من المتوقع أن يحصل فيلم "قبلة" للمخرج الجزائري المغترب طارق تقية على إحدى جوائز مهرجان البندقية الكبرى، حيث شارك في المسابقة الرسمية ضمن فعاليات الدورة الخامسة والستين من المهرجان، وهذا حسب ما أكّده العديد من النقاد والمختصين. وكعادته يقدّم الجزائري المغترب في هذا الفيلم الذي وضع السيناريو بمشاركة شقيقه ياسين رؤية كئيبة لكنّها رؤية لا تخلو من أمل يجسّده الحراك الفردي في بلد يحاول التقدّم إلى الأمام ويمتلك المقومات البشرية والمادية لذلك لكنه يعاني من إعاقات على أصعدة مختلفة. تصور كاميرا تقية أحد الموظّفين "بمسح الأراضي" يرسل إلى جنوب-غرب الجزائر بهدف رصد المواقع التي يمكن أن تجر الكهرباء في المكان المسمى "قبلة"، وعلى مرّ الأيام التي تتشابه تصبح الكاميرا رفيقة لهذا الموظّف تطلّ معه على اتّساع ذلك المكان الفسيح وتعدّد مشهده الطبيعي وتصوّر تواتر الأيام الثابتة الصامتة التي يملؤها الفراغ ويحفّها الملل رغم رغبة الشباب بفعل شيء، لتحوّل بذلك بطل العمل إلى العين التي يرى ويكتشف بها المشاهد معاناة تلك الجزائر العميقة المتخفية وراء بريق العاصمة. وقد سعى تقية وفريقه للابتعاد عن المشهد الصحراوي البحت فلم يصوّر كثبان الرمال ولا شجر النخيل بل صوّر تعددية ذلك المشهد الذي يحفل أيضا بالأحجار والصخور وبمساحات خضراء كثيرة، وقد بالغ المخرج نوعا ما في نظرته التشاؤمية لذلك المجتمع الذي وسمه بالعقم وبلوغ شبابه حدّ الرغبة في الانتحار للهروب من الواقع الأجوف الذي صوّره تقية. إنّه المجتمع الذي ينتحر!! هذا ما أراد تقية التدليل عليه مصوّرا انتحار رجل في مكان منعزل لكن وبجانبه يصوّر أفرادا لا زالوا يحاولون المقاومة ويرفضون المصير الذي رسم لهم...؟! وبتناقض واضح في الطرح يقابل تقية نظرته السوداوية التي حرص على إبرازها على امتداد العمل الذي استغرق 140دقيقة برسم تلك الجزائر العميقة في حيوية وحركية كبيرة. فتقية سعى إلى إلقاء الضوء على عيوب المجتمع السبعة كالبيروقراطية، البطالة، الهجرة، العزلة والفراغ، لكنّه لا يصوّر شخصيات بقدر ما يصوّر وضعيات وحركات أجساد وفي هذا المقام يقول المخرج: "حتى نرى الأشياء ونسمعها علينا على نحو متعارض إخفاؤها". يقدّم طارق تقية في "قبلة" سينما الفضاءات الرحبة التي تعاون في تصويرها مع مدير التصوير والمصور الفوتوغرافي ناصر مجكان الذي اعتمد الحركة البطيئة لتثمين المناظر الطبيعية الجميلة، وحول ذلك يقول تقية "أنا وناصر أصدقاء أصلا واعتبارا من هنا فناصر ليس بحاجة ليثبت لي انه مصوّر جيّد ولسنا في علاقة تنافسية ويتم تبادل الأفكار بيننا على نحو حر". ويحدث التحوّل في الفيلم حين يكتشف الموظّف أنّ امرأة افريقية مهاجرة لجأت إلى مخيّمه فيقرّر حين يعلم رغبتها بالعودة إلى بلادها أن يوقف كل شيء ويصطحبها في طريق عودتها، وقد اعتمد المخرج المشاهد الطويلة التي أصرّ عليها في فيلمه رغم ثقلها، وقد برّر ذلك المخرج بقوله:" يجب إعطاء الوقت للأشياء وللحركات ولا اعتقد أن فيلمي طويل كما انه ليس صحيحا أني أنجز أفلاما للنخبة واحتقر الجمهور كما اتّهم". يذكر أنّ للمخرج المغترب طارق تقية العديد من الأفلام التي لا تختلف كثيرا عن فيلمه المذكور والتي تسعى -كما هو حال مع ما يعرف بسينما المهجر أو سينما المخرجين الجزائريين المولودين في أوربا التي تُغرى بجوائز عالمية مقابل تسليط الضوء على مساوئ مجتمعاتها الأصلية من جهة وتيهان وتشتت شباب الجالية الجزائرية من جهة أخرى - إلى إبراز إفلاس المجتمع الجزائري على غرار فيلمه "روما ولا نتوما" الذي نقل صورة إنسان يراوح مكانه، وفيلمه "حديد الانتظار" الذي صوّر البنيان غير المكتمل لعمارات لتصبح هذه العمارات استعارة للجزائر.