يكرس المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور الطابع التوافقي الذي حرص رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة على ضمانه من خلال إشراكه لمختلف التشكيلات السياسية وتنظيمات المجتمع المدني والشخصيات والكفاءات الوطنية، كما تستجيب أحكامه لتطلعات الشعب الجزائري وتساير التطورات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، مع تعزيز المكاسب الديمقراطية ومبدأ الدولة الاجتماعية الذي تم تدعيمه في وثيقة هذا المشروع. المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور الذي عرضه أمس وزير الدولة، مدير الديوان برئاسة الجمهورية أحمد أويحيى أمام ممثلي وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية بإقامة الميثاق بالعاصمة، تزامنا مع توزيعه على الشركاء من أحزاب سياسية وتنظيمات وشخصيات وطنية، شاركت في مختلف مراحل المشاورات التي انتظمت حول هذا المشروع الوطني، جاء في 182 مادة وتضمن عدة أحكام جديدة تدخل في صلب التعديل الذي اقترحه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه للأمة في 15 أفريل 2011، وحمل مبادئ جديدة تعزز مسار الديمقراطية في البلاد وتقوي دور المعارضة السياسية ومؤسسات الدولة مع توسيع الحريات الفردية والجماعية وتدعيم مكانة المواطن وحماية حقوقه الأساسية، فضلا عن ترقية مكانة الشباب والمرأة في المجتمع. الأمازيغية لغة رسمية من المطالب الملحة التي ترددت كثيرا في مقترحات التشكيلات السياسية والتنظيمات الوطنية التي شاركت في بلورة وثيقة مشروع التعديل الدستوري، ترقية اللغة الأمازيغية إلى لغة رسمية.. هذا المقترح حظي باستجابة تامة من قبل السلطات العليا في البلاد، التي لم تدخر من جهتها أي جهد من أجل تكريس هذا المكسب الذي عملت في السابق على ترقيته تدريجيا، بداية من دسترة هذه اللغة كلغة وطنية في التعديل الدستوري الذي تم في 2008، وصولا إلى دسترة هذه اللغة كلغة رسمية. ولم يتوقف المشرع في صياغته للمشروع التمهيدي لمراجعة الدستور في المادة الثالثة مكرر عند حدود إقرار تمازيغت لغة وطنية ورسمية، بل نص في نفس المادة على ضرورة أن تعمل الدولة على ترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني، مشيرا إلى "استحداث مجمع جزائري للغة الأمازيغية يوضع لدى رئيس الجمهورية"، ويستند هذا المجمع إلى أشغال الخبراء، ويكلف بتوفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد، على أن تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة حسب نفس المادة من المشروع، بموجب قانون عضوي. تحديد العهدات الرئاسية بعهدتين فقط يعيد المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور مبدأ غلق العهدات الرئاسية التي كان عليها الدستور في السابق قبل تعديله في 2008، حيث يحدد في مادته ال74 العهدة الرئاسية بعهدة واحدة مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، فيما يشترط في المادة 73 أن يكون المترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية غير متجنس بجنسية أجنبية، حيث ينبغي أن يكون هذا المترشح يتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية فقط ويثبت كذلك الجنسية الجزائرية الأصلية للأب والأم والزوج، مع إثبات إقامته بصفة دائمة بالجزائر دون سواها لمدة 10 سنوات على الأقل قبل إيداعه لملف الترشح. ويمنع المشروع سحب المترشح للانتخابات الرئاسية ترشحه عندما ينال موافقة المجلس الدستوري إلا في حال حصول مانع خطير أو في حالة وفاة المترشح المعني. تعيين الوزير الأول باستشارة الأغلبية البرلمانية من الصلاحيات المنوطة برئيس الجمهورية والمنصوص عليها في إطار هذا مشروع التعديل الدستوري، الذي يكرس النظام شبه الرئاسي، تعيين الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية، وبعد هذا الإجراء مطلبا ألح عليه دوما حزب جبهة التحرير الوطني الذي يملك الأغلبية في البرلمان، كما يؤطر هذا البند الجديد عملية التعايش السياسي المحتملة في حال كانت الأغلبية البرلمانية في يد المعارضة السياسية. كما يعين رئيس الجمهورية ضمن صلاحياته المعززة في مشروع التعديل الدستوري، أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول