يقترح البروفيسور عبد الرحمان مبتول، الخبير الدولي في الاقتصاد على الحكومة تبني إصلاحات هيكلية عميقة وشاملة تأخذ بعين الاعتبار الترابط بين المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتراعي مبادئ الاقتصادي العالمي، والضرورة الملحة لمصارحة المواطنين، من أجل إخراج البلاد من الأزمة المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط والسعي إلى اقتصاد متنوع ومستديم، محددا في هذا الإطار ثماني توصيات أساسية لتقويم وضعية الاقتصاد الجزائري وجعله في منآى عن الاهتزازت الظرفية. ينطلق الخبير الاقتصادي في مساهمته التي نشرتها جريدة «الوطن» أمس والتي عنونها، ب«الحلول الثمانية للحكومة الجزائرية لمواجهة عجز الخزينة ما بين 2017 و2020» من التقارير الاستشرافية المعدة من قبل صندوق النقد الدولي وكذا «بنك الجزائر»، حول المؤشرات الاقتصادية، مبرزا بالمناسبة أهمية اعتماد الدولة في مشروع قانون المالية لسنة 2017 لسعر مرجعي ب50 دولارا لبرميل النفط. وإذ أبدى اعتراضه لما وصفه بالتوقعات «المتحمسة» لبعض الخبراء الذين يرتقبون ارتفاعا كبيرا في سعر برميل النفط، متوقعا أن يستقر معدل الأسعار عند 51 دولارا كمعدل سنوي في 2017، أشار البروفيسور مبتول إلى أنه، فضلا عن التراجع المتوقع في الدخل الوطني الخام للجزائر وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي، ذكر الخبير بأن مشروع قانون المالية 2017 وبالرغم من التخفيض بنحو 30 بالمائة في ميزانية التجهيز، فهو يتوقع عجزا في الميزانية ب11,44 مليار دولار أي ب8 بالمائة مقابل عجز ب15 بالمائة في 2016، مقدرا بأن مواجهة هذه الوضعية وتقويمها يستدعي اعتماد 8 حلول أساسية.. 1 - توجيه مستهدف للموارد المالية وترشيد النفقات برأي الخبير مبتول، فإن هذا الإجراء من شأنه مكافحة الزيادة غير المبررة في التكاليف وكذا الرشوة والفساد، مدعما طرحه بكون الفائض في النفقات عمل على خنق الاقتصاد الجزائري، على اعتبار إن هذا الأخير يقوم على الريع، (حيث تمثل مداخيل العملة الصعبة 97 بالمائة، فيما تعتبر الصادرات خارج المحروقات هامشية، 83 بالمائة من النسيج الاقتصادي يرتكز على النشاط التجاري والخدماتي الصغير، القطاع المنتج باستثناء الفلاحة لايزال في مرحلته الجنينية، و70 بالمائة من حاجيات الأسر والمؤسسات العمومية والخاصة تأتي من الخارج). 2 - رفع مستوى الجباية العادية وإدماج القطاع غير الرسمي يقترح الخبير الاقتصادي كإجراء ثاني لمواجهة العجز في الميزانية، زيادة الجباية العادية للقطاع الحقيقي للأسر والشركات، ويشير في هذا الصدد إلى أن الضرائب المباشرة تعتبر من أكبر مظاهر المواطنة، داعيا إلى ضرورة إصلاح النظام الجبائي على أساس المساواة والنجاعة، مع العمل بذكاء وبآليات شفافة على إدماج القطاع غير الرسمي بعيدا عن الإجراءات الإدارية والبيروقراطية. 3- مواصلة مراجعة قيمة الدينار يرى البروفيسور أن تراجع قيمة العملة الوطنية خلال الفترة الأخيرة، شكل احتياطا قسريا، سواء بالنسبة للدولار الذي عمل على رفع حجم الجباية البترولية أو الأورو بالنسبة للجباية العادية. وأوضح في هذا الإطار بأنه باعتماد قيمة صرف ب75 دينارا للدولار و85 دينارا للأورو، ستؤدي إلى عجز الخزينة بما يفوق 20 مليار دولار. 4- مواصلة استنفاذ احتياطات الصرف من العملة الصعبة كما يقترح نفس الخبير مواصلة استنفاذ احتياطات الصرف بالنسبة لحصة العملة الصعبة، والتي ستنتهي عند نهاية السنة الجارية في حدود 112 مليار حسب توقعات البنك العالمي و120 مليار حسب توقعات بنك الجزائر، مع استمرار استخداماتها لأربع سنوات، مقارنة بحجم الواردات التي لم تتقلص. وضمن هذه الرؤية، يدعو الخبير إلى تسريع وتيرة بناء الاقتصاد المنتج، والذي يحتاج إرساؤه حسبه، 5 سنوات على الأقل. 5 - التوجه نحو الاستدانة الخارجية المستهدفة لا يجد الخبير الاقتصادي حرجا في توجه الجزائر نحو الاستدانة الخارجية، غير أنه يشترط لنجاعة هذا الخيار أن تكون الاستدانة مستهدفة ومدروسة تخص العملة الصعبة، وموجهة بشكل حصري لفائدة الفروع الاقتصادية التنافسية والمنتجة. 