تتميز رياضة الجمباز في الجزائر عن الرياضات الأخرى بصفتها أول فرع رياضي مثل الوطن في الألعاب الأولمبية، وكان ذلك في دورة طوكيو 1964؛ أي بعد سنتين فقط من حصولنا على الاستقلال. غير أن هذه الميزة لم تجعله أحسن من الرياضات الأخرى من حيث النتائج والإنجازات الكبرى التي لم تتجاوز عموما الإطار الإفريقي باستثناء المشاركة المميزة للجمبازي الدولي السابق الفرجاني سيد علي في دورات ألعاب البحر الأبيض المتوسط لمدينة باري 1987 (ميدالية فضية) ومدينة تونس 2001 (ميدالية ذهبية) ومدينة ألميريا الإسبانية 2005 (ميدالية برونزية). ولازال الفرجاني يُعتبر خليفة الجمبازي الكبير محمد الأزهر إلى جانب الجمبازي الآخر محمد مزيان، الذي أهدى أول لقب إفريقي للجزائر في رياضة الجمباز سنة 1990، وكان هذا الرياضي ينشط على مستوى سعيدة التي لازالت تُعتبر أحد أقطاب هذه الرياضة إلى جانب بوفاريك، البليدة، سكيكدة، تلمسان ووهران. رغم تراجع مستواه لازال الجمباز الجزائري يشارك باستمرار في البطولات الإفريقية التي تسيطر عليها بلدان رائدة في هذا الاختصاص الرياضي، منها مصر بشكل خاص، وجنوب إفريقيا والمغرب وتونس. وكان الاتحاد الدولي للجمباز قد أدخل في بداية الثمانينات ترتيبات جديدة على هذه الرياضة؛ من خلال إدماج فرع رياضي جديد، متمثل في رياضة الترامبولين التي عرفت في الجزائر تطورا سريعا، أدى بها إلى البروز على المستوى الدولي في ظرف زمني قصير، حيث احتلت الجزائر المركز الثاني عشر في البطولة العالمية سنة 2013. وتُعد مناطق قصر البخاري وبجاية والعاصمة أهم أقطاب ممارسة هذه الرياضة التي تشارك في الدورات الأولمبية الدولية منذ ألعاب سيدني 2000، التي حصلت فيها الجزائر على المركز العاشر فردي الذي ناله الرياضي علي بوراي. ويقرّ رئيس الاتحادية الجزائرية للجمباز صالح بوشيحة أن تطور هذا الفرع يسير ببطء ولا يمكنه أن يقترب من المستوى الدولي. وشرح ذلك بالقول: "رياضة الجمباز تعاني من انعدام القاعات الخاصة، مثلا الجزائر العاصمة التي تجمع أكبر الممارسين للجمباز عبر التراب الوطني، بها قاعتان فقط، واحدة متواجدة في باب الوادي تابعة للبلدية، والثانية بباب الزوار، وتسيّرها مديرية الشباب والرياضة. تصوّروا أن عشرة أندية عاصمية من مختلف الفروع الرياضية بما فيها أندية الجمباز، يتدرب ريّاضيّوها بقاعة باب الزوار، ونفس العدد أو أكثر من ذلك نجده في قاعة باب الوادي. هذا الاكتظاظ لعدد ممارسي الرياضة يعيق فعلا تطور الفروع الرياضية بمختلف اختصاصاتها، وحتى القاعات لا تملك كل التجهيزات الخاصة بممارسة رياضة الجمباز، وهذا ما يفسر بطء تقدم هذه الرياضة في بلدنا". النجاح يبدأ.. مبكرا وكغيرها من الرياضات التي تنفرد بمميزات خاصة، لا يمكن لرياضة الجمباز أن تتطور سوى في إطار منظم؛ على اعتبار أنّ ممارستها تبدأ في سن مبكرة، ويجب أن يتّبع الشاب الرياضي الذي اختارها نظاما تدريبيا دقيقا؛ سواء من حيث التوقيت الزمني أو من حيث عدد الحصص التدريبية التي يخضع لها. ويوضح السيد صالح بوشيحة في هذا الشأن: "التكوين في رياضة الجمباز يواجهه