يخيّم جو من الحزن على قرية التوميات التابعة لدائرة الحروش بولاية سكيكدة، على إثر الفاجعة التي ألمت بعائلة رحاب، والتي أصبحت حديث العام والخاص بهذه القرية الهادئة، وامتد صداها حتى المناطق المجاورة، حيث ميّز الجو الجنائزي ديكور شوارع وأحياء المنطقة، وارتدت المنازل اللباس الأسود، وكثرت الابتهالات والأدعية من المسنين وحتى الأطفال، ليرحم الله من توفي من هذه العائلة، ويشفي المصابين الذين راحوا ضحية انفجار قارورة غاز بوتان يوم الأربعاء الماضي في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا. وخلّف الحادث إلى غاية كتابة هذه الأسطر وفاة شخصين وإصابة 3 آخرين يرقدون في وضعية حرجة وقفت عليها "المساء" بالإنعاش بمصلحة الحروق بمستشفى ابن باديس الجامعي بقسنطينة. يروي لنا أفراد العائلة أن سبب الانفجار الذي شهده منزل عائلة رحاب بالتوميات التابعة لولاية سكيكدة، هو شرارة غاز أدت إلى انفجار غاز قارورة بوتان، وخلّفت وراءها مأساة عائلة بأكملها. وحسب رواية بعض أفراد العائلة، فإن التفاصيل الدقيقة لم يتمكن أحد من الوصول إليها ومعرفتها سوى من كان داخل الشقة وكان ضحية الحادث وهم في الوقت الحالي في حالة غيبوبة، لكن ما تم تداوله بين أفراد العائلة أنه في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، كانت الوالدة عائشة تطهو الخبز "الكسرة" في رواق البيت وتجهز وجبة الغداء، بينما كان الجد والأبناء الثلاثة في البيت غير منتبهين لتسرب الغاز من قارورة بوتان في الرواق الآخر للبيت، في حين كان الأب خارج المنزل، وما إن وصل الغاز إلى كثافة معينة حتى لامس ألسنة اللهب على الموقد الذي كانت تشتغل عليه ربة البيت، وفي لمح البصر وصلت النار إلى قارورة الغاز، التي انفجرت محدثة أضرارا مادية وبشرية وهلعا كبيرا وسط الحي، لتتدخل مصالح الحماية المدنية، التي نقلت الضحايا على جناح السرعة إلى مؤسسة استشفائية بالحروش. الضحايا أصيبوا بحروق بليغة وحُوّلوا إلى مستشفى قسنطينة ولخطورة الإصابات التي تعرّض لها الضحايا، لم يتمكن الطاقم الطبي بالحروش من فعل أي شيء سوى القيام ببعض الإسعافات الأولية، ليتم الاتصال مباشرة بمركز المحروقين بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، هذا الأخير أعطى موافقته للتكفل بضحيتين فقط، حسب الإمكانيات التي يتوفر عليها وحسب الأسرّة الشاغرة، لكن سيارات الإسعاف نقلت الضحايا الخمس دفعة واحدة إلى مستشفى قسنطينة، حيث تم إدخالهم على جناح السرعة إلى العناية المركزة بهذا المركز في حدود الساعة الثالثة زوالا، ليتلقوا أولى العلاجات من خلال منحهم أدوية مهدئة للآلام ومصل وأملاح معدنية، حيث تم وضع الجد وحفيده الرضيع في غرفة واحدة، والأخوين أيمن وياسر في غرفة واحدة، والأم في غرفة لوحدها. البروفيسور جنان: الحروق من الدرجة الثالثة وأغلب المصابين فقدوا 80 % من الجلد أكد البروفيسور جنان، رئيس مركز المحروقين بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة في حديث إلى "المساء"، أن الضحايا وصلوا في حالة خطيرة إلى المركز، مضيفا أن مصالحه تلقت عبر الفاكس، رسالة مستعجلة، تطالب بالموافقة على تحويل المصابين إلى المركز الذي يشرف عليه. وكان الرد بالإيجاب، لكن مع تحديد العدد باثنين فقط نظرا لعدد الأسرّة والإمكانيات المتوفرة في الوقت الحالي. وقال البروفيسور جنان إن مصالحه استقبلت الضحايا في حدود الساعة الثالثة من زوال يوم الأربعاء، حيث تم إسعافهم والقيام بالإجراءات اللازمة، مضيفا أنه خلال 24 ساعة الأولى من دخول الضحايا إلى المستشفى، تم تزوديهم بالمصل الفيزيولوجي من أجل تعويض البلازما والسوائل الضائعة من الجسم جراء احتراق الجلد، إذ تم