هل كان الأديب ورجل السياسة الفرنسي، بنجامن كونسانت، وهو ابن القرن الثامن عشر، هل كان يتجرأ على ادعاء ما ادعاه في زمنه من أن "الإشهار هو الضامن الوحيد للمواطنين ضد التعسف" لو كتب له أن يكابد معنا هذا التدفق الهائل للمعلومات، والأخبار، والآراء، حد الإشباع، وبالقدر الذي أفرغ مفهوم "حرية التعبير" وتعايش الرأي والرأي الآخر من محتواه، مع هيمنة ثقافة الفكر الواحد وهي متسربلة في مسوح حرية بلا ضوابط، تتفسح بكل تسامح للمدنس، وتسخر بسخاء من المقدس، وقد صارت معها الكلمة العليا لأحفاد قوم لوط، وورثة قارون، على حساب أهل الملة وحماة مكارم الأخلاق من ورثة إبراهيم. * حرية بلا ضوابط لعبث المدنس بالمقدس * في اليوم العالمي لحرية التعبير، الذي يحتفل به كل سنة في 3 مايو، يتوقف التقييم عند إحصاء مخالفة الدول والحكومات للأعراف الدولية، لما ينبغي أن تكون عليه ممارسة حرية التعبير، تماما كما يتوقف تقييم الديمقراطية عند مقدار التزام الدول بالمعايير الغربية للديمقراطية. وفي الحالتين يغيب العقل، ويحول بينه وبين إنجاز مساءلة فعلية للمقاييس المعتمدة، قد لا يتسع المجال للإحاطة بمجملها. * فمن الواجب أن نسأل بداية عن عوائد ممارسة حرية التعبير وتحديدا: ماذا أضافت الصيغ المعتمدة في مجال توسيع هوامش أكبر لممارسة حرية التعبير، وماذا أضافت للمجتمعات والأفراد؟ وهل ساهمت حرية التعبير في تعزيز وتعضيد بقية الحقوق الأساسية للإنسان، مثل الحق في المشاركة في إدارة الشأن العام، أو الحق في الدفاع عن الخصوصيات الفردية الثقافية والدينية؟ وبأي مقدار ساهمت حرية التعبير في الحفاظ على التنوع الثقافي السياسي والحضاري، وأسهمت في المقابل في قمع هيمنة الفكر الواحد؟ وعلى صعيد الحق في المعرفة، هل ساعدت حرية التعبير في توسيع آفاق هذا الحق، واستطاعت إسقاط الطابوهات والمحرمات، كل المحرمات؟ وهل مكنتنا المكتسبات من تحقيق القطيعة بلا رجعة مع عهود محاكم التفتيش السيئة الذكر، التي امتهنت العقل البشري، أم أن عصرنا هذا هو أكثر العصور تعسفا في حق طلاب العلم وصناع الفكر البديل للفكر الأوحد المهيمن؟ * * من وسيلة للتحرير إلى آلة للابتزاز * أسئلة كثيرة تغيب عن النقاش لصالح مقاربة أحادية محكمة الإرتاج، تقيس حرية التعبير بعدد عناوين الصحف والقنوات الإذاعية والتلفزيونية، وبنسبة استهلاك الفرد يوميا لما ينشر ويذاع في الفضاءات التقليدية، أو في الفضاء الجديد الذي خلقته تقنيات الهاتف الجوال وشبكة الانترنت. ولأن موضوع حرية التعبير قد تحول، مثله مثل المساءلة حول سلوك الدول والحكومات بشأن الديمقراطية، وبقية الحقوق السياسية والإنسانية، قد تحول إلى آلة لابتزاز الدول خارج دول المركز، فإن التقارير السنوية التي تصدر عن منظمات الأممالمتحدة المختصة، أو عن المنظمات غير الحكومية لا تخلو من مظنة الضغط والابتزاز، فضلا عن كونها لا تخلو من تهمة الانتقائية، والتعامل مع الأحداث بمعايير مزدوجة، كأن تسلط الضوء على اعتقال وسجن صحفي هنا وهنالك، في هذا البلد العربي أو ذاك، وتغفل عن حالات