تستعد بلدية سيدي محمد بن عودة بغليزان، وباقي أعراش فليتة خمس خماس، لإحياء تظاهرة الولي الصالح سيدي محمد بن عودة، أحد أولياء الله الصالحين الذي مر على وفاته خمسة قرون، في جو بهيج يبرز من خلاله الحرص على العادات والتقاليد وكذا معالم الجود والكرم لأهل المنطقة، وهي الوعدة التي تنطلق مع كل خريف. تعد بلدية سيدي محمد بن عودة منطقة ريفية تتربع على مساحة تقدر ب289 كلم2، تتشكل من الجبال والسهول، تشتهر بثاني أكبر سد في الولاية وهو سد السعادة الذي دشنه الرئيس الراحل هواري بومدين، تتشكل من سكنات متلاصقة ذات طابع عمراني قديم يحكي تآلف الأسر الجزائرية، كما تنتشر سكنات ريفية بالتلال وعلى امتداد طول وادي مينا، بها بنيات تقليدية مغطاة بالقرميد أعطت القرى والمداشر طابعا مميزا، لتلبية حاجيات سكان المنطقة من جمع الحبوب وتخزينها بالطرق التقليدية وكذا تربية المواشي والاستعانة بمنتوجاتها من الصناعات التقليدية، ومنها ممارسة بعض الزراعات الموسمية و هذا بالاستعانة بمياه سد السعادة، يعد الولي الصالح سيدي محمد بن عودة الأب الروحي لقبيلة فليتة خمس خماس والذي أخذت اسمه، وهو بن يحي بن عبد العزيز معروف بابن عودة نسبة إلى مربيته عودة بنت سيدي محمد بن علي المجاجي، وهي عالمة متصوفة وتقية تكفلت بتربيته ورعايته وهو الذي رافقها إلى الحجاز لأداء مناسك الحج. يتم الإعلان عن موعد الوعدة بعد اجتماع مشايخ الفروع والعروش ال25 المكونة والمؤسسة لقبيلة فليتة، حيث تقوم بالإعلان عن فرقة من الرجال الذين يحملون عمودا كبيرا يسمى الركيزة، وهي عبارة عن عمود خشبي كبير يستعمل فيما بعد كدعامة، أي ركيزة لإحدى الخيم وتجوب الفرقة المدن والقرى والمداشر في أيام الأسواق الأسبوعية لتعلن عن موعد الوعدة عن طريق التهليل المصحوب بأنغام الغايطة والبندير وكذا روائح البخور، وعند مرورهم بالشوارع يهديهم المواطنين التبرعات من المال والمحارم المرشوشة بالعطور، في وقت تقوم فرق أخرى من مشايخ الإعلام بإعلام المواطنين عن تاريخ الوعدة بواسطة "البراح"، سواء وسط المدن الكبرى كعاصمة غليزان أو بالأسواق الأسبوعية للقرى والمداشر وحتى ببعض المدن للولايات المجاورة. الشروع في بداية التحضير للوعدة يسبق وعدة الولي الصالح سيدي محمد بن عودة العديد من الوعدات التي تقام عبر العديد من بلديات وقرى ومداشر منطقة فليتة، منها على وجه الخصوص ما يسمى بطعم الشيخ بن عيسى بالرحوية، في ولاية تيارت وطعم وادي السلام، وكذا طعم سيدي لزرق، إلى غيرها من المناسبات والوعدات وبعد الإعلان عن وعدة سيدي محمد تشد أعراش وفروع قبيلة فليتة الرحال إلى سيدي محمد بن عودة ثلاثة أيام قبل انطلاق الوعدة، وهي عادة متأصلة منذ القدم بسبب انعدام وسائل النقل قديما، وفور الوصول تشرع القبائل في نصب الخيم وفق مخطط مضبوط لكل قبيلة من أجل استقبال الضيوف، إذ تتكفل النساء بتحضير وجبات الوعدة. يوم الوعدة في هذا اليوم، تكون قبيلة فليتة خمس خماس بأعراشها ال25 كلها حاضرة، بالإضافة إلى الزوار من كل مناطق الوطن الذين يتم إطعامهم وإيواؤهم من طرف سكان القرية وأعراش قبيلة فليتة المعروفين بكرمهم، كما تكون القبة التي تحتضن ضريح الولي الصالح سيدي محمد بن عودة قد تم تزيينها من