يصبح التمر مع حلول شهر رمضان المعظم احد أهم الفواكه التي لا تخلو منها الموائد الرمضانية في جميع الدول العربية وذلك اقتداء بسنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، حيث كان يفطر على التمر قبل أدائه صلاة المغرب نظرا لما لهذه الفاكهة من خصائص غذائية هامة من شأنها شحن الجسم بما يلزمه من الطاقة.ولكن هل حضور التمر على موائد الافطار عند الجزائريين أمر لابد منه أم يمكن الاستغناء عنه؟ وهل السبب وراء ذلك هو الجهل بسنة النبي أم هو غلاء التمر؟ من خلال جولتنا الاستطلاعية قمنا بزيارة بعض الاسواق بالعاصمة لجس النبض حول مدى وفرة منتوج التمر، والاقبال عليه والاطلاع على الاثمان وكانت الانطلاقة من ساحة الشهداء، حيث تنقلنا الى محل لبيع التمر كان به التمر مرتبا في علب وكذا على شكل عراجين معلقة، إلا أن أول ما لا حظناه هو أن الكمية المعروضة لم تكن كبيرة في حين كانت الاسعار تتراوح بين 340 دج الى 380 دج للكيلوغرام الواحد، اقتربت "المساء" من التاجر لتسأله حول وفرة المنتوج ومدى الاقبال عليه فرد قائلا "ينبغي أن تعلموا أن هذا التمر ليس بالجديد لان التمر لم ينضج بعد ويدخل السوق في شهر أكتوبر، كون رمضان أتى متقدما، والذي نقوم بعرضه هو منتوج العام الماضي الذي كان مخزنا في المبردات، وما ينغي التأكيد عليه هو ان محصول التمر هذه السنة قليل وهو السبب في ارتفاع ثمنه، الى جانب أنه كلما طال وجود التمر بالمبرد يصبح ثمنه مرتفعا اكثر"، أما عن الاقبال فيضيف المتحدث "أنه قليل نوعا ما اذ أن الاغلبية من الذين يبتاعون التمر هم من الجالية الجزائرية في الخارج الذين نفذت عطلتهم ويتأهبون للرجوع الى أرض المهجر أو من الذين يملكون الاهل والاقارب في الخارج فيرغبون بمناسبة حلول شهر رمضان في ارسال كميات معتبرة من التمر لهم كهدية". وفي ذات السياق يؤكد التاجر "أنه يسعى للتخلص من الكمية المتوفرة لديه ليتوقف عن مزاولة النشاط بسبب نقص التمر وغلائه من جهة وليستأنف عمله بعد خروج الشهر الفضيل، حيث يكون التمر قد أصبح متوفرا وبأسعار مناسبة". قصدنا سوقا آخر بالابيار، حيث كان بالسوق تاجر واحد فقط يبيع التمر، كما ان الكمية لديه أيضا كانت قليلة في حين كانت الاثمان تدور في حدود 340 دج للكيلوغرام الواحد، اما العرجون من التمر فقد وصل ثمنه الى 480 دج للكيلو غرام وقد أكد البائع - للمساء - أن التمر مع اقتراب شهر رمضان ارتفع بأكثر من 50 دج فقد كان قبل شهرين فقط يقدر ب 250 دج لليكلو غرام الواحد. من جهة أخرى كشف البائع أن المنتوج من التمر الذي يبيعونه هو ذلك المخزن بالمبردات وهو قليل، أما عن الاقبال فقد أوضح أن الناس تقبل على شراء التمر بلهفة خلال الايام الثلاثة الأولى لرمضان متجاهلين الثمن، حيث أكد أن ما معدل عشرة صناديق من التمر (كل صندوق فيه 15 كيلوغرام من التمر) ينفذ في حدود الثلاثة أيام الأولى لرمضان، أما الايام الاخرى من الشهر فيتراجع فيها الاقبال بشكل محسوس رغم أن الاثمان تظل نفسها اذ قد تبقى كمية التمر المعدة للبيع ما يفوق الشهرين قبل أن تنفذ. في حين نجد أن التمر بسوق بوزريعة يكاد يكون غائبا وهو ما يؤكد أن منتوج التمر قليل، حيث صرح البائع الذي كان بحوزته صندوق واحد بين صناديق الفواكه أن الناس لا تقبل على شراء التمر كونه باهض