6 - سياسة دعم انتقائي وتحويل اجتماعي مستهدف كما يقترح البروفيسور وضع سياسة دعم انتقائي وتحويل اجتماعي مستهدف بين الهيئات المهنية والاجتماعية وبين الجهات، وبعيدا عن النظرة التشاؤمية، فهو يعتبر في هذا السياق، «العدالة الاجتماعية لا تعني التساوي المطلق ولا تتعارض مع النجاعة الاقتصادية التي تستدعي عقلنة أكبر للمجتمع وللمسيرين، وتستدعي تقاسم عادل في التضحيات يقدم فيها المسيرون مثالا وقدوة للمجتمع، ويراعون خطاب المصارحة وقول الحقيقة». في نفس الصدد، يرى الخبير الاقتصادي أنه في حال استقرت أسعار النفط مستقبلا بين 45 و60 دولارا للبرميل، فإن تعميم عمليات الدعم «غير العادل بالأساس» لن يتم التحكم فيه ماليا، ما يستدعي حسبه استهداف الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع والقطاعات التي تريد الحكومة تشجيعها بشكل انتقالي. 7 – لوحة النقود كحل نهائي كما لايستبعد البروفيسور اللجوء إلى لوحة إصدار النقود كحل نهائي، لمواجهة العجز في الميزانية، معللا طرحه بكون استقرار سعر البترول عند 50 دولارا للبرميل، لا يتيح للحكومة أي هامش للمناورة في حال بقي السعر في هذا المستوى أو قل عن ذلك، «وهذا ما نتج عنه اللجوء للقرض السندي الذي استهدف الفائض في السيولة في القطاع الاقتصادي الرسمي، وعمل على تجفيف البنوك وسمح في نفس الوقت بالحصول على ريع مضاربي بفعل تحويل ودائع البنوك للخزينة العمومية بنسبة فائدة ب2 بالمائة إلى 5 بالمائة». وفي حين اعتبر هذا الإجراء «ليس من خصوصيات الجزائر»، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن تاريخ الاقتصاد في العالم يبين بأن معظم الدول التي تلجأ إلى هذا الإجراء في حال الأزمات في الميزانية تستهدف تقليص حجم الديون العمومية، ما ينتج عنه احتياطي قسري على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مؤكدا بأن اجتناب انحراف تضخمي كما حصل في فنزويلا تتطلب ضبط قوي يحقق التوازن بين الإطار الاقتصادي الكلي والإطار الاجتماعي الكلي. 8- وضع نظرة استراتيجية لإرساء اقتصاد متنوع ودائم تفاديا للسيناريو المأساوي الذي نتج عن تأثيرات تراجع أسعار النفط في سنة 1986، يرى الخبير البروفيسور مبتول أن الحل المستديم للجزائر، يكمن في وضع نظرة استراتيجية لإرساء اقتصاد متنوع في إطار المبادئ والقيم العالمية. وإذ حذر من ملاحقة الأوهام بارتقاب الأسعار عند مستوى 80 و100 دولارا، «لأن ذلك غير محتمل»، شدد على ضرورة العمل على مواكبة الاقتصاد العالمي بإرساء اقتصاد ناشء ومتنوع، يعتمد على إصلاحات هيكلية عميقة، يتحقق حولها حد أدنى من التوافق السياسي والاجتماعي. وكخلاصة لمساهمته، يشير البروفيسور إلى أنه «من أجل التقليص التدريجي في عجز الميزانية بين 2017 و2020، يمكن الجمع بين هذه المقترحات الثمانية، مع وضع رؤية استراتيجية وتنظيم شامل، وتفادي التغييرات الظرفية التي تؤدي حسبه، إلى إدامة الضغوطات. كما أبرز ضرورة العمل بتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة المتعلقة بضرورة إبلاغ المواطن وتبني لغة الحقيقة والمصارحة، مؤكدا بأن ذلك بالفعل يرتبط بالأمن القومي. وبرأي الخبير فإن الجزائر ليس لها خيارات أخرى، سوى إنجاح الإصلاحات التي قد تكون حسبه، مؤلمة على المدى القصير، ولكنها حاملة للأمل على المديين المتوسط والطويل للأجيال الحالية والمستقبلية، مؤكدا بأن الجزائر تملك كل الامكانيات للنجاح، وتحتاج فقط إلى مقاربة شاملة تجمع كل ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي. في المقابل، يرى مبتول أن تعطيل الاصلاحات الهيكلية، سيقود الجزائر حتما إلى حالة عدم القدرة على الدفع في آفاق 2020، ويعرضها لمخاطر الضغط الاجتماعي وزعزعة استقرار المنطقة المتوسطية والإفريقية، مع ما قد ينتج عن ذلك من تدخل أجنبي باعتبار الجزائر رهانا جيواستراتيجيا. وهو الأمر الذي لا يتمناه أي جزائري وطني، على حد تعبيره.