حقن كل مصاب بحوالي 20 لترا من " السيروم". ووصف البروفيسور جنان حالة المصابين بالحرجة، مؤكدا أن كل الضحايا كانوا يعانون من حروق من الدرجة الثالثة؛ فالجد الذي يبلغ من العمر 79 سنة، كان مصابا في 80 % من مساحة جلده، وكان لا يستطيع التنفس، حيث تم تزويده بجهاز التنفس الاصطناعي نتيجة الحروق التي أصابت جهازه التنفسي بسبب الهواء الساخن الذي استنشقه، بينما كانت الأم عائشة صاحبة 40 سنة، تعاني من حروق مست 82 % من جسمها. وكان أيمن 18 سنة وياسر 13 سنة، مصابين باحتراق 80 % من الجلد، وتعرّض الرضيع محمد إسلام لاحتراق 40 % من جلده. وحسب البروفيسور جنان فإن حالة المصابين صعبة وغير مستقرة، حيث تؤدي الحروق في مثل هذه الحالات، إلى تعرّض القلب لمشاكل بسبب فقدان كمية كبيرة من السوائل وتعويضها بسوائل خارجية، مضيفا أن هناك بعض المواد الفيزيولوجية من مكونات الجلد، تتحول إلى مواد سامة بعد الاحتراق، وتتسرب إلى داخل الجسم عبر الدم لتصل بعدها إلى القلب مشكلة له العديد من المشاكل. وحسب البروفيسور جنان، فإن وضعية الطفل الرضيع هي الأخرى صعبة رغم أنه مصاب بنسبة 40 % فقط، مضيفا أن الحروق الخطيرة تصنَّف ابتداء من إصابة 20 % من الجلد، واعتبر أن الرضيع يكون أقل مقاومة من البالغين، ليختم بأن الطاقم الطبي على مستوى مصلحته، قام بالواجب، وأن حياة المصابين تبقى بين يدي مولاهم. وفاة الجد والطفل ياسر فارق الجد صاحب 79 سنة، الحياة بعد 15 ساعة فقط من الحادثة، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في حدود الساعة الثانية صباحا من ليلة الخميس، متأثرا بالإصابات البليغة التي تعرّض لها. وحسب البروفيسور جنان، فإن الجد لم يقاوم الصدمة وتعرّض لأزمة في القلب نتيجة تقدمه في العمر، ليفارق الحياة ويتم نقل جثته صباح أمس في حدود الساعة الحادية عشرة والنصف عبر سيارة إسعاف نحو مسقط رأسه بقرية التوميات، حيث دُفن في أجواء جنائزية بحضور عدد معتبر من سكان المنطقة بعد صلاة العصر. وكانت المفاجأة المحزنة الثانية لعائلة رحال التي كانت منشغلة بأجواء دفن الأب والجد، هي التحاق الطفل ياسر بجده، حيث فارق صاحب 13 سنة الذي كان يتنفس عبر جهاز اصطناعي هو الآخر بسبب حروق على مستوى الجهاز التنفسي، فارق الحياة زوال يوم الخميس، ليتم نقله إلى التوميات ودفنه يوم الجمعة. سليم عم الأولاد: ندعو الله أن يشفي المصابين، والمتوفون نَعدّهم من الشهداء صرح لنا عم الأولاد، وهو شرطي يعمل بولاية قسنطينة، أن هذه المصيبة التي ألمت بعائلته، ابتلاء من الله. وكان سليم يمشي متثاقل الخطى وعلامات الحزن بادية على محياه. كان زار عشية أول أمس أبناء أخيه في المستشفى رفقة بعض الأصدقاء والجيران وتفقّد حالة الرضيع محمد إسلام واستفسر عن تغذيته وإرضاعه في الوقت المناسب. وقد تلقّى عند خروجه من الزيارة المسائية في حدود الساعة السابعة مساء، الدعم المعنوي من طرف مجموعة من رجال الأمن، الذين يعملون بالمستشفى الجامعي بالزي المدني والرسمي، والذين وضعوا خدماتهم تحت تصرفه. سليم الذي فقد والده في هذا الحادث المأساوي، أكد أنه كان وقت الحادثة متواجدا بقسنطينة، وأنه تلقّى نبأ الفاجعة عبر مكالمة هاتفية، ليتنقل على جناح السرعة إلى مقر سكن العائلة بالتوميات، وهناك وقف على بشاعة المنظر، مضيفا أن كل العائلة والجيران يدعون للمصابين بالشفاء العاجل. كما قال إنهم يحتسبون الموتى في عداد الشهداء، مستدلا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه، الذي يصنّف الشهداء في سبعة أصناف، وهم إضافة إلى المقتول في سبيل الله، المطعون، الغريق، صاحب ذات الجنب، المبطون، صاحب الحريق، والذي يموت تحت الهدم والمرأة التي تموت على نفاس.