عاشت مدينة نيس الفرنسية ليلة رعب حقيقية في يوم تاريخي امتزجت فيه رائحة الدماء والجثث الملقاة بأنين المصابين بعد إقدام سائق شاحنة على دهس مئات المتحلقين في شارع منتزه الانجليز الشهير، حضروا الاحتفالات السنوية بعيد الثورة الفرنسية وخلف مقتل 84 شخصا ومئات المصابين، من بينهم 50 وصفت حالاتهم ب«الخطيرة جدا". وهي حصيلة مرشحة للارتفاع بعد أن أكد الرئيس فرانسوا هولاند بعد زيارة إلى المستشفى أن خمسين مصابا مازالوا بين الحياة والموت العديد منهم أجانب. وفاجأ صاحب الشاحنة التي تضاربت المعلومات حول دوافع فعلته مئات المحتفلين من النساء والأطفال في شارع منتزه الانجليز وهم يهمون بمغادرته بعد احتفالية إطلاق الشماريخ والألعاب النارية التي عادة ما يقومون بها ليلة كل 14 جويلية من كل عام تخليدا للثورة الفرنسية سنة 1789. وانتظر صاحب الشاحنة الدقائق الأخيرة لانتهاء عملية إطلاق الألعاب النارية ليحرك شاحنته على طول كيلومترين، مما أدى إلى وقوع هذه الحصيلة الكارثية التي حولت احتفالية ذات دلالات قوية لدى الفرنسيين وكل العالم إلى ليلة حزن جعلت فرنسا تدخل حدادا على مدى ثلاثة أيام. وخلفت العملية حالة ذعر كبيرة في أوساط السياح وسكان هذه المدينة المعروفة بفنادقها ومنتجعاتها وكازيناتوها الشهيرة وحولت سهرتهم إلى كابوس رعب حقيقي لهول ما رأوا من مشاهد لأقارب وأصدقاء تحولوا في لمح البصر إلى أشلاء وجثث هامدة. وبقيت جثث القتلى والمصابين في الشارع بعد أن تعذر وصول سيارات الإسعاف التي وصلت متأخرة إلى مكان وقوع المجزرة. في نفس الوقت الذي تم فيه نشر تعزيزات قوات الشرطة والجيش ضمن عملية حالة الطوارئ التي تم الإعلان عنها قبل ثمانية أشهر منذ عملية ملعب فرنسا بداية العام والتي خلفت مصرع 130 شخصا. وسادت أجواء جنائزية على مدينة نيس كلها في فصل تعرف فيه بحركيتها السياحية بعد أن امتزجت رائحة الموت مع نسمات البحر في أجوائها وهجر السكان شوارعها بعد أن طالبتهم سلطاتها بالمكوث في منازلهم في نفس الوقت الذي أغلق فيه منتزه الانجليز إلى تاريخ غير محدد. واستدعى الموقف تنقل الرئيس هولاند، أمس، إلى مدينة نيس للوقوف على حقيقة ما حدث رفقة الوزير الأول مانويل فالس ووزير الصحة. وكان الرئيس الفرنسي قبل ذلك قد دعا إلى اجتماع أزمة حضره الوزير الأول مانويل فالس ووزير العدل، جون جاك ايرفواس، ووزير الدفاع، جون ايف لودريان، وقائد هيئة أركان الجيوش الفرنسية، الجنرال بيار دوفلييه، بالإضافة إلى مسؤولي مختلف أجهزة والأمن والاستخباراتية لتقييم الوضع ومحاولة منع تكرار ما حدث. واضطر الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى العودة على الفور الى العاصمة باريس والتحق مباشرة بخلية الأزمة التي تم تشكيلها مباشرة بعد ذيوع خبر تلك المجزرة حيث عقد اجتماعا طارئا لأعضاء مجلس الدفاع لبحث الإجراءات العملية التي يتم العمل بها منذ تفجيرات 13 نوفمبر من العام الماضي. وتم مباشرة بعد ذلك تمديد العمل بحالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر إضافية تنتهي نهاية شهر أكتوبر في نفس الوقت الذي أعلن فيه استدعاء قدماء العسكريين والأمن من أجل الالتحاق بمصالح الأمن لتدعيم جهد مصالح الأمن وخاصة ما تعلق بمراقبة الحدود الدولية الفرنسية. ورغم أن أية جهة لم تتبن العملية إلا أن الرئيس فرانسوا هولاند سارع الى القول إن الهجوم يحمل بصمة إرهابية بينما أكدت أطراف أنه عمل انتقامي بسبب المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها محمد لحويج بوهلال بدليل أن الشاحنة التي نفذ بها عمليته قام باستئجارها. محمد الحويج منفذ العملية منعزل وغير معروف لدى أجهزة المخابرات قام محققون في مجال مكافحة الإرهاب، أمس، بعملية تفتيش دقيقة لمنزل محمد لحويج بوهلال البالغ من العمر 31 عاما، المواطن الفرنسي ذو الأصول التونسية الذي نفذ عملية الدهس الجماعي على طول منتزه الانجليز بمدينة نيس الفرنسية. وأجمع سكان حي المسلخ الذي يقطنه في الضاحية الشرقية لمدينة نيس على نعتهم محمد لحويج الذي ولد في تونس على انه شخص منعزل وقليل الكلام وليس له أية ملامح لشخص متدين بدليل أنه لم يصم كل أيام شهر رمضان الأخير ويتعاطى المخدرات. وأكدت مصادر أمنية أن عملية التفتيش تمت صباح أمس بحضور تعزيزات أمنية من القوات الخاصة والشرطة العلمية في محاولة للعثور على أدلة تؤكد علاقته بأي تنظيم إرهابي محتمل ومحاولة التأكد ما إذا كان قد حصل على مساعدة مقربين منه قبل تنفيذ عمليته. وكشفت مصادر أمنية أن طليقته وضعت هي الأخرى رهن الحجز تحت النظر منذ صباح، أمس، بعد أن راجت أخبار عن علاقة متوترة بينها وبين طليقها. ولم تتبن الى غاية مساء أمس أية جهة مسؤوليتها عن العملية رغم تأكيدات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأنها حملت "بصمة إرهابية" في إشارة واضحة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في نفس الوقت الذي أكد فيه أن كل المدن الفرنسية ليست في منأى عن عمليات مماثلة. وقال فرانسوا مولان النائب العام بمحكمة باريس إن محمد لحويج غير معرف لدى مصالح الاستخبارات الفرنسية ولكنه أكد أن عمليته تتماشى مع عمليات العناصر الإرهابية رغم انه لم يدرج أبدا ضمن الأشخاص المتعاطفين مع الجماعات المتطرفة. وهي تأكيدات سارت إلى نقيض تصريحات بعض المصادر التي أشارت إلى أن منفذ العملية مصاب بانهيار عصبي ويكون قد نفذ عمليته انتقاما من وضعه الاجتماعي بعد طلاقه من زوجته.