عدة عوائق، فالشاب الذي نسعى إلى تطوير إمكانياته الفنية ومرفولوجيته الجسدية لا يجد ضالته في النظام التدريبي الذي تعمل به الأندية؛ أوّلا النظام المدرسي للشاب لا يسمح له بالاستفادة من عدد كبير من حصص التدريبات، وعادة يحضر إلى التدريبات في الساعات الأخيرة من النهار وهو منهك بدنيا ولا يمكنه أن يستوعب التدريبات. وقد سجلنا حالات انسحاب كثيرة لهؤلاء الشبان، ويُعد ذلك خسارة كبيرة لرياضة الجمباز، التي أصبحت تفتقر إلى كثير من المواهب الشابة، ما ينبغي إعادة النظر في التكوين على مستوى القاعدة. ورياضة الجمباز ليست كالرياضات الأخرى، فممارسها يكون دائما في حاجة إلى مزيد من الوقت لكي يستوعب كما ينبغي التدريبات، خاصة بالنسبة للمواهب الشابة التي ينبغي عليها أن توفَّق بين الدراسة وممارسة هذه الرياضة إذا ما أرادت تحقيق النجاح في كلا الجانبين". نقص الوسائل يرهق الرابطات ولفت محدّثنا إلى أنّ معظم رابطات اتحادية الجمباز تعمل في ظروف صعبة بسبب افتقارها لوسائل عمل حديثة وتعداد بشري غير مؤهل للقيام بالمهمات المنوطة به، موضحا أنّ كثيرا من الرابطات لا تملك مقرا خاصا بها وليس لديها حتى جهاز الفاكس، ويضطر مسؤولوها إلى ضبط عملهم لصالح الجمباز بمقر سكناهم. وتحدّث صالح بوشيحة بكثير من الحسرة والتأسف عن الطريقة التي يتم بها تشييد المرافق الرياضية عبر التراب الوطني، حيث قال في هذا الموضوع: "لا يمكن نكران ما تقوم به الدولة الجزائرية في مجال توفير الأموال الضرورية للرفع من مستوى الرياضة في بلادنا، لكن هناك أخطاء تُرتكب من قبل المسؤولين المكلفين باستعمال هذه الوسائل المادية المتوفرة، لا سيما في مجال تشييد المنشآت الرياضية. أظن أنه حان الوقت لتغيير الاستراتيجية في هذا المجال، ذلك أنّ المركبات الرياضية الصغيرة التي شيّدت إلى حد الآن، لم تُفد كثيرا تطور رياضتنا لافتقارها إلى مقاييس الممارسة الرياضية لكل فرع، فضلا عن أن بعض مرافقها لا تفيد في أي شيء، بل أصبحت تشكل عبءا ماليا ثقيلا على المكلفين بتسيير هذه المركبات. الحل يكمن في تشييد قاعات صغيرة أو المسماة بالقاعات الخاصة التي تستجيب لكل فرع رياضي حسب اختصاصه، وهذا ما يليق برياضة الجمباز وغيرها من الرياضات الأخرى التي لا يمكنها أن تتطور باستعمال مركبات رياضية لا تتوفر على المواصفات الخاصة بكل رياضة. وأكثر من ذلك، فإنّ تشييد هذه القاعات الخاصة لا يتطلب كلفة مالية كبيرة مثلما كانت الحال بالنسبة لقاعة كرة اليد المشيَّدة على مستوى حي الوئام المدني بالعاصمة (أول ماي سابقا)". المؤطرون إداريون.. خارج الميدان أثار رئيس اتحادية الجمباز من جهة أخرى، مشكل التأطير الرياضي الذي تعاني منه الهيئة التي يرأسها، قائلا في هذا الشأن إنّ الهيئة التي يسيرها تملك أربعين مستشارا رياضيا، لكن خمسة منهم فقط ينشطون في الميدان، والباقي يعمل في الإدارة عبر الرابطات والأندية. وأكثر من ذلك - يضيف محدثنا - فإنّ أغلب الإطارات الرياضية في كثير من الفروع الرياضية محدودة المستوى وفي حاجة إلى إعادة تأهيل معارفها العلمية والتطبيقية. وحسب رأي محدثنا، فإن