الاضطهاد التي تلحق بمفكرين وفنانين وإعلاميين غربيين، ذنبهم الوحيد أنهم مارسوا الحق في حرية التعبير بتوجيه انتقادات للكيان الصهيوني، وشجب جرائمه في حق الفلسطينيين، أو حاولوا مناقضة الرأي السائد حول أسطورة المحرقة، أو أعملوا العقل لتفكيك طلاسم وألغاز هذه الحرب الكونية ضد المسلمين، بدءا بالتشكيك في أحدات 11سبتمبر وما أعقبها من أساطير ملفقة حول تهديد المسلمين للسلم العالمي. * * المقدس والمدنس في فقه الحداثة * والأمثلة هنا كثيرة حتى لا يقال إنها محض استثناء، فمن محاكمة مثقفين وأكاديميين كبار، مثل غارودي، على رأي، لم يزد عن الدعوة لتحرير العمل الأكاديمي من المحرمات، التي تمنعه من إعادة فتح ملف الجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة، واعتبار جميع الضحايا دون تمييز. أو ملاحقة فنانين، مثل الفنان الفرنسي من أصول إفريقية ديودينون، الذي أغلق في وجهة الفضاء الإعلامي الفرنسي والغربي، وحرم من ممارسة مهنته كفنان ساخر، بسبب جملة واحدة انتقد فيها الكيان الصهيوني، واتهمه بممارسة العنصرية والتصفية العرقية. * في هذه الأيام، يهيمن على الإعلام الفرنسي موضوع الحجاب أو "البرقع" بعد أن تعرضت إحدى المحجبات الفرنسيات لمخالفة غرامتها 22 يورو، لأنها ضبطت وهي تقود السيارة ملتحفة بالنقاب، في خضم حملة مسعورة جديدة على الطائفة المسلمة من المواطنين الفرنسيين. وبصرف النظر عن الاعتداءات على حقوق إنسانية أصيلة، ومنها حرية الاعتقاد والعبادة كما يعتمدها الغرب، فإن متابعة النقاش الدائر في الإعلام الفرنسي والأوربي حول سلوك مواطنيهم من المسلمين، يعري بالكامل إدعاءات الغرب بشأن حرية التعبير، حتى أن النقاش الدائر حول النقاب، وبناء المساجد، وتجارة الحلال، قد تحول إلى ما يشبه محاكم التفتيش، مع حرمان الطرف المتهم من المشاركة في النقاش والدفاع عن النفس، تماما كما يحرم اليوم المقاومون المعتقلون في باغرام، وأبو الغريب، وغونتنامو، من الحق في محاكمة منصفة، توفر لهم حق الدفاع عن النفس. * * حرية الناس في هدم قيم الإنسان * لأجل ذلك واجب اليوم، على الفرد الغربي قبل نظرائه من أهل الجنوب، مراجعة واسعة لجملة من المزاعم حول حرية التعبير، بدءا بالسؤال الأهم: هل أضافت حرية التعبير له وللمجتمعات الغربية شيئا آخر، غير هذا الهدم المنظم لكثير من القيم الإنسانية الفاضلة، التي كان يشترك فيها مع بقية الشعوب والأمم والحضارات؟ * النتيجة يراها رأي العين، في ما آلت إليه قيمه ومعتقداته الدينية والأخلاقية، وتفسخ روابط الأسرة، وانقلاب سلم القيم رأسا على عقب، حتى صار الدفاع عن الزواج المثلي، وبناء "أسر لقيطة" خارج روابط الدم الطبيعية، يسبق ويتقدم على حماية الأسرة التقليدية وعلى العلاقات الطبيعية بين الآباء والأبناء، ضمن بناء أسري، تحفظ فيه الأنساب، ويحول دون الوقوع في زنا المحارم الذي جرم في جميع الحضارات البشرية. فباسم حرية التعبير التي تمنح للفاجر والماجن الحق في إشاعة الرذيلة، ضربت أفضل القيم البشرية، وسفهت أحلام دعاتها، وفي المقابل رافق