حطت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بموروثها الفني، الثقافي والإبداعي، بقسنطينة عاصمة الثقافة العربية، حاملة معها حقيبة ثقافية ثرية، لتقول أنها جزء من هذا التاريخ وأنها جزء من هذه الأمة وأنها تحمل العديد من الجوانب المشتركة. فقد قطع الوفد الإيراني المشكل من 31 عضوا، ألاف الكيلومترات ليكون بين أحضان قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، ونقل معه نفحات من مدن بلاد فارس على غرار أصفهان، شيراز، تبريز وطهران وهي مدن عريقة، حملت ألوان الإبداع والثقافة الأصيلة. افتتح وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، رفقة أبي ذر إبراهيم تركمان، رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الإيرانية، مساء الجمعة، فعاليات الأيام الثقافية لإيرانبقسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، حيث دشنا معرضا للفنون التقليدية ضم أهم الفنون الإيرانية المتمثلة في الرسم، المخطوطات، صناعة السجاد، النقش على النحاس وصناعة زينة البيوت. كما ضم المعرض المقهى التقليدي الإيراني، أين استمتع الحضور بذوق الشاي الإيراني المتميز المقدم في أكواب جميلة مزركشة، مرفوقا بحلوى خاصة تتناول مع هذا المشروب، مصنوعة من خليط من الطحين والمكسرات والعسل. وكانت أول محطة توقف عندها الوفد الرسمي من البلدين، هي نسخة للقرآن الكريم كتبت على شريط من الحرير بعرض حوالي 15 سم وبطول عدد من الأمتار، يعود تاريخ كتابتها إلى حوالي 200 سنة، ليستمع الوفد بعدها إلى شروحات العارضين بدءا من الخطاطة عذراء عقيقي بخشايشي، التي سبق لها أن نظمت عددا من المعارض على المستوى الدولي، إلى الرسامة خديجة حاجيو، ثم النحاتة على الأواني، زهرة مير أحمدي، فتخصص تقنية المكعبات في المجموعة التزيينية من تقديم الفنانة منصورة تقي بور، وفن صناعة السجاد مع المصممة شرمين سارنج، والمزخرفة ميترا رضوي، وطاف الوفد بجناح الكتاب وأهم المخطوطات الإيرانية، قبل أن يتنقل إلى قاعة العرض للافتتاح الرسمي للتظاهرة. موسيقى، شعر وألعاب تقليدية في حفل الافتتاح فاجأ الإيرانيون الجمهور الحاضر في حفل الافتتاح بمعزوفة موسيقية جزائرية غازلت قلوب الجمهور، حيث أدت فرقة الوزيرية للفنان المشهور "كيوان ساكت"، إحدى الأغاني الخالدة للفنان المرحوم دحمان الحراشي، والتي أعادها العديد من الفنانين عبر دول العالم، وهي أغنية "يا الرايح وين مسافر"، أغنية أداها المطرب ياسين من العاصمة ولاقت تجاوبا كبيرا داخل القاعة خاصة من فئة الشباب والطلبة الجامعيين. كما تجاوب الجمهور مع المعزوفة الغنائية التي أداها العازف "كيوان ساكت" على ألة "الوتار" وهي آلة وترية بثلاثة أوتار تشبه الرقم 8، ولها ذراع طويل، وكان مرفوقا بالعازف مجيد أفكادو على آلة العود، حيث أديا مقطوعة مشهورة على المستوى العالمي، من تأليف الإيراني "برانس"، وتم استعمالها في الفيلم العالمي للمثل الراحل شارلي شابلين الذي كان بعنوان "الديكتاتور". وتفننت الفرقة في إمتاع الجمهور القسنطيني بمقطوعات إيرانية من خلال استعمال عدة آلات على غرار الدف، التنبك (تشبه الدربوكة ولكنها من الخشب)، الكمانجي (تشبه الكمان)، ورافق فرقة "كوان كاست"، المطرب حمدي رضا مالك، صاحب الصوت الشجي. واختار الوفد الإيراني أن يكون حفل الافتتاح الذي انطلق بآيات