الصوفية والقضايا المعاصرة»، وقد تناول في بحثه هذا مجموعة من الإشكاليات التي تتّصل بهذا الموضوع الذي نال قدراً كبيراً من الاهتمام من لدن مختلف الباحثين والدارسين، وذكر في ملخصه أنّ الطرق الصوفية باعتبارها مؤسسة اجتماعية دينية روحية ذات قيمة اجتماعية كبيرة، كانت محل عناية مركزة في الآونة الأخيرة، سياسيا وإعلاميا وعلميا، ومن ثم فقد نظمت المؤتمرات العلمية والفكرية لدراستها والتعريف بها والنهوض بوظائفها، كما رعت الحكومات العربية الكثير من الطرق الصوفية والزوايا التابعة لها ماديا ومعنويا، وكتبت عنها وسائل الإعلام مشيدة بفضائلها ومآثرها الأمر الذي جعل الدارسين يتساءلون عن الدوافع التي جعلت الحكومات تتوجه إلى هذه المؤسسة ورعايتها؟ وهل هي رعاية بريئة يتساءل بعضهم؟ وما موقف الطرق الصوفية من هذا؟ ثم ما موقف الطرق الصوفية من القضايا المعاصرة التي تواجه العالم الإسلامي؟ وما دورها في كل ذلك؟ للإشارة، مؤسّس مجلة «بونة» للبحوث والدراسات ومديرها الأستاذ الدكتور سعد بوفَلاَقَة، وأمين سرها محمد سيف الإسلام بوفلاقة، وتتكوّن الهيئة العلمية للمجلة من مجموعة من الأساتذة والباحثين المتميزين، نذكر من بينهم أ.د. عبد الملك مرتاض، أ.د.مختار نويوات، أ.د. طاهر حجار، أ.د. عبد السلام الهراس، د. أحمد شنة، أ.د. عبد اللطيف الصوفي، أ.د الشريف مريبعي، أ.د. فاطمة طحطح، أ.د. خير الله عصار، أ.د. سعد بوفلاَقة، أ. د. حسن كاتب و أ.د. عبد القادر هني. ووفق ما جاء في شروط النشر وقواعده، فالمجلة تنشر الأبحاث والدراسات التراثية والأدبية واللغوية، والمتابعات النقدية في مختلف الفنون الأدبية، وعرض الكتب القيمة والرسائل الجامعية المتميزة التي تصب في باب التراث، ويشترط في الأبحاث والدراسات المقدمة للنشر في مجلة بونة للبحوث والدراسات أن تكون مبتكرة وأصيلة، ولم يسبق نشرها من قبل في أي وسيلة نشر أخرى.