هذا الحق الممنوح لطائفة أدانتها الكتب السماوية، والشرائع الوضعية، حرمان الفرد، وأصحاب الرأي الآخر من أبسط حقوق التعبير والنهي عن المنكر، حتى صار انتقاد العلاقات المثلية جريمة يعاقب عليها القانون. * وبينما تتوالى الحملات على رجال الدين والمتدينين، في سياق حروب الحداثة المتواصلة على العقائد السماوية، تفتح مجالات حرية التعبير لمن يناضل لتوسيع مجتمع المثليين من الجنسين، والتطبيع مع سلوكهم البهيمي، ويروج بلا خجل للسياحة الجنسية، ويسوق لنمو قطاع صناعي وخدماتي يعيش على إفشاء الرذيلة بين البشر. * * عندما تسخر التعددية لهيمنة الفكر الواحد * قبل ذلك، حري بنا أن نسأل: هل ساهمت حرية التعبير المزعومة، بهذه المقاييس الغربية، في تعضيد بقية الحقوق الأساسية للإنسان، مثل الحق في المشاركة في إدارة الشأن العام، وبقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل أن وجود أكثر من مئة عنوان يومي في الصحافة المكتوبة عندنا، يكون قد وسع من هامش حرية التعبير، أو عزز حقوق الأغلبية في التعبير، وفتح ساحة التعبير الحر لمختلف مكونات المجموعة الوطنية، أم أنه لم يكن سوى محض تعدد في القنوات يحتكرها الفكر الواحد، تماما كما آلت التعددية السياسية إلى تعدد في الأسماء لمشهد سياسي يمارس نوعا من المثلية، ويدين بالفكر الواحد، حتى حين تدعي شخوصه الارتواء من منابع شتى. * هذا الواقع عندنا، كما عند الكثير من الدول والمجتمعات التي تدعي الديمقراطية والتعددية، والتعايش بين الرأي والرأي الآخر، يقودنا إلى طرح السؤال الثالث: بأي مقدار ساهمت حرية التعبير المزعومة في صيانة التنوع الفكري والثقافي والحق في الاختلاف، لأن من دواعي الدفاع عن حق الجميع في التعبير الحر، هو صيانة ذلك التنوع الفكري والثقافي والحضاري، الذي تجتهد الأنظمة الموصوفة بالاستبداد من أجل تحجيمه، وإخضاع المحكومين لرأي واحد، وفكر واحد، يرضاهما الماسك بالسلطة. * * استبداد مطلق في مسوح حرية بلا ضابط * وبالنظر إلى هذه الغاية، فإنه يحق لنا اليوم الحكم على الأنظمة، في الشمال والجنوب، والشرق والغرب بالغلو في الاستبداد، والتعسف والتفرد في إدارة الرأي، وإلا كيف ينبغي أن ننظر إلى أنظمة الحكم في الغرب، نراها تقصي من ممارسة الحق في حرية التعبير، كل من يحاول خرق الإجماع المفروض والمهيمن حول الخيارات الليبرالية، والمفهوم الغربي للديمقراطية، ولإدارة الشأن العام، وتوزيع الثروة، حتى حين تفضحها التجربة، ويتأكد إفلاسها، وتظهر الحاجة إلى البحث عن بدائل. * أي نوع من الحريات السياسية أو الاقتصادية أو حتى الفكرية يحظى بها اليوم المواطن الغربي، تميزه عن نظيره في دول الجنوب، إذا كانت ثلاثة قرون من التعددية السياسية، والإعلامية، وحرية الرأي في الغرب، قد أفضت إلى واقع، يمتنع فيه الاختيار الحر خارج ما تقترحه الصفوة التي تدين بفكر واحد، وتتداول عليه تحت مسميات: مثل الجمهوريين والديمقراطيين، أو المحافظين والعمال، وأشباه ذلك مما تسمى به أحزاب وقوى سياسية لا دينية، تدعي العلمانية، وهي مع ذلك أكثر