الذي يعمل من جهته على تنسيق عمل الحكومة ويعرض مخطط عملها أمام مجلس الوزراء ثم أمام غرفتي البرلمان. تعزيز الدور الرقابي للهيئة التشريعية يلزم المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور الحكومة بعرض بين سياستها العامة سنويا أمام المجلس الشعبي الوطني، وفي حال عدم موافقة هذا الأخير على لائحة الثقة يقدم الوزير الأول استقالة حكومته. وتعزيزا لدور مجلس الأمة في التشريع، تحصر المادة 119 مكرر من المشروع، عملية إيداع مشاريع القوانين المتعلقة بالتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإقليمي في مكتب مجلس الأمة، فيما تبقى عملية إيداع مشاريع القوانين الأخرى على مستوى مكتب المجلس الشعبي الوطني، وتناقش كل غرفة طبقا للمادة 120، النص الذي صوتت عليه الغرفة الأخرى. وفي حين تكرس المادة 133 من المشروع حق أعضاء البرلمان في استجواب الحكومة في إحدى قضايا الساعة، على أن يكون الجواب في أجل لا يتعدى ال30 يوما، تحول المادة 124 لرئيس الجمهورية صلاحية التشريع بأوامر في مسائل عاجلة في حال شغور المجلس الشعبي الوطني أو خلال العطل البرلمانية وذلك بعد الأخذ برأي مجلس الدولة. تقوية دور المعارضة البرلمانية ومنع التجوال السياسي حظيت المعارضة البرلمانية ضمن المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور بمكانة أرقى، يكفلها لها الدستور في العديد من الجوانب ذات الصلة بممارستها للنشاط السياسي والرقابي، ففضلا عن ضمانه لها بموجب المادة 99 مكرر لحرية الرأي والتعبير والاجتماع والاستفادة من الإعانات المالية الممنوحة للمنتخبين في البرلمان وكذا المشاركة الفعلية في الأشغال التشريعية، تتمتع هذه المعارضة بحقها في المشاركة في الدبلوماسية البرلمانية والمشاركة الفعلية في مراقبة عمل الحكومة من خلال تمثيل مناسب في أجهزة غرفتي البرلمان وكذا في حقها في إخطار المجلس الدستوري بخصوص القوانين المصادق عليها. علاوة على هذه المكاسب، يلزم المشروع البرلمان بغرفتيه بتخصيص جلسة شهرية لمناقشة جدول أعمال تقدمه مجموعة أو مجموعات برلمانية من المعارضة. من جانب آخر، وفي إطار تهذيب وتنظيم عمل ممثلي الشعب في البرلمان، تلزم المادة 100 مكرر من هذا المشروع، النائب أو عضو مجلس الأمة بالتفرغ كليا لممارسة عهدته، مع إلزام الغرفتين بالتنصيص في نظاميهما الداخليين على أحكام تتعلق بوجوب المشاركة الفعلية للأعضاء في الأشغال.."تحت طائلة العقوبات المطبقة في حالة الغياب". فيما تنص المادة 100 مكرر 2 على تجريد المنتخب في المجلس الشعبي الوطني أو في مجلس الأمة المنتمي إلى حزب سياسي، الذي يغير طوعا الانتماء الذي انتخب على أساسه من عهدته الانتخابية بقوة القانون. أما في حال استقال النائب أو أبعد من حزبه، فيحتفظ بعهدته كنائب غير منتم. إحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات بالاضافة إلى تنصيصه على إلزامية السلطات العمومية المكلفة بتنظيم الانتخابات بإحاطة هذه العملية بالشفافية والنزاهة، لاسيما من خلال وضع القائمة الانتخابية عند كل انتخاب تحت تصرف المترشحين، ينص المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور على إحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، تترأسها شخصية وطنية يعينها رئيس الجمهورية، بعد استشارة الأحزاب السياسية، وتضم في تركيبتها قضاة يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء وكفاءات مستقلة يتم اختيارها من ضمن المجتمع المدني، ويعينهم رئيس الجمهورية. تسهر اللجنة العليا على شفافية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية ونزاهتها، منذ استدعاء الهيئة الناخبة حتى إعلان النتائج المؤقتة للاقتراع، فيما تسهر اللجنة الدائمة لهذه الهيئة بالخصوص على الإشراف على عمليات مراجعة الإدارة للقوائم الانتخابية، صياغة التوصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم العمليات الانتخابية وكذا تنظيم دورة في التكوين المدني لفائدة التشكيلات السياسية حول مراقبة الانتخابات وصياغة الطعون. تعزيز السلطة القضائية وضمان حقوق المتقاضين يمنح المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور لرئيس الجمهورية صفة