شدد الدكتور مصطفى موساوي رئيس جمعية "البدر" لمساعدة مرضى السرطان، على ضرورة تفعيل قانون منع التدخين في الأماكن العمومية، مشيرا إلى أن التدخين السلبي أو ما يعرف بالتدخين اللاإرادي يسبب أمراضا بنفس خطورة إصابات المدخنين، إنه خطر يجب أخذه بعين الاعتبار، لاسيما أن هؤلاء يعدون ضحايا "عدم التدخين" وكأنها جريمة "قتل" غير مباشرة تمارس عليهم من طرف المدخنين. لا يقتصر تأثير التدخين، حسب الدكتور والمختص في الأمراض الصدرية، على الشخص الذي يقوم بالنفخ فقط، فأي شخص في الجوار يستنشق الدخان الخارج من النهاية المشتعلة في السيجارة، فضلا عن استنشاق الدخان الذي يطرحه المدخن نفسه، والتنفس في التدخين السلبي اللاإرادي يزيد من مخاطر إصابة الشخص بالعديد من الأمراض نفسها التي تؤثر على المدخنين، ومنها سرطان الرئة، السكتة الدماغية وغيرها. فالتدخين السلبي يسبب بدوره حالات وفاة وتظهر آثاره على المدى البعيد أي بعد 20 أو 30 سنة. أما بالنسبة للأطفال المعرضين لهذا النوع من التدخين فيعانون أعراضا أسرع من الراشدين لحساسة مناعتهم وجسمهم، وتظهر عليهم بعض الأعراض كفقدان الشهية، التهاب الجهاز التنفسي، الربو، وغيرها من الأمراض الأخرى. يعرف التدخين السلبي بأنه مزيج من الدخان الذي يأتي من النهاية المحترقة للسيجارة وكذا الدخان الذي يطرحه المدخن، وبذلك فهو يحتوي على نفس المواد الكيماوية الخطيرة التي تدخل جسم المدخن وتلامس بشرته، مؤثرة بذلك على كل عضو في الجسم، فمن الممكن أن يتعرض غير المدخنين الجالسين أمام المدخن لمستوى معين من تلك السموم. هناك أسباب وجيهة لتجنب التدخين السلبي اللاإرادي. فهو يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب ومشاكل الجهاز التنفسي المزمنة وخطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، الثدي والمثانة. وعند الأطفال تبين أن له علاقة وثيقة بالتهابات الأذن الوسطى والتهاب الشعب الهوائية والربو. وتعرض الجنين في الرحم للدخان له علاقة بحالات انخفاض الوزن عند الولادة ومتلازمة موت الرضيع الفجائي. وأشار المتحدث إلى أنه رغم امتناع 80 بالمائة من الآباء عن التدخين في المنازل، إلا أن الشخص غير المدخن يبقى عرضة لهذه الحالة، أي التدخين السلبي في الأماكن العمومية وأينما ذهب، ورغم أن منظمة الصحة العالمية منعت التدخين في تلك الأماكن وخصصت مناطق مغلقة للمدخنين فقط، إلا أن المجتمع الجزائري لا يزال بعيدا عن تطبيق تلك التعليمات التي مفادها حماية الصحة العمومية وعدم تعريض غير مدخنين لأمراض خطيرة، خصوصا أن هؤلاء امتنعوا عن التدخين لإدراكهم بمضاره، فكيف يتم هضم حقهم في الصحة وتعريضهم "عن إكراه" له؟ وقال موساوي بأن استراتيجية تطبيق قوانين منع التدخين في الأماكن العمومية تبدأ تدريجيا، لأن المدخن هو الآخر ضحية ولا يمكن منعه عن التدخين بشكل مفاجئ، وإنما لابد من تحسيسه وتوعيته بالمخاطر العديدة التي يسببها التدخين، وبحثه عن طرق الإقلاع عنه، وبذلك سوف تتنامى لديه ثقافة ووعي صحيين يجعلانه يتقبل القوانين التي تنص على منع التدخين في الأماكن العمومية، لتمر الإستراتيجية على ثلاث مراحل وهي؛ التوعية والتحسيس، فصياغة تعليمة المنع، ثم العقاب للمخالفين. الدكتور مصطفى موساوي ل"المساء": الإرادة القوية بداية الإقلاع عن التدخين البداية غباوة والنهاية إرادة، بهذا استهل الدكتور مصطفى موساوي حديثه عن "تاريخ" كل فرد مع التدخين أو مع