تطرفا وتعصبا لما يشبه الدين، وهي فيه أكثر غلوا، وأسرع إلى تكفير من يلحد في معتقدها بربع كلمة. * * إحياء علوم ملة محاكم التفتيش * لا ريب عندي، أن الحداثة الغربية قد نجحت إلى أبعد الحدود في هدم ثقافة الفكر الواحد الكنسي، الذي عطل لقرون من الزمن إعمال العقل عند النصارى في الغرب والشرق، وأورث الحضارة الغربية تبعات ما اقترفته الكنيسة الأصولية المتطرفة، سواء في حروب الاسترداد ضد اليهود والمسلمين، أو ما اقترفته في حق العقل الغربي طوال القرون الوسطي، ليس فقط في حق خصوم وأعداء المعتقد، بل في حق كل فكر أو رأي آخر، كانت تعتقد أنه يقود إلى تهديد سلطة الكنيسة. * وإذا كانت الكنيسة قد اتهمت بإقامة محاكم التفتيش في ربوع الأندلس وحواضر أوربا، وتعير إلى يومنا بما فعلته بعالم الفلك غليله، فإن حرية التعبير المتاحة اليوم نظريا للجميع، والتي تحميها الدساتير والقوانين، لم تضع حدا لممارسات تحاكي محاكم التفتيش، ولا للملاحقات ''الماكارثية'' التي هي سمة متأصلة في الفكر الغربي، الذي يخضع النشاط الفكري البشري إلى السدانة الحصرية لأغراض الرأسمالية، ويحرم النظر في سواها من البدائل. ولها في ذلك أساليب وطرق للردع، أخبث من الأساليب البدائية التي اتبعتها محاكم التفتيش، ومنها حرمان الرأي الآخر من الوصول إلى الجمهور، وإقصائه من مشاركة "المجتمع المفيد". * * بروتوكولات صهيون لحماية هيكل ورثة قارون * فتحت شعار محاربة الأفكار والمواقف المعادية للسامية، ليس بوسع أي مفكر أو أكاديمي غربي، أن يجد دار نشر واحدة تجازف بنشر كتاب، ينتقد من قريب أو من بعيد جرائم الكيان الصهيوني، أو يراجع المسلمات الغربية الصهيونية حول المحرقة، وسوف تغلق في وجهه صفحات الجرائد، والندوات الحوارية بالوسائط الإعلامية الأخرى. وعلى هذا المنوال تتعامل المنظومة الغربية حتى مع العلماء في العلوم الدقيقة، في الفيزياء والكيمياء والبيولوجية وبقية العلوم، ومع الكثير من العلوم الإنسانية، حين يخرج العالم والباحث عن مسلمات الفكر العلمي السائد. فليس بوسع العلماء اليوم الخوض في نظريات بديلة لنظرية "الانفجار العظيم" في الفيزياء، أو نظرية النشوء والارتقاء لداروين، وإن وجد من يجازف بكسر هذا الفكر الواحد في العلوم، فإنه إما يخضع لمحاكمة شرسة، تسفه أحلامه، وتحرمه من حق الرد، أو تتجاهله المؤسسات العلمية الرسمية، وتغلق في وجهه دور النشر ووسائل تعميم العلوم، فنحن في سياق عملية منهجية لتعطيل العقل البشري، وحرمانه من النظر خارج ما يفيد تحقيق أغراض النظام القائم والمهيمن. فقد يغتر البعض بما يراه من تطور هائل في المعارف والإنجازات التكنولوجية، لكن المتابعين لتاريخ العلوم يستوقفهم انقطاع المجتمع العلمي، رغم تطور واتساع قاعدته، عن إبداع نظريات جديدة، سواء في العلوم الدقيقة أو في العلوم الإنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأننا صرنا نعيش عالة على العلماء المبدعين من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وإلى حد ما، الثلث الأول من القرن العشرين. * * ضياع