الثمن، حيث بلغ عند هذا الاخير 400 دج للكيلوغرام الواحد. المهاجرون يقبلون على شراء التمر ما لاحظناه ونحن نقوم بجولتنا أن أغلب الذين يقبلون على شراء التمر مقيمون بفرنسا من بينهم السيدة نورية التي التقيناها بساحة الشهداء والتي اشترت كمية كبيرة من التمر ومعجون التمر، حيث أوضحت أن اقتناء التمر نابع من الحرص على تطبيق سنة النبي المصطفى بالافطار على حبات التمر أولا، إلى جانب ادراكها لما لقيمته الغذائية، ناهيك على أنه لا مثيل لتمر الوطن على حد تعبيرها. وإذا كانت السيدة نورية مهاجرة تأخذ التمر معها فإن كمال الذي التقيناه بسوق الابيار أراد أن يهدي أخته المقيمة بفرنسا علبة من التمر بمناسبة حلول شهر رمضان حتى تفطر عليه وهو ما قامت به السيدة زينب التي اقدمت على شراء سبعة كيلو غرامات من التمر حتى ترسلها الى أبنائها المقيمين بانجلترا وتقول أنه لا غنى عن التمر في شهر الصيام. التين بدل التمر لدى بعض العائلات إذا كانت الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج تحرص على الإفطار على حبات التمر كونه سنة ولما له من فوائد غذائية، فإن بعض المقيمين بأرض الوطن يجهلون أهمية الإفطار على التمر ولا يعرفون حتى أنه سنة أو لما له من قيمة غذائية، وفي هذا الشأن تقول السيدة مليكة أن التمر الذي يباع ليس نوعيا الى جانب كونه باهظ الثمن، فعلى الرغم من أن بلدنا منتج للتمر ذي الجودة العالية، إلا أننا لا نحصل عليه. من جهة أخرى تقر المتحدثة أنها لا تفطر على التمر، بل على "البخسيس" (التين)، كونها من منطقة القبائل. أما السيدة أمينة عيسى، فتقول أنها لا تشتري التمر مطلقا في شهر رمضان، حيث تفطر وافراد أسرتها على "الشوربة" مباشرة، وتضيف في هذا الخصوص أن التمر مرتفع الثمن. من جهته، يجهل إسماعيل ما للتمر من فوائد صحية عند الإفطار به، رغم علمه بأنه سنة عن النبي المصطفى، ويقول أنه عند الإفطار يبدأ ب"الزلابية". الفوائد الغذائية للتمر قد يجهل الكثير من الناس ما للتمر من مخزون غذائي، فالرسول عليه الصلاة والسلام، عندما كان يفطر عليه لم يكن ذلك من فراغ، بل لحكمة أكدتها الدراسات والبحوث العلمية بعد عدة قرون، إذ كشفت بأن التمر يحتوي على أكبر نسبة من السكريات تعادل 75 بالمئة الى جانب احتوائه على العديد من المعادن كالكالسيوم والصوديوم والمغنزيوم، الى جانب غناه بفيتامينات (ا) و(ب1) و(ب2) و(د).. من جهة أخرى يحتوي التمر أيضا على نسبة عالية من الألياف التي تساعد على تنشيط حركة الأمعاء وتحمي معدة الصائم من عسر الهضم، فجسم الإنسان عند الصيام ونتيجة للحركة التي قوم بها طيلة النهار، يحتاج الى حرق سعرات حرارية كبيرة، ويعتمد في ذلك على ما اختزنه الجسم من وجبة السحور ومخزون السكر الموجود بالكبد، لذا، بعد الإفطار يستحسن للصائم البدء بمادة مكسرة ولا يوجد أحسن من التمر، إذ يقول صلى الله عليه، وسلم إذا أفطر أحدكم فليفطر على التمر فإن لم يجد فالماء طهور". فالسكريات الموجودة بالتمر من شأنها أن تقوي عضلات وأعصاب الصائم، تحارب الاضطراب العصبي، تلين الأوعية الدموية وتكافح الكسل والتراخي والخمول الذي يصيب الشخص بعد الإفطار، ويساعد أيضا على ترطيب الأمعاء ويحفظها من الالتهاب، ومن هنا تظهر الحكمة النبوية الشريفة من وراء إقرارالإفطار بالتمر على الريق.