خرج مجلس الوزراء الذي انعقد يوم الأربعاء الماضي برئاسة السيد عبد العزيز بوتفليقة، عن المألوف من حيث إنه تعاطى هذه المرة بجدية كبيرة مع بعض الملفات وكذا الوزراء الذين حدد لبعضهم ولقطاعاتهم "دفتر شروط"، يُلزمهم بتحديد الالتزامات الواجب تنفيذها في آجال محددة. وخلافا للاجتماعات السابقة التي كانت تخرج بجملة من النصوص والتنظيمات والقرارات الشفهية، فإن هذا الأخير أخذ طابعا إلزاميا خاصة بالنسبة للقطاعات الحساسة... وقد لقيت جملة القرارات المنبثقة عن الاجتماع ترحيبا واسعا من قبل المتخصصين. وفي هذا السياق، حدد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لأعضاء الحكومة خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء، البرنامج الواجب اتباعه من خلال جملة من التدابير، شملت أساسا الإسراع في عصرنة قطاع العدالة، وتحريك الآلة الاقتصادية والتحضير للدخول الاجتماعي المقبل، وتحسين الخدمة العمومية، وهي القطاعات التي تقع في صلب انشغالات المواطنين واهتماماتهم اليومية، والتي تسعى الحكومة لحلحلتها بغية تحسين الإطار المعيشي وترقيته. وفي قطاع العدالة، كلّف رئيس الجمهورية الحكومة باتخاذ الإجراءات الضرورية للإسراع في دخول هذه التدابير الجديدة حيز التنفيذ في أجل أقصاه 6 أشهر، حسبما ينص عليه القانون المصادق عليه. كما أكد الرئيس بوتفليقة تمسّك الدولة بسياسة التضامن الوطني والعدالة الاجتماعية؛ حيث كلّف الحكومة بالسهر على عقلنتها مع العمل أيضا على القضاء على كل أشكال تبذير الموارد العمومية. وبعد أن جدّد دعم الدولة للاستثمار والإنتاج الوطني قدّم رئيس الجمهورية تعليمة إلى الحكومة من أجل مكافحة كل أشكال التهرب الجبائي والجمركي والغش على الأعباء الاجتماعية بكل صرامة. وبخصوص التنظيم الجديد للصفقات العمومية، أكد الرئيس بوتفليقة أن الإطارات والمسؤولين مدعوّون إلى وضع إجراءات إطلاق برامج وورشات عمومية، والوقاية مستقبلا من إعادة التقييم المالي المكلف وكذا التأخيرات في تسليم المشاريع. وفيما يتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، وافق مجلس الوزراء على قائمة الأعضاء المؤسسين للأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيا. وبهذه المناسبة أكد رئيس الدولة أن الجزائر التي تستثمر الكثير في تربية وتكوين أبنائها وكذا في البحث العلمي، تنتظر من الكفاءات الوطنية أعضاء هذه الأكاديمية، السير بالبلد إلى الأمام في مجال العلوم والتكنولوجيات؛ كونها مؤهلات تنموية قوية في كافة المجالات. كما تطرق مجلس الوزراء للتحضير للدخول الاجتماعي؛ حيث تلقت الحكومة تعليمات من رئيس الجمهورية بدفع الزيادات في الأجور المنبثقة عن المحتوى الجديد للأجر الوطني القاعدي الأدنى في شهر أوت المقبل، إلى جانب مراجعة المنحة الجزافية التعويضية، وبالتالي سيستفيد من التحسين في الأجور بأثر رجعي ابتداء من الفاتح جانفي 2015، حوالي 2 مليون عامل في المؤسسات والإدارات العمومية والقطاع الاقتصادي. كما كلّف رئيس الجمهورية الحكومة باتخاذ كافة التدابير الضرورية لإنجاح الدخول المدرسي والجامعي والتكوين المهني المقبل، بالاضافة إلى تكليفها بتعزيز عمل مختلف الإدارات والمصالح العمومية المعنية بتوفير أحسن الظروف الممكنة لإنجاح الدخول المدرسي في كافة الجوانب. الاتحاد الوطني للمقاولين العموميين: المرسوم الجديد للصفقات يضمن مرونة المشاريع أكد رئيس الاتحاد الوطني للمقاولين العموميين السيد لخضر رخروخ، أن المرسوم الرئاسي المتعلق بالصفقات العمومية الذي صادق عليه مجلس الوزراء، سيسمح برفع العراقيل التي تحول دون تقدم المشاريع، وبتسهيل عملية إطلاقها، مضيفا أن هذا المرسوم سيسمح بتجنب التأخيرات المسجلة عادة في إطلاق المشاريع، وذلك بفضل الإجراءات التخفيفية المنتظرة لضمان المرونة في إبرام الصفقات العمومية. ويرى بأن النص الجديد يتضمن سلسلة من الإجراءات الرامية إلى الحد من العدد المعتبر من مبررات عدم جدوى المناقصة، خاصة تلك المتعلقة بالعدد المطلوب من مقدمي الخدمات وتقارير التبرير لأصحاب المشاريع. وعلاوة على ذلك، أوضح نفس المتحدث أن قيمة المشاريع العمومية المحددة من أجل تطبيق إجراءات قانون الأسواق العمومية، ستنتقل من 8 إلى 12 مليون دج. وأوضح السيد رخروخ أن أي عقد أو طلب تساوي قيمته أو تقل عن هذه العتبة لضمان خدمات الأشغال أو وضع التجهيزات، لا يقتضي بالضرورة إبرام صفقة، مضيفا أن إجراء