من الذكر الحكيم، وبنشيدي البلدين، ثم عرض فيلم حول جمال وإنجازات دولة إيران تحت عنوان "إيران أرض الحياة"، مزيجا بين الحرف، النغمة والحركة، وهو المزيج الذي صب في بوتقة واحدة ليعكس ثراء التراث اللامادي في الثقافة الإيرانية. وتزاوجت خلال هذا الحفل الكلمة العربية الجزائرية بالنغمة الإيرانية، حيث قدم الشاعر طارق مغنم، قصيدة شعرية رافقه فيها العازف الإيراني مجيد أفكادو على آلة العود، كما تم عرض بعض الصور التي تربط الجزائربإيران، وصور لشهداء الجزائر، مفكريها ورؤسائها ونظرائهم من الجمهورية الإسلامية، وحملت القصيدة عنوان "سلالة ثورية"، قال طارق مغنم في مطلعها: من السهل أن أكون كائنا مثل باقي الكائنات ولكن أن أكون رجلا فهذا هو الأمر الصعب والأصعب أن أكون إنسانا والمستحيل هو أن أكون جزائريا فأرضك ليست كالأراضي واسمك ليس كالأسامي وشعبك ليس كالشعوب وثورتك ليست كالثورات يا أرض كنت في المحن غارقة يا بلدي يا مضحية يا مأوى كل مجاهد ومنازعة يا بلادي الجزائر يا بلدي أنا يا مفهوم العلى... لينتقل في مقطع آخر ويقول: القوي هو الذي يحب والضعيف هو الذي يدّعي لأنه لا يستطيع أن يحب الشعب الإيراني أحب وطنه فكان قويا وأية الله تجسدت في إسلامه الذي صدح به في كل صيحاته شعبا بحروف سماوية رسم كلامه وعلى خطى إسلامية أسس كيانه فكان دوما إسلاميا نضاله... ثم قال: لي من الجزائر إلى بلاد الفرس سلام لي من أرض الشهداء أحلى كلام من قسنطينة إلى قم رسمت مجلدات العلم بريشة خطت أحرفها بحبر الدم فتكونت نصف جيهان، أصفهان لتكون توأمة إكوزيوم تلمسان ومشهد اتحدتا على كلمة الإسلام وخطتا خطى بلديهما من منبر خير الأنام ليصيح دهمواند بأعلى صوته إلى الأوراس سلام فعلى تربتنا سالت دماء رجال عظام تشهد عليها شيراز وتروي تاريخه وهران ******* من ثورة المليون ونصف المليون شهيد إلى ثورة فكرية إسلامية سلام لي من مصطفى بن بولعيد سلام إليك يا بهشتي ديدوش مراد يرسل برقية ثورية إلى مجالي زيغود يوسف يتصفح فلسفة مطهري ألقوا بالثورة إلى الشعب ناضل من أجلها العربي بن مهيدي ومقدمة ثورية في فكر الإمام الخميني هذا الاسم بابن باديس يذكرني هذان اسمان محفوظان في ذاكرة المستضعفين ببلدكم وببلدي مرتبطان الجزائر تحتضن طهران بوابة الأمير دولة تأسست رغم أنف المعتدين وختم قصيدته بالتطرق إلى قضية الأمة، هي قضية فلسطين، قال فيها: هاهم أمامكم تحتضنهم بلاد روت تربتها دماء من نفس السلالة اتحدث بصوت واحد اسمه فلسطين لتروي للذين صموا أذانهم قصة طفل فلسطيني يشكو لكم نسيانكم ويبكي بكاءكم أنا طفل صغير أخبركم وطني وطن كبير لا يحتاجكم سيقاضيكم وفي محاكم عروبتكم يحاكمكم... عز الدين ميهوبي، وزير الثقافة: إيران صنعت لنفسها ثقافة جديرة بالاحترام أكد وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، في الكلمة الترحيبية التي ألقاها بالمناسبة، أن إيران تعبّر عن حضورها الدائم والمستمر في أهم الفعاليات التي نظمتها الجزائر رغم بعد المسافة، مضيفا أن هذا البد جدير بالاحترام لما يحمله من تاريخ وحضارة، موضحا أن المعارض المشاركة في التظاهرة تبرز بحق عمق ثقافة هذا الشعب الشقيق. وقال ميهوبي إن هناك عملا كبيرا في إيران لتثبيت القواعد والمقومات الثقافية وسط المجتمع من أجل مستقبل زاهر، معتبرا أن الحديث عن إيران الثقافية، يحتم