إذا كانت آلة التصوير تقدم لنا صورة طبقا للأصل لصاحبها، فإن "اسماعيل مشايري" (32 سنة)، يستخدم قلم الرصاص والألوان المائية أو الزيتية، لإنجاز صورة مطابقة لصاحب الصورة، ولعل الفرق الجوهري بين الصورتين على حد قوله يكمن في أن ما ينجزه بأنامله يضفي على الصورة نوعا من الانطباعية، وهو منهاجه في رسم "البورتري". تعد الموهبة إحدى أروع النعم التي يخص بها الله عبده، والتي قد يعتمد عليها في تحصيل رزقه، وهذا ما حدث مع إسماعيل، الذي توقف عن مزاولة الدراسة وعمل على استغلال موهبته وتطويرها حتى يسترزق منها ولا يبقى عرضة للبطالة. اكتشف إسماعيل قدرته على الرسم في سن 14 سنة، وهو عصامي لم يدخل أية مدرسة للفنون، بل عمل على تطوير موهبته بالبحث.. وكان أول ما بدأ به هو رسم المناظر الطبيعية فأبدع فيها، إلا أن موهبته لم تقف عند حد الطبيعة، بل كانت الوجوه الفنية أحد أهم النماذج التي تستهويه وتجعل أصابعه تبحث عن الورق من أجل رسمها، وبالفعل، كان أول وجه قام برسمه وجه الفنانة ماجدة الرومي، ليبدأ بعدها مشواره الفني في رسم "البورتريهات" إلى غيرها من الوجوه الفنية وحتى التاريخية. وإسماعيل ينطلق عند الرسم من فكرة مفادها، أن فعل الإنسان هو الذي يحفزه لرسم وجهه، فمثلا "الأمير عبد القادر"، كانت أعماله التاريخية مدعاة للفخر والاعتزاز وهو ما دفعه إلى رسم وجهه على حد تعبيره. وبعد انطلاقه في الرسم وجد إسماعيل أن الوجوه الفنية مستهلكة فكل الرسامين يعتبرونهم مادة لإبداعاتهم، وهو ما دفعه للخروج إلى الشارع ورسم وجوه العامة من الناس، ليبدأ مشواره الصعب. يقول إسماعيل "اعتمد عند رسم البورتوري على الطريقة الانطباعية، التي تعني أن الرسام يرسم وجه الشخص المقصود ويضفي عليه انطباعه".. والتي يفسرها بقوله "إن هذه الانطباعية تكمن في حركة اليد عند الرسم، فمن ينظر إلي وأنا أرسم يتكون لديه انطباع أن حركة الريشة سريعة، ولكنها في الحقيقة بطيئة وأسعى من خلالها إلى إعطاء الرسم كامل حقه، لأن جميع الوجوه متشابهة من حيث المكونات كالعينين والأنف.. ولكنها تختلف في التفاصيل التي تميز كل وجه عن الآخر، وهنا يكمن الاختلاف". يؤكد المتحدث. يستغرق إسماعيل ساعتين لإنجاز العمل بقلم الرصاص، سواء تعلق الأمر بوجه رجل أو امرأة، أما إذا كانت الصورة مثلا لامرأة بلباس تقليدي، فهي تتطلب وقتا أطول لإنهائها، إذ لا بد من احترام ونقل كل التفاصيل بأمانة، وعلى الرغم من أن التصوير الفوتوغرفي اليوم، يمكننا من الحصول على الصورة التي نريدها وبمختلف المقاييس، إلا أن محدثنا يؤكد أن السر وراء الإقبال عليه وطلب الحصول على رسوم من إنجازه، لا سيما من الشباب، هو البحث عن عمل الفنان مشخصا في الصورة المطلوب إنجازها.. وعلى حد قوله، فإن "البورتوري" يعبر عن الشخص أكثر من صورة الآلة. أما عن الأثمان، فهي تختلف حسب مقاس الرسم والمادة المستعملة في رسمه، فالرسم بقلم الرصاص ثمنه أقل من الرسم بالألوان الزيتية. ويضيف محدثنا، أنه يحدد الأثمان انطلاقا من المواد الأولية التي يقوم بشرائها، وعلى العموم، فالثمن يتراوح بين 2500 دج و6000 دج. يرسم إسماعيل بناء على طلب الزبون الذي يختار المقاس والمادة المستعملة للرسم، وبالمقابل، يرفض اسماعيل إدخال أي تعديل على الصورة حتى وإن كان ذلك بناء على طلب الزبون، لأن التعديل على الصورة يشوه "البورتوري" ولا يعكس الرسالة التي يسعى إلى تحقيقها... لكن إسماعيل يواجه العديد من المشاكل لإنجاز عمله الذي يعشقه، لعل أهمها الرسم في الشارع الذي يعرضه للكثير من المضايقات، من جهة، وكذا عند إقدامه على رسم صورة امرأة، حيث يواجه الكثير من التعليقات على صاحبة الصورة، وهو ما يجعل الراغبات في الحصول على "بورتوري" لهن يتراجعن.. فبعض الشباب على سبيل المثال، لا يستحيي من طلب رقم هاتف زبوناته بمجرد رؤيتهم "البورتوري" وهو ما يحدث مشاكل معهن. أقام إسماعيل القليل من المعارض من بينها معرض بسكيكدة في 2004... مشواره الفني لا يتعدى ثلاث سنوات، ويعتبر مبتدئا.. لكنه يتمنى أن يحظى "البورتري" كفن راق في بلادنا بنوع من الاهتمام والدعم من الجهات المعنية.