إبرام الصفقة بالتراضي وقيمتها تم أيضا إعادة النظر فيه، مشيرا إلى أن بعض المشاريع تستغرق وقتا كبيرا قبل انطلاقها؛ بسبب "جمود الإجراء، لكنه يمكننا من الآن فصاعدا إطلاقها بسهولة". وتَوقع السيد رخروخ أن النص الجديد الذي يُعد حسبه بالغ الأهمية، سيعمل على تحرير أكبر للمبادرة بالنسبة لجميع المؤسسات، وليس العمومية فحسب؛ لأنه سيسمح بتشجيع المنتوج الجزائري بغضّ النظر عن الطبيعة القانونية للشركة (خاصة أو عمومية). وقد أدرج التنظيم الجديد بندا في دفاتر الشروط متعلقا بالصفقات العمومية، يمنع اللجوء إلى المنتجات المستوردة إلا في حال عدم توفر المنتوج الوطني المعادل لها؛ قصد تعزيز مكانة الإنتاج الوطني في إنجاز الصفقات. وحيّى السيد رخروخ الإجراءات الجديدة المدرجة في الأمر المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، الذي اشترط فتح تحقيق قضائي متعلق بعمليات تخص التسيير من قبل الأطراف الاجتماعية المعنية، معتبرا أن هذا الإجراء يشكل "تقدما كبيرا بالنسبة لمسيّري المؤسسات الاقتصادية العمومية فيما يتعلق برفع التجريم عن فعل التسيير، علما أن الأمر الجديد الذي صادق عليه مجلس الوزراء يقضي بأن الدعوى العمومية لا يمكن أن تحرَّك إلا بناء على شكوى صادرة عن الأطراف الاجتماعية المعنية، وذلك حين يتعلق الأمر بمخالفات جنائية مرتكبة على حساب شركة اقتصادية تملك الدولة إجمالي رأسمالها، أو مؤسسة ذات رؤوس أموال مشتركة. وزير العدل حافظ الأختام: الإجراءات الجزائية دعم لحقوق الدفاع وضمان للحريات أكد وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح أول أمس بالبيّض، أن التدابير الجديدة التي تضمّنها قانون الإجراءات الجزائية الذي صادق عليه مجلس الوزراء، تدعّم حقوق الدفاع وتضمن الحقوق والحريات، مشيرا إلى أنه "لأول مرة أدرج في التشريع الجزائري حق المشتبه فيه في تلقّي زيارة محاميه أثناء التحقيق الابتدائي أمام الضبطية القضائية، وحق اتصال المشتبه فيه بمحاميه إلى جانب ما هو مكرس في القانون ساري المفعول في الاتصال بأهله وذويه". وأضاف السيد لوح أنه في إطار تقوية السلطة القضائية لفرض القانون واحترامه، حُددت إجراءات أخرى تدعم قاضي الحكم، خاصة في المجال المتعلق بالحريات، "ولكن في نفس الوقت هي مسؤولية كبيرة على عاتق قاضي الحكم وقاضي التحقيق، موضحا أن قانون الإجراءات الجزائية المصادق عليه "ذهب بعيدا في تدعيم السلطة القضائية، كما هو متعارف عليه في الدول المتقدمة"، مؤكدا أن هذا القانون يعزّز ضمان حرية تنقّل الأفراد من خلال ما تم إدراجه من مواد لا يمكن بموجبها منع أي مواطن من التنقل أو مغادرة التراب الوطني إلا بأمر من القضاء أو أثناء التحقيق الابتدائي من النيابة. المحامي ميلود براهيمي: ترتيبات مشجعة جدا من جانبه، اعتبر الأستاذ المحامي ميلود براهيمي الترتيبات الجديدة التي أُدرجت في الأمر المتضمن قانون الإجراءات الجزائية الرامية إلى عصرنة الدعوى العمومية، "مشجعة جدا"، وتتضمن "الكثير من التقدم" لاسيما في مجال تحديد حالات الحبس الاحتياطي، معربا عن ارتياحه لإدراجه في هذا القانون وإمكانية تعويض الحبس الاحتياطي بالمراقبة الإلكترونية. كما يقضي الأمر المصادق عليه من طرف مجلس الوزراء، بتعزيز حقوق المتقاضين؛ من خلال تمكين الشخص تحت النظر، من الاستفادة من زيارة محام، وتحديد حالات الحبس الاحتياطي لتشمل فقط القضايا التي تعرّض المتهمين فيها للسجن لمدة 3 سنوات، مع إمكانية تعويضها بالمراقبة الإلكترونية، ومع ذلك دعا الأستاذ براهيمي إلى إلغاء الإجراء المتضمن سجن المتهم عشية محاكمته، مشيرا إلى أن فرنسا "البلد الذي أقر هذا الإجراء، تخلى عنه منذ أكثر من نصف قرن". ووصف المحامي الإجراء المتعلق بحماية الإطارات المسيّرة العمومية من خلال إدراج إجراء لا يتم بموجبه تحريك الدعوى القضائية إلا بعد تقديم الهياكل الاجتماعية المعنية شكوى بهذا الخصوص، ب "تقدم كبير". وحسب الأمر، ففي حال القيام بمخالفات جزائية تضر بمؤسسة اقتصادية تمتلك فيها الدولة أغلبية الأسهم أو بمؤسسة ذات أسهم مختلطة، لا يتم تحريك الدعوى القضائية إلا بعد تقديم الهياكل الاجتماعية المعنية شكوى بهذا الخصوص. كما ينص الأمر على أن عدم تبليغ أعضاء الهياكل الاجتماعية عن هذه المخالفات يعرّضهم للمتابعة، وعليه شدد السيد إبراهيمي على "تطبيق أفضل في الميدان لهذا الإجراء الذي كان متضمنا في التشريع الجزائري قبل إلغائه سنة 2001".