على الجميع الحديث عن النماذج العالمية التي حُفرت في ذاكرة العالم، على غرار الفردوسي صاحب الشهنامة الشهيرة، فريد الدين العطار، عمر الخيام جلال الدين الرومي. ومن جيل الخمسينيات والستينيات، ذكر الوزير كل من أحمد شمل، قيصر أمين وعبد الجبار كاكائي وموسى بيدج، هذه الأسماء قال عنها إنها ساهمت في إثراء الساحة الثقافية العربية، وكانت في تواصل دائم مع الثقافة العربية من منطلق أن المشارب واحدة والحضارة واحدة. وقال ميهوبي "استقبالنا لثقافة إيران بتنوعها وبزخمها في مدينة قسنطينة التي عرفت بتاريخها وإرثها الفني الأصيل، هو انتقال من حضارة إلى حضارة وتفاعل لإنتاج الهوية المنشودة، وهي الهوية الإسلامية التي هي الحضن عندما تكون العواصف وحملات الذين يسعون إلى تفتيت هذه الأمة من الداخل أو الخارج". مضيفا أن هناك اهتماما كبيرا من طرف المثقفين الإيرانيين، المبدعين والأكاديميين بالفن الجزائري، ومعرفتهم بالمثقفين الجزائريين بدقة وتفصيل، وهناك تواصل للتعريف بالأدب الجزائري ونتج عنه ترجمة العديد من النصوص الجزائرية إلى الفارسية. وأكد وزير الثقافة أن إيران قدمت دعما كبيرا للثورة الجزائرية، وأن الشعب الإيراني تفاعل كثيرا مع الثروة منذ بدايتها، وظل سندا لها حتى استقلت رغم الظروف الصعبة التي كان يعيشها الشعب الإيراني. ومن جهة أخرى اغتنم صحفيو وكالة الأنباء الإيرانية "إيرنا"، تواجد وزير الثقافة بحفل الافتتاح، للتقرب منه ونقل رسالته إلى الشعب الإيراني، حيث أثنى عز الدين ميهوبي، على العلاقات المتميزة بين البلدين، وقال إن هناك فنا متميزا نقله الإيرانيون إلى قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، وأن هذا الفن سيجعل الكثير من الحرفيين والفنانين الجزائريين يستفيدون من هذه التجربة، مضيفا: "نتمنى أن لا يبقى هذا المعرض في قسنطينة فقط وإنما يمتد إلى مدن جزائرية أخرى". وقال ميهوبي، إن الجزائر تصبو باستمرار إلى مد جسور التوصل مع إيران، وإن هناك تطورا واضحا في العلاقات على كل الأصعدة. مضيفا أن الزيارات التي قام بها مسؤولون إيرانيون للجزائر، مثلما زار الرئيس بوتفليقة إيران، تهدف كلها إلى هذا المسعى النبيل، ليختم بتمنايته بأن تتعزز العلاقات أكثر من خلال تبادل الزيارات من الطرفين وتبادل التجارب السياسة، الاقتصادية والثقافية. رضا عامري، سفير إيرانبالجزائر: علاقاتنا ممتازة ونسعى لتعزيزها في شتى المجالات أكد سفير إيرانبالجزائر رضا عامري، أن العلاقات بين البلدين ممتازة في المجالين الثقافي والسياسي، وقال في تصريحه لجريدة المساء: "لدينا قواسم مشتركة عديدة وكثيرة سنستغلها لتقوية علاقاتنا في كافة المجالات، وهناك إمكانيات كثيرة للتعاون الاقتصادي خاصة في الظروف التي يمر بها البلدان، وأظن أن العلاقات ستتعزز في هذا الجانب بعد انعقاد اللجنة العليا المشتركة بين الجزائروإيران خلال شهر ديسمبر المقبل، ونعتقد بعد ذلك أن تحدث الوثبة في جانب العلاقات بين البدين". وأكد سفير إيرانبالجزائر، رضا عامري، خلال الكلمة الترحيبية التي ألقاها، أن العلاقات الثنائية بين إيرانوالجزائر والتي تسير بخطى ثابتة نحو المزيد من التطور والازدهار، ووقوفهما جنبا إلى جنب في التعامل مع الكثير من القضايا الدولية والإقليمية، تعود إلى أصل ثابت هو المشتركات الثقافية بين البلدين والشعبين اللذين