السيجارة، قائلا:"ما من عملية سهلة مثل محاولة خوض تلك التجربة بوضع أول سيجارة في الفم واشعالها وتدخينها، لتظهر اللذة للمدخن بعد ثاني وثالث محاولة، إلا أن عملية الإقلاع ليست بهذه السهولة، ففي هذه المرحلة يدخل المدمن على النيكوتين في حرب "نفسية" حقيقية قد يكون هو المنتصر فيها أو قد يستسلم ويسلم أمره لتلك السيجارة التي لا يتعدى طولها بضعة سنتيمترات. وفي هذا الخصوص، قال المختص أن المدخن ضحية مادة النيكوتين، فتلك العملية ليست "نفسية" فقط وإنما هي حقا عملية يدمن فيها الجسم كليا على تلك المادة، الأمر الذي يجعل الإقلاع عنها عملية معقدة وتتطلب إرادة قوية وحقيقية. فالإقلاع عن التدخين يتطلب عزيمة قوية وصبرا على تحمل الأعراض الناجمة عن الإقلاع، مثل القلق و"النرفزة" التي تصاحب المدخن إذا قام بمحاولة وقف التدخين، إلا أن العزم والاستمرار في تحمل تلك الأعراض تبدأ بتلك الرغبة في الفتور حتى تمر هذه الأزمة بسلام وتختلف نوعية الأعراض وشدتها من شخص إلى آخر. وأوضح الدكتور أن شهر الصيام هو شهر لابد أن يستغله المدخن ولا يفوته، فبحكم الصوم لعدة ساعات في اليوم كفيل بتحفيز إرادة الإقلاع عن التدخين، فالعامل النفسي يلعب دورا أساسيا في تلك العملية، وتعتمد شدة هذه الأعراض وكذا قوة الإرادة على عدد السجائر التي يدخنها الفرد في اليوم وعلى عدد السنوات التي مارس فيها التدخين، فكلما زاد عدد السجائر في اليوم وعدد السنوات التي تم فيها التدخين صعب الإقلاع عنه، لكن ذلك لا ينفي أن بعض الحالات تدمن بشكل سريع على السيجارة، كما أن حالات أخرى تدمن على السيجارة الواحدة في اليوم، وأشار المتحدث في هذا الخصوص إلى أن تعدد السيجارة في اليوم الواحد أو الاكتفاء بواحدة فقط لها نفس الأضرار على حسبما كشفت عليه العديد من الدراسات. كما أوضح المتحدث أن بعض الأشخاص قد يتأثرون بشكل سريع وتظهر عليهم أعراض صحية بسبب التدخين، سواء لهشاشة صحتهم أو لضعف مناعتهم أو لأسباب أخرى، مما قد يصيبهم بأمراض خطيرة لم تظهر على المدخن لمدة أطول. وعلى هذا، يقول موساوي بأن قرار الإقلاع عن التدخين يتطلب إرادة قوية وعزيمة صارمة، إلى جانب مساعدة طبية ومرافقة صحية، بهدف تجنب الانتكاس الذي يعاني منه بعض المدخنين الذين يحاولون الإقلاع عن السيجارة، إلا أنهم لا يفلحون في ذلك بسبب عوامل خارجية ومتغيرات عديدة تؤثر على إرادتهم وتضعف عزيمتهم. عدد المدخنات في الجزائر في تزايد ملفت للانتباه كشف السيد موساوي أن عدد النساء المدخنات في الجزائر في تزايد مستمر وملحوظ، النسبة التي باتت تقلق الأطباء وتعكس تراجع الوعي الصحي بالنسبة لهذه الفئة "الحساسة" بسبب إدمان التدخين. وأشار على هامش اليوم التحسيسي المنظم على مستوى محطة السكك الحديدية "آغا" مؤخرا، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التدخين، إلى أن النساء المدخنات يشكلن خطورة كبيرة، لاسيما أنهن يمثلن البطن "الحامل" للجنين مستقبلا. أوضح المتحدث أن أغلبية المدخنات يجهلن المخاطر الحقيقية التي يخلفها التدخين، وعلى هذا الواقع المؤسف، يعد من الضروري تكثيف الحملات التحسيسية "الوقائية" على مستوى المدارس والمؤسسات التعليمية تستهدف عامة الشرائح من الذكور والنساء، لكن تخصص فرق مختصة في توعية الجنس اللطيف ب"الكوارث" التي يخلفها التدخين. وقال المتحدث أن جمعيته انتهجت قبل فترة سياسة جديدة أطلقتها في إطار حملة تحسيسية تحت شعار "لا لأول