استعاد مسجد «الإصلاح» أو الجامع الكبير كما يحب تسميته سكان دلس شرق بومرداس، الذي يُعدّ أحد أبرز المعالم الأثرية التاريخية التي تزخر بها القصبة العتيقة -، استعاد بريقه من جديد بعدما استفاد من أشغال ترميم وتهيئة شاملة، ووُضع رسميا الخميس الماضي قيد الاستغلال في حفل بهيج، أقيم في إطار إحياء شهر التراث. واستفاد هذا المعلم الديني الذي يعود تاريخه إلى القرن 17، من أشغال الترميم وإعادة البناء والتهيئة بعد تدهور حالته جراء زلزال 21 ماي 2003؛ حيث تمّ إدراجه ضمن مشروع «المخطط الدائم لحفظ وإصلاح وترميم قصبة دلس العتيقة». وذكر السيد كبور عمر مدير الثقافة بأنّه تمّ رصد لإعادة الحياة لهذا المعلم ابتداء من سنة 2010 تاريخ انطلاق الأشغال، ما لا يقل عن 50 مليون دج من أصل غلاف مالي إجمالي يناهز 264 مليون دج رُصد لترميم وإعادة بناء وتهيئة المعالم التاريخية ضمن قصبة دلس العتيقة. كما تمّ من خلال الأشغال الحفاظ على الرونق المعماري والهندسي القديم الذي اشتهر به المبنى في وقته، من خلال الحفاظ واستغلال في عملية البناء نفس مواد البناء التي بُني بها في الأوّل. واستفاد كذلك هذا الجامع الذي يتّسع ل 1600 مصلّ من إعادة تدعيم الدعامات الأساسية وسدة صلاة الإمام بداخل المسجد. وتمّ القضاء على كلّ التصدّعات بالكامل بداخل وخارج المسجد، ومن عملية تلبيس كاملة وإعادة بناء قبة المسجد والسقف الداخلي، كما تمّ القضاء نهائيا على تسرّبات المياه داخليا وخارجيا وإعادة ترميم كلّ ما هو زخرفة تزيّن محراب الإمام، وكذا إعادة بناء القاعة المخصّصة لعقود الزواج. ويعود تاريخ إنجاز هذا المرفق الديني إلى العهد العثماني وهدمه الاحتلال الفرنسي سنة 1844، إثر احتلاله المدينة، وبُني على أنقاضه مستشفى عسكري لمداواة جرحى حملاتها العسكرية على منطقة القبائل بقيادة الجنرال بيجو آنذاك، استنادا إلى الوثائق التاريخية التي أعدتها مديرية الثقافة بالتعاون مع أخصائيين في المجال حول تاريخ المعلم. وبعد ضغوطات واحتجاجات كبيرة وخوف المحتل الفرنسي من ردة فعل سكان المنطقة، أعاد (الاحتلال) بناء نفس المسجد بنفس المقاييس الهندسية والطراز المعماري المغاربي الأندلسي الأصلي سنة 1847 بالجزء العلوي من القصبة، بمحاذاة الطريق الوطني رقم 24 حاليا، ويتميّز الجامع الكبير بتوسّطه لقصبة دلس العتيقة؛ حيث أُنجز بمركز المدينة، ومنه تتفرّع الشوارع الرئيسة والثانوية والحارات السكنية، وفق نموذج معماري سارت عليه عمارة المساجد في عهد العثمانيين من حيث المئذنة المربعة ذات الطوابق والقباب نصف الدائرية المضلعة أو الملساء فوق المحراب. ويُعتبر هذا المعلم الديني من أهم المعالم الدينية والتربوية بالمدينة من حيث تميّزه بطرازه المعماري ودوره التربوي والثقافي في المجتمع إبان وبعد الحقبة الاستعمارية. واستمر في لعب دوره التربوي والتعليمي إلى غاية بداية العشرينات من القرن الماضي؛ حيث تأسّست بالمدينة في حدود سنة 1925 تدريجيا، كتاتيب ومدارس حرة لحفظ القرآن الكريم وتعليم مبادئ اللغة العربية. وواصل المسجد مشواره ودوره التربوي الديني والتعليمي إلى غاية 2001 بعدما تضرّر جراء زلزال 21 ماي 2001؛ مما دفع إلى إغلاقه ومباشرة أشغال الترميم تحت إشراف مديرية الثقافة.