أكد المشاركون في ندوة تاريخية بالجزائر العاصمة حول إضراب الثمانية أيام (28 جانفي 1957)، أن هذه المحطة التاريخية الراسخة في ثورة التحرير المجيدة، أعطت دفعا قويا لإعلام ودبلوماسية الثورة في مسار الكفاح الثوري؛ من أجل استرجاع السيادة الوطنية والاستقلال، مجمعين على أن هذا الإضراب رغم ما حمله من سلبيات في رأي البعض، إلاّ أنه استطاع تأكيد التفاف كافة الشعب الجزائري حول قضيته العادلة والمشروعة. وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والباحث في تاريخ الحركة الوطنية الدكتور عامر رخيلة خلال مداخلته الافتتاحية في هذه الندوة في إطار منتدى "الذاكرة"، التي احتضنها أمس منتدى المجاهد بالعاصمة تحت عنوان "الصدى الإعلامي والدبلوماسي لإضراب 08 أيام، إيجابياته وسلبياته"، أن إضراب 08 أيام التاريخي الذي قرّرت تنظيمه جبهة التحرير الوطني بقيادة البطلين عبان رمضان والعربي بن مهيدي، حقّق كل الأهداف المسطرة في إطار الكفاح المسلح ضد الاحتلال الفرنسي، مشيرا إلى أن أهم هذه الأهداف هو تأكيد وحدة الشعب، والتفافه حول الثورة ودعمه لها، إلى جانب تعرية الوجه الحقيقي لفرنسا الاستعمارية؛ من خلال ممارستها الفظيعة ضد الجزائريين وفضحها أمام المجتمع الدولي الأممالمتحدة. وأضاف الأستاذ رخيلة في هذا الإطار، أن هذه المحطة الهامة في تاريخ الجزائر الثوري، استطاعت أن تثبت لفرنسا وجلاديها أن الشعب لم يتخلّ عن ثورته، وسيواصل الكفاح بشتى الطرق من أجل استرجاع سيادته المسلوبة وانعتاقه من نير الاضطهاد والاستعباد، معتبرا أن أيام هذا الإضراب تُعد أسلوبا حضاريا آخر لقيادة الثورة في التعبير عن الغضب الشعبي لسياسة الإدارة الاستعمارية ضد الشعب الجزائري. كما تابع أنها دحضت كل المزاعم الفرنسية التي كان يروّج لها سفّاحوها، على أن الجزائريين فقدوا الأمل في جبهة التحرير الوطني، ولم تعد ممثلهم الشرعي والوحيد، وهو ما كذّبه المواطنون خلال الثمانية أيام من عمر هذا الإضراب، حيث جددوا تمسّكهم بالثورة كسبيل وحيد لافتكاك النصر.وأشار الأستاذ، من جهة أخرى، إلى الرد الفرنسي العنيف تجاه المضربين، حيث أنزل الجنرال ماسو الآلاف من أفراد القوات الخاصة والبوليس السري، إلى مختلف مناطق الجزائر العاصمة لاسيما القصبة، لإجبار المواطنين والموظفين على العودة إلى مناصب عملهم، وإجبار التجار وأصحاب المحلات على فتح دكاكينهم لإعادة الحياة للحياة التجارية المشلولة كلية، مذكرا بأن هذه الحملة الفرنسية المسعورة لكسر الإضراب لم تكلَّل بالنجاح بسبب صمود الجزائريين وعدم انسياقهم وراء الدعاية المغرضة التي كانت تطلقها فرنسا، والتي كانت تروّج من خلالها بأن هذا الإضراب لا أساس له من الصحة وغير شرعي.. ولا تريد من ورائه قيادة جبهة التحرير الوطني سوى تجويع الجزائريين، على حد قوله. ونوّه الأكاديمي في السياق، بالتخطيط المحكم والنظرة البعيدة لقيادة مسؤولي الجبهة حيثيات ومجريات إضراب 28 جانفي 1957، من خلال اتخاذ إجراءات احترازية لفائدة السكان والمواطنين بتزويدهم قبل بدء الإضراب، بالمواد الغذائية الأساسية وكل مستلزمات الحياة اليومية لمدة تفوق الأسبوع، وهذا لتخفيف مشقة العائلات في اقتناء ما تقتات به، وهو ما تحقق فعلا بمدينة القصبة، على سبيل المثال، مشيرا إلى أن كل ذلك كان له صدى إعلامي ودبلوماسي كبير للثورة، مما عجّل بتدويل القضية الجزائرية فيما بعد بالجمعية العامة للأمم المتحدة بعد كسب مزيد من التعاطف والدعم الدوليين.ومن جهته، أكد المجاهد محمد العيد لشقر الذي كان ينشط بمنطقة العاصمة، أن الإضراب مسّ كافة ربوع الوطن ولم ينحصر فقط في العاصمة، التي تُعتبر معقل التخطيط له، موضحا أنه رغم الاختلافات الحادة التي كانت بين أعضاء الجبهة حول مدته التي تراوحت بين أسبوع و10 أيام وشهر، استقرّ، في آخر المطاف، في 08 أيام كاملة، وطبيعته (سلمي أو ثوري)، إلاّ أنه استطاع في الأخير أن يجمع شمل أبناء الجزائريين ويوحّد كلمتهم في رفض العدو الفرنسي، داعيا جيل اليوم إلى الاستلهام من هذا الحدث التاريخي الهام وعدم تجاهله. كما أشاد المجاهد محمد غفير عن فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا الذي كان مسؤولا عن شمال باريس، بالمجهودات الجبارة التي بذلها مجاهدو الفيدرالية وأبناء الجالية الجزائرية بالمهجر في سبيل إنجاح هذا الاضراب؛ تنفيذا لتعليمات قيادة جبهة التحرير، مشيرا إلى أن عمل الفيدرالية خلال تلك الفترة كان يتمثّل في توزيع الإعلانات والمناشير التحريضية على المشاركة في هذا الإضراب على مستوى المقاهي ومحطات النقل وأنفاق الميترو، وهو ما أعطى أكله؛ حيث استطاع هذا العمل استقطاب أكثر من 300 ألف جزائري بفرنسا، عبّروا عن دعمهم ومساندتهم لإخوانهم المجاهدين في أرض الوطن. وجاء تنظيم هذه الندوة في إطار منتدى الذاكرة لجمعية مشعل الشهيد بالتنسيق مع جريدة "المجاهد"؛ إحياء للذكرى ال 59 لإضراب 28 جانفي 1957.