الضامن لاستقلال السلطة القضائية، ويكرس بموجب المادة 142 ضمان القانون التقاضي على درجتين في المسائل الجزائية ويحدد كيفيات تطبيقها، حيث يمنح الدستور الجديد في حال تم اعتماده الحق للمتقاضي في الاستئناف في القضايا التي تعالجها محكمة الجنايات، مع تمكينه من إخطار المجلس الدستوري في حال رأى بأن الحكم الصادر في حقه يشوبه خلل في المواد القانونية التي ارتكز عليها. كما يحمي مشروع المراجعة الدستورية المحامي من كل أشكال الضغوط ويكفل له ممارسة مهنته بكل حرية. دعم مكانة الشباب والمرأة في المجتمع يدرج المشروع التمهيدي لتعديل الدستور لأول مرة، مصطلح الشباب في أحكام القانون الأعلى للبلاد، ويكرس في بابه المتعلق بالحقوق والحريات حق هذه الفئة التي يعتبرها "قوة حية في بناء الوطن"، في تنمية قدراتها وتفعيل طاقاتها، مع التنصيص على ضرورة أن تعمل الدولة على توفير كل الشروط المواتية لذلك، وإذ يضع المشروع الشباب في صلب الالتزام الوطني برفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهو يؤسس لمجلس أعلى للشباب ويجعل من هذه الفئة المستفيد الأساسي من هذا الالتزام. كما يعزز المشروع مكانة ودور المرأة في المجتمع من خلال تنصيص عمل الدولة على ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل وتشجيع ترقيتها في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات. من جهتها، الجالية الجزائرية في الخارج خصها المشروع باهتمام خاص، من خلال التنصيص على حماية حقوقها ومصالحها في ظل احترام القانون الدولي، وتعزيز روابطها مع الأمة وتعبئة مساهمتها في التنمية الوطنية بلدها الأصلي. تكريس الطابع الاجتماعي للدولة وتعزيز الحريات تضمن الدولة بموجب الدستور عدم انتهاك حرمة الإنسان، وتحظر بموجب مشروع مراجعة هذا الدستور المعاملة القاسية أو اللاانسانية أوالمهينة لأي فرد من أفراد المجتمع. وتكفل الدولة حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة بمختلف أنواعها، حيث تكرس المادة 41 مكرر 2 الحرية في نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء في إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، مع منع إخضاع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية. كما تضمن الدولة حرية ممارسة العبادة في ظل احترام القانون، وتكفل حرية الاستثمار والتجارة، وتحسين مناخ الأعمال، وتعمل على ضبط السوق وحماية المستهلك ومنح الاحتكار والمنافسة غير الشريفة، وتواصل مهامها الاجتماعية من خلال ضمان مجانية التعليم والصحة وتمكين الفئات المحرومة من الحصول على السكن. ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل يعزز المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور، الحقوق والحريات الفردية الجماعية ويقمع المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أوالمهينة. ويضمن المشروع التمهيدي "حرية ممارسة العبادة في ظل احترام القانون" مثلما تنص عليه المادة 36 و«يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق والحريات وعلى كل ما يمس سلامة الإنسان البدنية والمعنوية" كما جاء في المادة 35. ويحمي القانون "حرمة حياة المواطن الخاصة وحرمة شرفه" حسبما تنص عليه المادة 39 من المشروع التمهيدي. وتعمل الدولة على "ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل وتشجع ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات". وينص المشروع على أن "الشباب قوة حية في بناء الوطن، حيث تسهر الدولة على توفير كل الشروط الكفيلة بتنمية قدراته وتفعيل طاقاته". ويؤكد المشروع في المادة 38 أن الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي "مضمونة وتمارس في إطار القانون، وأن الدولة تعمل على ترقية البحث العلمي وتثمينه خدمة للتنمية المستدامة للأمة". و تنص المادة 41 مكرر 3 أن "الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها مضمونان للمواطن ولا يمكن أن تمس ممارسة هذا الحق بحياة الغير الخاصة وبحقوقهم وبالمصالح المشروعة للمقاولات وبمقتضيات الأمن الوطني ويحدد القانون كيفيات ممارسة هذا الحق". وتستهدف المؤسسات "ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية".