تنتعش تجارة التوابل في مدينة تلمسان بشكل جد ملحوظ، حيث يعرضها العديد من التجار في دكاكين صغيرة وكبيرة، بمجموعات لا تعد ولا تحصى، تختلف منها بعض التوابل عن باقي توابل الولايات الأخرى، نظرا لعادات وتقاليد الأكل في المنطقة والتي تشبه إلى حد كبير عادات مملكة المغرب الشقيقة. تعيش أزقة الأحياء الشعبية بمدينة تلمسان المسماة ب«الدروب» حركة دؤوبة في فترة النهار، حيث تنتعش التجارة في تلك الأحياء بشكل منقطع النظير، لاسيما محلات بيع التوابل التي تفنن المختصون الذين يعملون فيها في عرضها بشكل يجذب الزبون، بألوان ورائحة عطرة وقوية تثير المارة. من تلمسان، مرورا بمغنية ووصولا إلى حدود الجزائر مع المغرب، تنتعش تلك التجارة التي تلقى رواجا كبيرا خصوصا في السنوات الأخيرة بعد الاهتمام الزائد بالمطبخ والتفتح على تقاليد الطبخ في مختلف دول العالم، الأمر الذي جعل اقتناء تابل بمثابة اللمسة السحرية لطبق معين. انتقلت «المساء» إلى بعض المحلات المختصة في بيع التوابل بمدينة تلمسان، وبالأخص بحي القيصرية، حيث اصطف في تلك الأزقة الضيقة تجار لبيع الأعشاب والتوابل. بداية كان لنا حديث مع الحاج عبد الله الذي أثار اهتمامنا بقوله بأن هذه التجارة جد مربحة، نظرا للإقبال الواسع عليها، خصوصا في شهر رمضان وخلال فصل الشتاء، مشيرا إلى أن المرأة اليوم أصبحت لا تستغني على التوابل لإضفائها على أطعمتها اليومية. وعن مصدر تلك التوابل، قال المتحدث إنه يشتريها من سوق الجملة بمدينة مغنية، ويقتنيها التجار بدورهم من مدينة وجدة المغربية التي خطت خطوة عظيمة في مجال صناعة التوابل، نظرا لتخصصها في هذا المجال منذ عقود من الزمن. وأكد بأن التاجر الذي ورث محله عن جده، أن سوق مغنية يشتهر ببيع التوابل، حيث يتزود يوميا بكميات كبيرة منها عن طريق تجار السوق السوداء الذين يجلبونها من المغرب. أشار المتحدث إلى أن النساء هن اللواتي ينعشن هذه السوق، بعدما أصبح التابل جزءا لا يتجزأ من الطبق، على عكس ما كانت عليه التقاليد قديما، حيث أضاف قائلا: «إن نساء ‘زمان' كن يكتفين بوضع الملح والفلفل الأسود في الأطباق مهما كان نوعها، لتعتمد أخريات على القرفة أو «السكنجبير»، وأحيانا الزعفران، إلا أنه في السنوات الأخيرة بتن يبحثن عن أنواع جديدة لتلك التوابل لإضفاء نكهات مختلفة لها، وهذا راجع عموما إلى تفتح «المطبخ» الجزائري على المطبخ العالمي. وفي وصفه لتقاليد الطبخ التلمساني، قال عبد الله بأن الطبخ في مدينة تلمسان يشبه بشكل جد كبير الطبخ المغاربي، فتأثر هذه الولاية بعادات المملكة جعلتها تتبنى الكثير من مظاهر عاداتها وتقاليدها، منها الطبخ. فمن المعروف أن المغربيات يستعملن بشكل كبير التوابل في أطباقهن، وهذا ما جعل تلك الثقافة تنتقل عبر الحدود لتصل إلى المائدة التلمسانية. وعن أهم التوابل المنتشرة والتي تلقى رواجا كبيرا، ذكر صاحب محل التوابل الكلاسيكية كرأس الحانوت، الفلفل الأسود أو ما يعرف في تلك المنطقة بالتفاوه، السكنجبير والزعفران، إلى جانب توابل أخرى أقل شعبية وهي مستمدة من حضارات أخرى، على غرار الهندية وكذا الميكسيكية، كالكاري، كركم، حب الهيل، بذور الكزبرة، بذور الخردل وغيرها، فكل تلك الأنواع تضفي مذاقا فريدا يغير بشكل كامل نوع الأكل ويحدد أحيانا انتماءه، فتلك «البودرة» كفيلة بإحداث الفرق وإضفاء اللذة على مائدتنا. ومن جهة أخرى، أكد المتحدث أن هناك تجارة أخرى تنتعش في هذا المجال، وهي مزج التوابل بدمج أنواع مختلفة منها وإعطائها تسمية تخص طبقا معينا وإدراجها بكلمة «خاص» كخاص بالمثوم، أو خاص بالحريرة، أو خاص بالسلطات، أو خاص بالمعكرونة، أو الفاصولياء أو «البوزلوف» والقائمة طويلة لمختلف الأطباق الجزائرية المشهورة، فبتلك الخلطات يساعد التاجر النساء في تحضير الطبق دون عناء البحث عن التوابل المناسبة لذلك الطبق.