الداخل وطلاؤها من الخارج، ويكتسي الضريح أقمشة مزركشة ومحارم وتتشكل حوله مجموعة من حفظة القرآن الكريم يتلون كتاب الله، وفي الخارج حول القبة يلتف الزوار في حلقات منها المبارزة بالعصي في جو تنشطه الفرق الفلكلورية البدوية والمداحة والقوالة والقرقابو وغيرها من الفرق الفنية. خياطة الخيمة و نقلها ونصبها وفقا لأعراف المنطقة و القبيلة المتوارثة منذ حوالي خمسة قرون خلت يتم خياطة الخيمة يوم الأربعاء، بحيث يتم ضم قطع الخيمة و خياطتها من طرف الحضور و تكون هذه الأجزاء من الوبر الخام و التي تمثل كل واحدة آو كل جزاء عرشا من اعراش القبيلة و يتم ذلك في مشهد شيق يعبر عن توحيد الصفوف القبيلة و التآزر و في مشهد تلقائي عجيب يتنافس كل عرش للظفر بالخيمة ونصبها في منافسة حميمية قوامها المبارزة بالعصي و زغاريد النساء و لا يهدآ الحال حتى تنصب الخيمة، بعدها يفسح المجال للفرق الفلكلورية التي تمتع الحاضرين على وقع نغمات الزرنة و الحان القصبة والناي و دقات الطبول و تهاليل الحضرة . الوقت للغذاء والشروع في المزارات مع حلول وقت الغذاء، يتنافس أهل فليتة وأهل بلدية سيدي محمد بن عودة على إطعام الزوار بتقديم الكسكسي في "جفان" كبيرة الحجم مرصوصة باللحم ومزينة بالبيض والزبيب. وبعد الغذاء يقصد الزوار منطقة حجر الباز، حيث يتسلقون جبلا صخريا للوصول إلى قمة الجبل ليتمكنوا من المرور بالحجرة الباكية وبعدها الوصول إلى قبة الولي الصالح سيدي عبد القادر الواقع في أعلى قمة الجبل، يعرج بعدها الزوار على منبع المالحة بسبب ملوحة المياه وفيها يغتسلون ويتوضؤون ليتجهوا إلى مغارة يجتمع فيها يوم الوعدة الطلبة لترتيل القرآن الكريم، تيمنا بالوالي الصالح الذي كان يتخذها مكانا للتصوف والعبادة. الخميس، القادة وسوق الربح القادة وفيها يتم قيادة واستعراض خصال وروعة أحسن فرس عن كل عرش، وفي ذلك إشارة لانطلاق ألعاب الفروسية والتباهي بالفرسان الذين يلبسون أحلى الملابس التقليدية "العمامة التوتية"، "القيط"، "الكلاح"، "البرنوس"، "الخف" والسروج المطرزة وغيرها من ملابس الفرسان الذين يقصدون الوعدة من كل ربوع الوطن، حيث يصل عددهم إلى 500 فارس، وخلال هذه الألعاب تسمع "عيطة" واحدة من طرف قائد العلفة وهي مجموعة الخيول، وتكون هذه العيطة بمثابة إيعاز لانطلاق الخيل في سباق للفروسية وإطلاق البارود دفعة واحدة في انسجام وتنافس كامل، رغم أنه لكل علفة طلقتها ولكل عرش فرسانه وخيوله وأشعاره التي يرددها قائد العلفة، موازاة مع ذلك يجتمع المشايخ في حلقة تسمى سوق الربح وهو مكان رحب لجمع التبرعات من صدقات، كما يتم داخل الحلقة حل النزاعات وتوحيد الأعراش والدعاء بالخير والبركة والربح للجميع وبالشفاء للمرضى وقضاء الحاجة، وبين ألعاب الفروسية وسوق الربح يتفرغ الزوار لاقتناء ما لذ وطاب من المنتوجات المعروضة للبيع ومنها الحلويات التقليدية والمؤونة والملابس والأواني التقليدية من الفخار والفواكه والتين المجفف والرمان والخروب وغيرها من المعروضات الموسمية، في جو يتميز بالتنظيم من كل الجوانب من طرف السلطات المحلية، خاصة الجانب الأمني الذي يشكل أحد الاهتمامات الرئيسية للسلطات المحلية، نظرا للكم الكبير من الزوار من مختلف ولايات الوطن.