الاستعانة بالمدربين والمستشارين الأجانب باتت ضرورية في ظل الضعف الكبير المسجل لدى كثير من التقنيين الجزائريين، لا سيما أولئك الذين تلقوا تكوينا ضعيفا. فرح بوفدّان ومحمد بورقيّق,,, عيون الجزائريين على نجمين في.. البرازيل ستكون رياضة الجمباز الجزائرية ممثلة في الألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو خلال هذه الصائفة، بعنصرين اثنين فقط، وهما محمد بورقيّق وفرح بوفدان، وقد وقع الاختيار عليهما بالنظر إلى تميزهما عن باقي زملائهما الدوليين في مجال النتائج والخبرة الدولية. فمحمد بورقيّق الذي ينشط في نادي وداد بوفاريك، هو بطل إفريقي له عدة ألقاب على المستوى القاري، فضلا عن أنه يسيطر على عدة اختصاصات في البطولة الوطنية، وأمامه مستقبل واعد بالنظر إلى صغر سنه (20 سنة) والبراعة الفنية الكبيرة التي تميز استعراضاته على حصان الحلقة وطاولة القفز والعمود المثبت. ويتميز محمد بورقيّق بالقوة والسرعة في تنفيذ الحركات الفنية، مثلما بيّن ذلك في البطولة الإفريقية الأخيرة التي احتضنتها الجزائر خلال شهر مارس من السنة الجارية، حيث نال أربع ميداليات ذهبية، منها اثنتان على الأعمدة المتوازية. وقد صرح بورقيّق للصحافة في أعقاب إسدال الستار على هذه المنافسة القارية، بأنه تجاوز الهدف الذي سطره قبل خوض هذه البطولة التي سمحت له بتدعيم تحضيراته لألعاب ريو دي جانيرو الأولمبية. وكان محمد بورقيّق قد أظهر استحقاق مشاركته في الألعاب الأولمبية أثناء مشاركته في المنافسات الدولية التصفوية للألعاب الأولمبية، والتي جرت أطوارها بمدينة غلاسكو (أسكتلندا) وبجنوب إفريقيا. ويتواجد حاليا محمد بورقيّق في تربص بالولايات المتحدةالأمريكية رفقة عدة رياضيين جزائريين من الفروع الأخرى المعنية بالمشاركة في ألعاب ريو دي جانيرو. أما فرح بوفدان فهي رياضية مغتربة بفرنسا منخرطة في القطب الرياضي "سان الميتيان" التابع لمركز التكوين الخاص بالمستوى العالي. كانت عضوا في المنتخب الفرنسي أواسط، واختارت فيما بعد الدفاع عن ألوان بلدها الأصلي الجزائر، حيث انخرطت في الفريق الوطني الجزائري للجمباز انطلاقا من 2015، السنة التي شاركت فيها في الألعاب الإفريقية بالكونغو برازافيل، ونالت فيها ميدالية ذهبية وأخرى برونزية، الأولى على حصان الحلق، والثانية على العمود المتوازي. تأهلت فرح بوفدان إلى الألعاب الأولمبية لريو دي جانيرو أثناء مشاركتها في المنافسات التصفوية لهذه الألعاب، والتي جرت في كل من غلاسكو وجنوب إفريقيا. وتُعد فرح بوفدان الرياضية الأولى في الجمباز الجزائري التي تشارك في الألعاب الأولمبية. يقول رئيس الاتحادية الجزائرية للجمباز صالح بوشيحة عن مشاركة هذين الرياضيين في ألعاب ريو دي جانيرو: "فرح بوفدان ومحمد بورقيق يسافران إلى البرازيل ليس من أجل الحصول على الميداليات، بل فقط من أجل المشاركة". وأوضح بوشيحة أنه من الصعب على أي رياضي التألق في الجمباز بسبب المستوى العالي لفنياته، وأعطى مثلا عن رومانيا الغائبة عن ألعاب ريو دي جانيرو بالرغم من تألقها في الماضي على المستوى الدولي.