في خضم الزخم التكنولوجي الذي يعرفه العالم بفعل العولمة، يعرف الكتاب، ذلك الرفيق والأنيس المعرفي "زعزعة"، لذلك يسعى القائمون عليه إلى حفظه، كما هو حال الصالون الدولي للكتاب الذي يرجى من خلاله استرجاع تلك المكانة في قلوب المواطنين، فما مدى مساهمة هذا النوع من المعارض في الرفع من مقروئية الفرد؟ لمعرفة مدى مساهمة هذا النوع من الصالونات في استرجاع وهج "قراءة الكتاب" وسط المجتمع الجزائري، كانت ل"المساء" جولة استطلاعية في الصالون الدولي للكتاب في طبعته العشرين هذه السنة، حيث توقفنا مع بعض الزوار ودور النشر عند إشكالية ترتبط بفعل النشر والتوزيع، وبتدهور فعل القراءة وعزوف المواطن عن عالم الكتاب، بالتالي فإن نسبة المقروئية متدنية بشكل واضح، لاقتصار تلك الثقافة على فئة محددة تجمع بين النخبة العلمية وبعض الطلبة الجامعيين، فضلا عن قلة قليلة من هواة الكتب والمطالعة، ويبقى الاختلاف بين نوعية القراءة لتكون حسب اهتمام كل فرد. بداية، اقتربنا من بعض زوار المعرض، حيث حدثتنا السيدة رتيبة التي كانت تتجول بين أجنحة المعرض باحثة عن كتب تثير اهتمامها قائلة: "نأمل أن هذا النوع من المعارض تعمل على إعادة بعث أهمية الكتاب وترسيخه عند الفرد"، مشيرة إلى أن الجزائري يملك ميلا لقراءة الكتاب، وهو ما يشرح الإقبال الكثيف على معارض الكتب، وما على الجهات المسؤولة على هذا النوع من المعارض إلا تكثيفها وجعلها ملاذا فسيفسائيا من حيث تنوع الكتب حتى يجد كل فرد ضالته في هذه المكتبات "المؤقتة" العظيمة. وأمام غياب إحصائيات دقيقة عن واقع المقروئية في الجزائر، كان من الصعب تحديد أو تقييم واقعها ومدى تفاعل الجزائري مع الكتاب، في الوقت الذي أجمع العديد على أنه في تذبذب مستمر بسبب عدة عوامل، يبقى أهمها؛ عدم حمل ثقافة القراءة من الآباء، خاصة هؤلاء الذين في وقت مضى كانوا يجالسونه بصفة روتينية، ليبقى العامل الثاني هو التكنولوجيا التي ساهمت في جعله قطعة من ديكور رفوف مكتبات المنازل. من جهته، أوضح الزائر محمد شريف طالب جامعي في الحقوق، أن تراجع المقروئية عندنا يتصدره غياب المرافق العمومية من المكتبات الكبيرة التي من شأنها جذب القراء من مختلف المستويات، فتلك المكتبات الصغيرة المنتشرة عبر الأحياء والبلديات لا تستوعب الحجم الكافي من المواطنين الراغبين في المطالعة، ويمثل أيضا مشكل التنوع في الكتب هو الآخر داخل المكتبات الوطنية أو الجامعية، حيث لا يلبي رغبات محب المطالعة، ليجد نفسه أمام مجموعة من مطبوعات جامعية تقتصر على المواد المدروسة، ويضيف المتحدث قائلا: "لا أرى غرض جعل المكاتب الجامعية مقتصرة على طلاب الجامعة فقط، لتحرم بها من ذلك الشرائح الأخرى من المجتمع، فلابد من جعلها مفتوحة على الجميع، وذلك بإمكانية استخدام بطاقة تقدم للشخص الراغب في الاطلاع". وعلى صعيد آخر، يرى السيد عبد القادر أستاذ جامعي بكلية العلوم الإسلامية أن بعض دور النشر هي المسؤولة على هذا المشكل، فتراجع المقروئية ليس بسبب التكنولوجيا أو مطالعة صفحات "النت"، بالعكس هذا يسمح أكثر بمعرفة كل جديد في هذا العالم، وإنما المشكل الحقيقي يكمن في اهتمام بعض دور النشر بطباعة بعض الكتب التي- تهتم أساسا بالطبخ أو التنمية الاجتماعية كسبل التعامل مع الأزواج، أو طرق النجاح في الحياة أو سبل جذب الاهتمام أو وسائل الرجيم وغيرها من الكتب التي باتت تثير اهتمام شرائح عديدة من المجتمع، دون أن ترفع من الرصيد المعرفي لقارئها، فتلك السذاجة من الفرد وحيلة التسويق باتت تجعل البعض يقبلون على هذا النوع من الكتب دون غيرها، فهي توهمهم بالحلول المعجزة لمشاكلهم الاجتماعية، المهنية والزوجية.. بمنظور آخر، كانت ترى السيدة صبرينة الواقع المستقبلي للجيل الصاعد بفلسفتها قائلة؛ إن الاهتمام بشريحة الأطفال من قبل دور النشر، وتخصيص كتب مطالعة جميلة لها، تراعى من خلالها مميزات هذه المرحلة، سواء أدبية أو فكاهية أو علمية، يعمل على تحبيب الكتاب للطفل، وتبنيه في ثقافته وجعله جزءا لا يتجزأ من حياته العلمية مستقبلا، وما على الأولياء إلا العمل منذ السنوات الأولى للطفل على تعويد الطفل على المطالعة. اقتربنا من سمير أمين بدار الكتاب الحديث للنشر والتوزيع، وترجم الإقبال الشديد على الصالون منذ أيامه الأولىو مؤكدا أن من وقف على ذلك الإقبال قد يغير وجهة نظره حيال المقروئية والانتقادات التي أطالتها، رافضا بذلك مختلف التعاليق، ومشيرا إلى غياب دراسات ميدانية متخصصة وموضوعية لإعطاء أرقام دقيقة وإحصاءات رسميةو لأخذها كمرجع ذي مصداقية عالية، موضحا في نفس الوقت أنه لابد أن تقدم إحصائيات تشمل ربوع الوطن. وبتفاؤل كبير، يرى المتحدث أن الجزائر بدأت تخطي خطى جيدة للخروج من وضعية "عدم القراءة" وتشهد اليوم جهودا كبيرة لتنمية ثقافة المقروئية. في حين، يرى سعيد من دار المعرفة للنشر والتوزيع، أن إقبال المواطنين محدودا، مؤكدا أنه لا يمكن قياس حجم المقروئية من خلال إقبال المواطنين على الكتب، لأن الكثيرين يشترون كتبا ولا يقرؤونها لتبقى وسيلة لتزيين الرفوف في البيوت فقط، مبررا حديثه ببعض الشهادات الحية التي أقرت أن بعض الكتب التي اشتريت في الطبعة السابقة غطتها طبقة سميكة من الغبار.