سيجارة"، حيث يرى الدكتور أن مشكل التدخين يبدأ نسبيا في عمر ال12 سنة. فالفرد في تلك المرحلة يقدم على ممارسة التدخين، وقد يكون عدد الفتيات الراغبات في تجربة "التدخين" ضعف الفتيان. وأكد المتحدث في هذا الخصوص أن العديد من النساء المدخنات يجهلن أن السيجارة تؤدي إلى الإجهاض، وتسبب مشاكل عديدة خلال الحمل، فإلى جانب تأثيرها على صحة الجنين فإنها تؤثر بنفس المقدار على صحتها، كإصابتها بسرطان عنق الرحم، الجلطة الدماغية، هشاشة العظام، وكذا الإصابة بسرطان الفم والحنجرة. ويقول الدكتور أن دخول الفتيات عالم التدخين يبدأ بدافع "البرستيج" في نظرهن، فبالنسبة لهن يعد التدخين وسيلة لإثبات وجودهن وبرهان أنهن قادرات على القيام بما يقوم به الرجل، وهنا لا يمكن القول بأن التدخين يسبب أضرارا أقل بالنسبة للرجل، وإنما المرأة المدخنة تؤثر على صحته وعلى صحة جنينها مستقبلا. وأشار المتحدث إلى أن النساء المدخنات لهن رغبة أقل في الإقلاع عن التدخين بخلاف الرجال، فالفتيات يعتقدن أن الإقلاع يجر وراءه انفتاح الشهية، فيتخوفن بذلك من اكتساب وزن زائد، لاسيما أنهن يعتنين بشكل زائد ومبالغ فيه بالمظهر الخارجي ويهمشن المشكل الحقيقي وهي الكوارث الداخلية التي تخلفها تلك العادة "غير الصحية". ممارسة أنشطة رياضية للتخلص من السموم أشرطة النيكوتين اللاصقة بدائل "نفسية" فعالة أكد الدكتور موساوي أن لاصقات النيكوتين أو السجائر الإلكترونية بدائل يبحث عنها المدخن الراغب في الإقلاع عن عادة التدخين، لتبقى تلك الحلول حسبه مجرد وسائل مؤثرة على النفسية أكثر من فعاليتها الحقيقية، إلا أن استعمالها يبقى فعالا لمساعدة هؤلاء الأشخاص على التخلص من السيجارة تدريجيا. يجد العديد من المدخنين بدائل للنيكوتين في أشكال طبية، منها لاصقات النيكوتين، وهي عبارة عن لاصقات تحتوي على جيل نيكوتيني، إذ يتم نقل تلك المادة عبر الجلد لتصل إلى الدم، وبذلك تعمل على التقليل من تأثير النيكوتين على الجسم، ويرجع بعض الخبراء عدم القدرة على الإقلاع عن التدخين إلى عوامل نفسية ومرض محدد عرفه البعض ب"القدرة الضعيفة"، وفي شأنها يقول المختص: "الخبراء باتوا يلجأون إلى أساليب عديدة لمساعدة المدمنين على النيكوتين في التخلص منه وتتمثل في العلاج الفوري أو ما يعرف بالعلاج الصادم الذي يتمثل في الوقف "دون سابقة" عن عملية التدخين بحرمان الفرد من الوصول إلى السيجارة، وهي أصعب الحالات، وهنا قد يكون الفرد لم يتخلص من سموم النيكوتين المتواجدة في جسمه ومعرض بسهولة إلى حالة الانتكاس. من جهة أخرى يوجد العلاج النفسي الذي يتم عبر أحاديث وتجارب يعرضها المختص على المدخن ويستعمل فيها أساليب مختلفة للوصول إلى إكراه السيجارة للمدخن، وفي الأخير يضيف موساوي،؛ هناك علاج بالبدائل مثل علكة النيكوتين أو الأشرطة اللاصقة أو السيجارات الإلكترونية وغيرها من الابتكارات التي تساعد على صد المدخن عن التدخين، وقد تساعده على الإقلاع نهائيا وتعويض ذلك الإدمان النفسي ببدائل تحتوي على كمية نيكوتين غير خطيرة وبتركيبة خالية من السموم. وعلى صعيد آخر، أوضح المختص أنه من الضروري ممارسة الأنشطة الرياضية بشكل منتظم ومستمر خلال مرحلة الإقلاع، فهي تساعد الجسم على التخلص من تلك السموم المتراكمة في الجسم عبر طرحه خارجه عند التعرق وحرق الدهون، وأشار إلى أنه على كل فرد أن يمارس أنشطة رياضية ولو مرة في الأسبوع حتى يبقى الجسم سليما ومعافى.