المتجول في بعض أحياء العاصمة خلال شهر رمضان لهذا العام سيلاحظ قلة »المحشاشات«، وهي تلك المقاهي التي يقوم بعض الشباب بنصبها بطريقة تقليدية، فالمحشاشة عبارة عن كوخ صغير، يبنى عادة بالقصب ويسقف ببعض الألواح الأخرى، ويتفنن أصحابها في تزيينها لمزاولة نشاطهم التجاري في أحسن الظروف. هذه المحشاشات تنصب عادة في الأحياء الشعبية بالعاصمة، حيث يقدم أصحابها الشاي وبعض الحلويات الأخرى، كقلب اللوز والزلابية مثلا، أو حلويات تقليدية أخرى. ويفضلها العديد من سكان هذه الأحياء الذين يقضون فيها أوقاتا طويلة خلال سهرات رمضان، للعب الدومينو أو الكوتشينة، كما تكون هذه المحشاشات عادة فضاء مفضلا لمحبي الشواء الذين يسهرون فيها إلى غاية السحور لتناول قطع اللحم أو النقانق المشوية على الجمر والعصير بمختلف مذاقاته. ولا يقتصر نشاط هؤلاء على السهرات، بل يفتحون أيضا محشاشاتهم في نهاية النهار لبيع قطع قلب اللوز أو الشاربات. ويقول عمي سعيد حول المحشاشات، »كنا نتسابق في الحصول على القصب، الذي نصنع به المحشاشة، ونقوم بذلك برغبة كبيرة وبشوق«، »ليضيف أن هذه المحشاشات كانت تجمع أبناء الحي الواحد وكنا من خلالها نتمكن من الاطلاع على أحوال الناس في رمضان والتعرف على الفقراء وذوي الاحتياجات خلال هذا الشهر الكريم«، عمي سعيد يؤكد أن هذه المحشاشة، كانت تعطي رمضان نكهة خاصة وكانت مصدرا لرزق أصحابها.
التكنولوجيا والعصرنة همشت "المحشاشة"
ويبدو أن العصرنة والتكنولوجيات الحديثة أدت إلى اختفاء المحشاشات شيئا فشيئا، فلم نعد نراها في أحيائنا بنفس العدد، فالجيل الجديد من الشباب أصبحت تستهويه أمور أخرى يجد فيها متعته وراحته خلال سهرات هذا الشهر. فخيمة رمضان التي انتشرت بسرعة جعلت بعض الشباب يقصدونها، بينما البقية أصبحوا يفضلون مقاهي الأنترنت لنشاطات أخرى كالتجول في الشوارع، وقصد قاعات الشاي الحديثة، إضافة إلى هذا فإن معظمهم في بداية رمضان الحالي، ونظرا للحرارة المرتفعة التي عرفتها الأيام الأولى فضلوا التوجه إلى شواطئ البحر، لهذا فإن أصحاب المحشاشات لم يعودوا يستقبلون نفس عدد الزبائن، مما دفع البعض إلى التخلي عنها، ومنهم (مراد. س) 40 سنة، الذي قال لنا أتذكر جيدا تلك الأجواء الجميلة التي كانت في الماضي القريب خلال رمضان، والمحشاشات التي كانت منتشرة، لقد كنت صاحب إحداها لكن منذ ثلاث سنوات لم أقم بفتحها لأنني أبقى فيها لوحدي، وليس هناك نفس الحركية التي كانت في الماضي، ففضلت غلقها. ولعل ما أسهم كذلك في غلق عدد من المحشاشات تلك التجارات التي وصلت إلى حد استخدام الأسلحة البيضاء في بعضها وكذا تحول بعضها الآخر إلى فضاء لاستهلاك المخدرات لاسيما الحشيش، مما أدى إلى ظهور مشاكل في الأحياء جعلت سكانها متحفظين على إنشاء هذه المقاهي التقليدية وتفضيل غلقها.