وأنت تتجول في شوارع العاصمة بين المحلات والمارة، تلمحهم يشكلون ديكورا استثنائيا.. مبدعون اتخذوا من الفن وسيلة لكسب قوتهم اليومي، مع أن الإبداع لا يقدر بثمن، وجعلوا من الأرصفة والطرقات معارض مفتوحة للعابرين، تستقطب أنظار كل من يراها، ليهتف في كل لحظة بجمال اللوحات مبدعون التقتهم “الفجر” بشوارع العاصمة، وبالضبط بشارع ديدوش مراد، رسموا بورتريهات وصورا لأشخاص معلقة على كراسي خشبية بأنامل سحرية، جعلت الأشخاص يختارون صورهم على الورق بوسائل بسيطة، مثل قلم الرصاص، عوض التقاطها بكاميرات التصوير، وذلك لرونقها وجمال ملامحهاالتي تبدو وكأنها طبيعية، حيث لا تنميق ولا تزييف.وبمجرد الإقتراب من صاحبة الموهبة، التي منحها الله لها، والتي رفضت أن تدلي باسمها، تدرك أن وراء كل هذا الإبداع مأساة حقيقية، فهي فتاة بسيطة حرمها القدر أن تتعرف على والديها الحقيقيين، حيث تربت لدى امرأة تجهل هويتها لينتهي بها المطاف في مركز الطفولة المسعفة وهي تبلغ من العمر الرابعة عشرة.لهيب البؤس والشقاء دفعها إلى الهروب ودخول متاهة الضياع في الشوارع، حيث تجرعت كؤوس المعاناة والمرارة من مجتمع لا يرحم.. وأردفت قائلة:”لم أجد من هذه الدنيا سوى الألم وخلفت لي جروحا عميقة لم تلتئم بعد، كابوس بشع أعيشه أنا وابني البالغ من العمر ثماني سنوات، ونحن نسمع عبارات الإهانة والشتم من طرف الناس، حيث لا نملك لا مسكنا ولا مأوى سوى أرصفة الطرقات أو كراسي مقاهي الأنترنت”. بورتريهات تتجاوز أسعارها 700 دينار أضافت محدثتنا بأنها، رغم الفقر والعوز، أرادت أن تكسب لقمة عيشها بالحلال بفضل الموهبة التي أعطاها إياها الله، رغم أنها لم تتلق دروسا في الرسم من معهد الفنون الجميلة، وإنما طورت إبداعها بنفسها، حيث زاولت هذه الهواية منذ سبع سنوات. وعن أسعار البورتريهات قالت ذات المتحدثة إنها تتفاوت حسب نوعية الرسم، وكذا الأدوات المستخدمة فيها. وعلى بضع خطوات التقينا بإسماعيل، شاب يبلغ من العمر ثلاثين سنة، هو الآخر اتخذ من أرصفة الطرقات مكانا يزاول فيه مهنته منذ خمس سنوات.أوضح إسماعيل أنه لا يرسم فقط على الأوراق بل على القماش أيضا بمختلف الألوان الزيتية، المائية وحتى الترابية، كما يقصده المارة، كبارا كانوا أم صغارا، وهم يجلبون له صورهم الشمسية.. إذ يتراوح سعر اللوحة بين 400 دينار بالأبيض والأسود، أما اللوحة الملونة فتصل إلى 700 دينار.ونحن نتأمل رسم هذا الأخير، سمعنا كثيرا من المارة يحيّون إسماعيل.. حيث أصبح هذا الأخير مشهورا بين الجميع بسمعته الطيبة وعمله المتقن.تحدثنا مع بعض الزبائن الذين كانوا قد طلبوا من إسماعيل رسمهم، فأبدوا لنا إعجابهم الشديد بموهبته وفنه النقي. أحدهم أضاف أن سمير يهوى كل ما يتعلق بالفن، بالإضافة إلى أنه طلب منه أن يرسم له صورة لأمه كي يهديها لها يوم عيد الأم.