معظم مشاكل وأزمات بلدان العالم الثالث سببها سياسات الغرب الذي يريد أن يفرض نمطا معينا للديمقراطية دون مراعاة خصوصيات وتقاليد وقيم كل بلد، مما تنجم عنه اختلالات داخل البلد الواحد لعدم تطابق النموذج الديمقراطي المستورد مع طبيعة المجتمع ومرجعياته الوطنية. وقد أصبح العالم الثالث، وفي مقدمته البلدان العربية، يواجه تحديات جديدة فهدد أمنه واستقراره، بسبب الضغط الخارجي للإسراع بتطبيق الديمقراطية المستنسخة عن المجتمع الغربي، والتي عادة ما تكون سببا في تفكيك المجتمعات وفك لحمتها، أكثر مما تكرس الحريات والحقوق المزعومة. فالأقوياء يلوحون اليوم بالديمقراطية وحقوق الانسان كذريعة لفرض خريطة جيوستراتيجية جديدة تراعى مصالحهم الاقتصادية، وللتدخل العسكري لحماية الأقليات وفرض احترام حقوق الانسان وغيرها من المزاعم التي تضمن تموقعات عسكرية في إطار التنافس الشرس والصراعات التي تشهدها العلاقات الدولية. وليس أدل على ذلك، مما تعيشه بعض البلدان العربية التي بدأت بها ثورات ما سمي عبثا ب"الربيع العربي" ولم تحصد من الديمقراطية المزيفة إلا الخراب والدمار، ومن الحريات إلا الأوهام. وقد وجد الغرب سندا كبيرا في المنظمات غير الحكومية التي ترفع ظاهريا شعارات الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان وهي في الواقع تزرع قنابل موقوتة وتساهم في الضغط على البلدان للتخلي عن قيمها ومرجعياتها وثقافاتها، لتبني النموذج الديمقراطي الذي يريده الغرب، ليس لتحرير المجتمعات، كما يدعي، وإنما لغرس قيم غريبة تساهم في تفكيكها. والأغرب أن هذه المنظمات لا تحرك ساكنا عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الانسان في فلسطينالمحتلة والصحراء الغربية، وهو نفس الموقف الذي اتخذته من أحداث العشرية السوداء، حيث في الوقت الذي كانت فيه الجزائر تحارب الإرهاب، كانت هذه المنظمات تضغط وتشن حملات شرسة بذريعة حماية حقوق من كانت تسميهم ب"المعارضة المسلحة"!.