لعبا دور لا يستهان به في نشر وتبليغ العلوم والقيم الإنسانية إلى شتى أرجاء العالم، مضيفا أن هناك عناصر ثقافية مشتركة ومهمة تجمع الشعبين والتي تعتبر عوامل أصلية في التقارب، كما أن هناك تاريخا نضاليا متشابها، وكذا الاشتراك في محور رئيس وهام وهو محور الدين الإسلامي. ووصف سفير إيرانبالجزائر، هذا اللقاء بالجامع الذي جمع بين ثقافة شعبين تجمعهما أواصر الأخوة والمودة والقيم السامية، مضيفا أنه اجتماع يبعث على الفخر والاعتزاز خاصة وأنه يقام في مدنية عرفت بثراتها الثقافي الغني، ومقاومتها وملحمتها الثورية ضد الاحتلال، وكل ما تزخر به من تراث وعلم وتقاليد وسنن حميدة أدى بها إلى تقمص عنوان الثقافة. أبو ذر إبراهيمي تركمان، رئيس الوفد الإيراني: نتطلع لتنظيم أسبوع ثقافي جزائري بإيران أكد أبو ذر إبراهيمي تركمان، رئيس الوفد الإيراني ورئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، أن الثقافة هي بوابة الأمم للتعارف خاصة بين الشعوب الحيّة والنشطة، حيث تتحقق الصداقة والتعايش السلمي، مضيفا أن للثقافة دورا محوريا في حياة الإنسان بكل أبعادها، وأنه من دون الرجوع إليها لا يمكن معرفة المجتمعات، وبذلك لا يمكن معالجة مشاكلها وقضاياها المختلفة. كما دعا المتحدث إلى الاهتمام بالقدرات الثقافية الأصيلة وتوظيفها في التراث الإنساني لتنظيم العلاقات الدولية، وحل المشاكل المعقدة والمتراكمة لنشر المحبة بين الشعوب، وقال خلال الكلمة الترحيبية التي ألقاها أن إقامة الأسبوع الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانيةبقسنطينة عاصمة الثقافة العربية، هو فرصة للجزائريين للاطلاع على صورة إيران في مرآة الثقافة والفن. وثمّن ضيف الجزائر جهود القائمين على التظاهرة، مبديا رغبة بلاده في استضافة الأسبوع الثقافي الجزائري في العديد من المدن الإيرانية، من أجل التعريف بإبداعات بلد المليون ونصف المليون شهيد، مضيفا أن علماء بلده تمازجت أفكارهم مع أفكار علماء ومفكري العالم العربي تحت مظلّة الإسلام. الفرقة الرياضية "ورزش زورخانه أي" تبهر الحظور أبهرت الفرقة الشعبية للفنون الرياضية، الجمهور بأدائها المتميز، وهي فرقة مكونة من أربعة رياضيين، اسمها "ورزش زورخانه أي"، مختصة في الرياضات التقليدية الكلاسيكية الإيرانية التي تعكس تمسك الإيرانيين منذ القدم بالرياضات التي تعتمد على القوة الجسدية، البسالة والشجاعة، يعود تاريخها إلى 700 سنة وأسست بخوارزم على يد محمود المعروف ببوريا الولي. قدت هذه الفرقة في بداية العرض رقصات تشبه الرقصات الصوفية، كانت تتبع ريتم منشدين يضربون على آلة "تنبكا" كبيرة الحجم، تشبه آلة الدربوكة عندنا، ويقوم المنشدان بإثارة حماسة الرياضيين من خلال الكلمات التي ينشدونها وفي أغلبها صلوات على النبي (ص)، وبعض الأناشيد المشهورة على غرار "طلع البدر علينا"، وتعتمد هذه الرياضة على الرقص التقليدي واللعب بأشغال مختلفة وهي أشكال في الغالب تشبه القوارير ولكنها من الخشب بألوان وأحجام مختلفة يتم رميها في السماء واستقبالها مثلما يقوم به البهلواني، كما تستعمل في الرقص. وتعد هذه الرياضة من التراث الثقافي اللامادي الإيراني المسجل في اليونسكو سنة 2010، والتي أثارت إعجاب وزير الثقافة الجزائري، عز الدين ميهوبي، الذي حاول تقليد هذه الرقصة باستعمال الأشكال الخشبية.