أحكمت القوات الأمنية التي تم نشرها عبر المواقع الساخنة بغرداية، بما فيها عناصر الجيش الوطني الشعبي قبضتها على الوضع، وفرضت هدوءا حذرا على المنطقة التي كانت مسرحا لأعمال عنف ومواجهات دامية خلّفت مقتل أزيد من 20 شخصا. فيما شدّد الوزير الأول عبد المالك سلال، في زيارته للولاية أول أمس، على أن الدولة عازمة على استئصال كل أشكال العنف واستعادة الطمأنينة والسلم لغرداية، وتنفيذ قرارات رئيس الجمهورية، التي تشمل تطبيق القانون لفرض النظام العام، ودعم التنمية والتماسك الاجتماعي بالمنطقة، داعيا جميع المكونات الاجتماعية بالولاية إلى المساهمة في ”إحباط الأغراض الدنيئة والمبيتة للذين يريدون المساس بالوحدة الوطنية”. وأكد سلال، خلال تنقله إلى غرداية ولقائه بجمع من أعضاء المجتمع المدني وأعيان وعقلاء النسيج الاجتماعي بالولاية، أن الدولة ستسهر على تطبيق الإجراءات المتخذة من قبل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، والرامية إلى إرساء الأمن والسلم والتماسك الاجتماعي بهذه المنطقة، مذكّرا بالمناسبة بالقرارات التي اتخذها الرئيس بوتفليقة، خلال الاجتماع الطارئ الذي عقده بعد ظهر الأربعاء الفارط، إثر تصاعد الأحداث الدامية التي خلّفت 22 قتيلا والعشرات من الجرحى. وأشار الوزير الأول، في هذا الصدد إلى أن قائد الناحية العسكرية الرابعة مكلّف بالإشراف على عمل مصالح الأمن والسلطات المحلية من أجل الحفاظ على أمن الأشخاص والممتلكات عبر ولاية غرداية، مشيرا إلى أن قائد الناحية العسكرية الرابعة له كل الصلاحيات طبقا لقوانين الجمهورية، من أجل إعادة إرساء النظام العام ”ولو تطلب الأمر إرساء حظر التجول ومنع المظاهرات والتجمعات”. ودعا سلال، مجموع مكونات المجتمع المدني والحركة الجمعوية والشباب بغرداية للمساهمة في إرساء السلم والأمن والنظام العام بالمنطقة، مبرزا ضرورة تضافر جهود الجميع ”لإحباط الأغراض الدنيئة والمبيتة لبعض الأشخاص الذين يريدون المساس بالوحدة الوطنية”. وإذ شدّد على أن ”الجزائر واحدة موحدة وكل لا يتجزأ”، أشار الوزير الأول إلى أن ”هذا الخط لا يمكن تجاوزه، وأن الشعب الجزائري واع بعد ما دفع ثمنا غاليا من أجل تحرير الوطن من الاحتلال والمحافظة على وحدته الترابية”. كما جدد سلال، الذي كان مرفوقا في زيارته إلى غرداية بكل من وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح، وقائد الدرك الوطني والناحية العسكرية الرابعة، تأكيده أن ”الدولة ستطبّق تعليمات رئيس الجمهورية بسرعة وبحزم من أجل وضع حد لاختراق القانون والمساس بأمن الأشخاص والممتلكات”، وأوضح بأن دور الحكومة يتمثل في السهر على استقرار الوطن والعمل من أجل ضمان التنمية الإقتصادية لمختلف مناطق البلاد، حاثا في نفس السياق سكان غرداية على التعقّل والتفاهم من أجل تجاوز هذا الوضع. وترأس الوزير الأول، الذي تنقل إلى غرداية في إطار تنفيذ القرارات التي قد اتخذها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، اجتماعا تقييميا استعرض خلاله مع السلطات المعنية وبحضور قائد الناحية العسكرية الرابعة، الوضعية الأمنية السائدة بالولاية. وشملت القرارات الاستعجالية التي اتخذها رئيس الدولة في اجتماع الاربعاء المنصرم، تكليف الوزير الأول بالسهر بمعية وزير العدل حافظ الأختام، بمتابعة الأوضاع بالولاية والحرص على أن تتكفل النيابة العامة بسرعة وبحزم بكل الخروقات القانونية، تكليف قائد الناحية العسكرية الرابعة، بالإشراف على عمل مصالح الأمن والسلطات المحلية المعنية من أجل استتباب النظام العام والحفاظ عليه عبر الولاية، وكذا تكليف الحكومة بالسهر على تسريع تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. دعم مساعي التهدئة وإرساء التعايش ببرامج تنموية وإذ تأتي هذه الإجراءات كرد مباشر على التصعيد الذي عرفته الأحداث المأساوية بالمنطقة يومي الثلاثاء والاربعاء الفارطين، والتي خلّفت مقتل 22 شخصا جراء المواجهات العنيفة بين مجموعات الشباب، فهي تعبّر عن إصرار الدولة وحزمها على إعادة الأمن والاستقرار إلى هذه المنطقة من خلال السهر على التطبيق الصارم للقانون ضد المتسببين في إثارة الفتنة والإخلال بالنظام العام من جهة، وكذا تبنّي أسلوب الحوار ولغة الحكمة والتعقّل لإرساء