عيون الكلام بين غثاء الطوفان * بقي لنا أن نفكر في أخطر سؤال مغيب في سياق تقييم حرية التعبير، ليس من حيث الأساليب القمعية التي تتخذها الأنظمة البدائية التي تخشى الكلمة، ولا ترغب في أي شكل من أشكال التقويم والنصح، ولا من حيث الأساليب الملتوية الخبيثة المتبعة لمنع الرأي الآخر حتى حين تقره الدساتير وتؤازره القوانين، بل له صلة بإغراق الفرد بهذا الكم الهائل من المعلومات والأخبار والأحداث والآراء وتقديرات ذوي الخبرة بحيث أصبح من الصعب على الفرد تشكيل رأي يعتد به، ويناء موثق يطمئن إليه حتى في المجالات العلمية البعيدة ظاهريا عن ساحات العراك السياسي والاقتتال على غنائم السلطة والثروة، فالخطر على حرية التعبير يأتيها من جانب الإفراط والتيسير الماكر، لا من جانب التضييق والتعسير الذي لم يعد ممكنا، ذلك أنه يفترض في حرية التعبير أن تكون وسيلة إيصال آمنة للرأي والرأي الآخر، والخبرة والخبرة المضادة، من باب تمكين الفرد من تشكيل رأيه وبناء موقفه، قبل أن يطالب بممارسة الحق الأساسي الأول في اختيار ولاة الأمر، والاختيار بين الفاضل والمفضول، والتمييز بين أحسن البرامج المطروحة لإدارة الشأن العام، ومعرفة أكثر طرق اقتسام أعباء العيش المشترك عدلا، وأكثرها إنصافا في توزيع المغنم والمغرم. * وليس اليوم بوسع الواحد منا وهو يتعرض يوميا عبر أنواع متنوعة من الوسائط لكم هائل من المعلومات المتدفقة، والآراء الخبيرة، والتحذيرات المتناقضة، والفتاوى الناسخة بعضها البعض، والرأي المستنسخ عن رأي مستنسخ، ليس بوسع الفرد منا الاطمئنان لما يفد عليه، حين يكلف نفسه عناء إعمال الرأي والمراجعة والتشكيك. * * الصامت والناطق في سوق الرأي المباح * فكيف يمكن، والحال، أن يصل الرأي الآخر، إن وجد، مع هذا التوجه العام نحو سيادة وهيمنة الفكر الواحد، وتهافت أصحاب الرأي والنهى على إغراءات سوق الفكر الأوحد، لأنني لا أعتقد أن القمع وتحرش الحكام بحرية التعبير، والتضييق على أصحاب الرأي الآخر يكفي لفهم غياب التعبير عن الرأي الآخر، وما نراه من قصور عند النخب التي نتأمل فيها الخير، في اقتراح حلول بديلة لمشاكلنا وأزماتنا، ضمن ما هو متاح من هامش لممارسة حرية التعبير، التي لا تعني عندي فقط، الحق في الانتقاد والشجب، وإدانة الحاكم وتسفيه أحلامه بقدر ما تعني أمرين: الأول التأكيد دوما ودون ملل أو كلل على وجود أكثر من بديل لمعالجة قضايانا ومشاكلنا، والتصدي على الدوام لمن يدعي لنفسه التفرد بامتلاك الحقيقة، والثاني: الجرأة على صياغة وعرض الحلول البديلة، وهو بالنسبة للأحزاب ولكبار المثقفين فرض عين في كل وقت، وتحت أي ظرف، ولا يمكن التحجج بشأنه، بما تدعيه الأحزاب من إغلاق السلطة للفضاء السمعي البصري، واحتكارها لوسائل الإعلام الثقيل. يكفينا ما نصادفه من بؤس فكري، وعقم في الخيال، في ما هو مدون في برامج الأحزاب في الحكم كما في المعارضة، حتى تحصل القناعة، من أن البلد بحاجة عاجلة إلى توسيع قاعدة صناعة الفكر البديل، قبل أن يطالب بتوسيع هامش حرية التعبير عن الرأي الآخر.