التعايش بين المكونات الاجتماعية بالمنطقة من جهة ثانية، فضلا عن تدعيم كل هذه الجهود بمشاريع وبرامج تنموية تستجيب لتطلعات وانشغالات سكان الولاية على اختلاف انتماءاتهم المذهبية. وقد عملت الدولة منذ اندلاع أعمال العنف التي طالت ولاية غرداية، والتي أخذت في الآونة الأخيرة منحى تصاعديا، على اتخاذ سلسلة من القرارات الرامية إلى استرجاع الأمن والهدوء بالمنطقة من خلال تبنّي أسلوب الحوار بين الأطراف المتنازعة. وتعود الأحداث التي تمر بها هذه المنطقة إلى نهاية سنة 2013، حيث كانت بعض أحياء مدن غرداية قد عرفت وقوع اشتباكات وأعمال عنف متكررة ما بين مجموعات من الشباب، كانت خلّفت مقتل 13 شخصا وإصابة نحو ألف آخرين بجروح غالبيتهم من عناصر قوات حفظ النظام، كما تخللت هذه الأحداث أعمال نهب وتخريب طالت المحلات التجارية والسكنات، حيث تم تسجيل تحطيم وإحراق حوالي 800 مسكن و500 محل تجاري و20 منشأة عمومية. ومن أجل احتواء الوضع تم إطلاق عدة عمليات تهدف إلى استتباب الأمن وعودة السكينة إلى المنطقة من خلال تبنّي أسلوب الحوار والتقريب بين الأطراف المتنازعة، حيث تنقل الوزير الأول وأعضاء من الحكومة إلى عين المكان من أجل وضع حد لأعمال العنف. وعقب عدة اجتماعات بغرداية وبالعاصمة تم اتخاذ جملة من الإجراءات منها إرساء مجلس للعقلاء على مستوى البلديات المعنية بهذه الأحداث، يكون فضاء للتحكيم والصلح على أساس المشاركة المنسجمة والسلمية التي لطالما كانت متبعة بهذه الولاية منذ زمن طويل. ومن منطلق إصرار الدولة على تطبيق القانون من أجل استعادة النظام في إطار الاحترام الصارم لقوانين الجمهورية، تم إنشاء مركز عملياتي للأمن بالولاية يسير بالإشتراك ما بين الدرك والأمن الوطنيين، وذلك بهدف إعادة الأمن والهدوء إلى المنطقة. كما تقرر كذلك التوزيع العادل والمتساوي ل30 ألف قطعة أرضية موجهة للبناء الذاتي عبر مجمل بلديات الولاية، فيما قررت السلطات العمومية من أجل محو مخلّفات هذه الأحداث الأليمة التكفل بإعادة تأهيل السكنات والمحلات التجارية التي تم إحراقها من خلال منح إعانات لأصحابها المتضررين، حيث تم إعادة تأهيل أكثر من 500 مسكن بتكلفة تقارب 475 مليون دينار ببلديات القرارة وبريان وغرداية. وعلى الرغم من تراجع وتيرة العنف بين الفينة والأخرى وعودة الهدوء الحذر، إلا أن عدم الاستقرار بقي يطبع هذه المنطقة من خلال تجدد الاشتباكات التي كانت تعود في كل مرة لسبب أو لآخر، حيث لم يمر أكثر من أسبوع على تنصيب وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين بدوي، للجنة الوزارية المشتركة المكلفة بمتابعة الوضع السائد بالمنطقة، حتى اندلعت الاشتباكات الدامية التي زهقت فيها أرواح 22 شابا وأصيب خلالها العشرات بجروح متفاوتة الخطورة، الأمر الذي استدعى برئيس الجمهورية، إلى التدخل لاتخاذ قرارات صارمة بدأت نتائجها تتجلى في الميدان، من خلال تشر تعزيزات أمنية هامة مدعمة بعناصر من الجيش الوطني الشعبي، عبر الأحياء والمناطق التي تعتبر بمثابة بؤر توتر، ما أدى إلى عودة الهدوء إلى تلك المناطق. قوات الشرطة المتمركزة في غرداية توقيف 30 مبحوثا عنه من طرف القضاء في إطار تنفيذ أوامر القضاء وبعد أقل من 12 ساعة من صدورها عن الجهات القضائية المختصة، تمكنت مصالح الشرطة من ضبط وإيقاف وتقديم 30 شخصا محل أوامر قضائية، منها أوامر بالقبض، كما حجزت مجموعة من الوسائل التي استُعملت في المشادات الدامية التي شهدتها ولاية غرداية مؤخرا، والتي عرفت عددا من القتلى والجرحى، منها أسلحة بيضاء، مقذوفات حديدية، كميات من البنزين وزجاجات تُستعمل لصنع المولوتوف. وفي السياق، وضمن خطة أمنية محكمة، كثفت قوات الشرطة المتمركزة في مدينة غرداية والقرارة وبريان، الدوريات وعمليات المراقبة الثابتة والمتنقلة، لإيقاف المبحوث عنهم من طرف السلطات القضائية والمشتبه تورطهم في أعمال الشغب الأخيرة، وهذا لتجسيد المخطط الأمني الشامل المسطر، والذي تشارك فيه ضمن القوات المشتركة من أجل الحفاظ على أمن الأشخاص وحماية الممتلكات وعودة الاستقرار والطمأنينة في هذه المجمعات الحضرية. وتذكّر المديرية العامة للأمن الوطني برقمها الأخضر 1548 للاستجابة لنداءات المواطنين، الذين يبقون شريكا أساسيا في العملية الأمنية.