كان حظّ جمهور الأوبرا «بوعلام بسايح» ليلة أوّل أمس، كبيرا، وهو يستمتع بأداء كورال أوبرا الصين المتميّز خاصة حينما قدّم الأغنية التراثية «قماري»، وكذا عزف الثنائي الألماني جيراسيماز وغناء الثلاثي التنور الإيطالي، لكنه شعر بالحزن لأنه يحضر الحفل الأخير للمهرجان الدولي الثامن للموسيقى السيمفونية الذي انطلقت فعالياته في 30 نوفمبر الماضي. اعتبر الجمهور الذي غصت به أوبرا الجزائر «بوعلام بسايح»، العلامة الفارقة التي سجّلها المهرجان الثقافي الدولي الثامن للموسيقى السيمفونية، بشهادة الجميع، انطلاقا من محافظ المهرجان الفنان عبد القادر بوعزارة الذي قال ل«المساء»، بأنّه يرفع قبعته عاليا للجمهور الذي كان في الموعد وحضر جميع السهرات المبرمجة في هذه الفعاليات، مضيفا أنّ ثقة الجمهور، أساسها العمل المضني والدؤوب للأركسترا التي لم تهن عزائمها، وواصلت مسيرتها الفنية منذ خمسة عشر سنة، مضيفا أنّ تنظيم الطبعة الثامنة للمهرجان في الأوبرا شيء رائع، خاصة أنّ هذا المعلم يعتبر تحفة فنية ومعمارية يفتخر بها جميع الجزائريين، كما أنّه من الضروري تعويد الجمهور على حضور مثل هذا الموعد العالمي بلمسة جزائرية. أمّا وزير الثقافة، فنوّه أيضا بذوق الجمهور الرفيع من خلال تفاعله بالأداء الفني العالي لمختلف المشاركين الجزائريين والأجانب خلال هذه الفعاليات، مضيفا أنّ الموسيقى السيمفونية فرضت نفسها كرقم من الأرقام المهمة في الساحة الفنية، ليؤكّد في السياق نفسه على نجاح الطبعة الثامنة. وما زاد في بريقها، احتضان الأوبرا -التي أصبحت مكتملة حتى من الناحية القانونية- لفعالياتها. كما أشار الوزير إلى تنصيب محافظ المهرجان ومدير الأوركسترا السيمفونية الوطنية، عبد القادر بوعزارة مديرا للمعهد العالي للموسيقى، حيث سيقوم مستقبلا بتعزيز الأوركسترا الوطنية، إضافة إلى إنشاء أوركسترا خاصة بالشباب، ليكشف عن تكليف دار الأوبرا والأوركسترا والمعهد بالبحث عن أصوات السوبرانو والتينور. مضيفا أنه ليس من الشرط أن يكونوا من خريجي المعاهد بل المهم أن يمتلكوا موهبة ستصقل لاحقا من طرف مختصين. كما أعلن الوزير عن احتضان الأوبرا السنة المقبلة، العديد من الحفلات تحييها فرق عالمية، في المقابل، دعا الجمهور إلى الحفاظ على قاعة الأوبرا والتقيّد بقوانينها، مشيرا إلى عدم الرغبة إطلاقا في إحضار الأطفال إلى الأوبرا، ليؤكّد من جديد على أهمية أن يتحلى الجمهور بثقافة الأوبرا. السهرة الختامية التي نشّط بدايتها الثنائي الألماني جيراسيماز، والمتكوّن من واسيلي العازف على الكمان الكبير «الفيولونسيل» وشقيقه نيكولاي، العازف على البيانو، حيث قدم الثنائي العديد من المقطوعات الموسيقية لمارتينو ومانويل دو فالا، كما قدما قطعة موسيقية نابعة من قصيدة شعرية بعنوان «أميرة». رافق الفنان الجزائري سفيان فرندي على آلة الدربوكة، الفنان واسيلي جيراسيماز، وقدما قطعة موسيقية عفوية، أكدا من خلالها على عالمية الموسيقى التي يتحدث بها الجميع مهما اختلفت ثقافتهم ولغاتهم ودياناتهم، ليكون الختام بتقديم الثنائي الألماني لمقطوعة «التانغو الكبير» لأستور بيازولا. من جهته، قدّم ثلاثي التنور الإيطالي، فلافيانو بيانشي وداريو ديفيتري وكلاوديو روتشي، رفقة عازف البيانو جيانلوكا بيانتشي، أجمل الأوبرات الإيطالية لفردي ودونيزيتي وبوتشيني وغيرهم، ليؤكدوا براعة إيطاليا في هذا الفن، بل إنها عاصمته بدون منازع. وتداول التنور الإيطالي على منصة الأوبرا بهدف إبراز قدراتهم الصوتية العالية، كما قدموا عدة مقطوعات جماعية، وأبدع العازف على البيانو مقطوعة موسيقية منفردة لجياكومو بوتشيني بعنوان «انترميزو». في المقابل، اندهش التنور الثلاثي الإيطالي من حفاوة الجمهور، حتى أنهم أصروا على إشعال الأضواء بالأوبرا والتقاط صورة مع الجمهور وهو ما حُقق لهم، حتى أن السفير الإيطالي هو من التقط الصورة وسط الفرحة العارمة للجميع. وفي هذا السياق، أكد التنور الإيطالي داريو ديفيتري ل«المساء»، أن أهمية فن الأوبرا ليس في إيطاليا فقط بل في العالم أجمع، مشيرا إلى إمكانية تقديم الثقافة الكثير للشعوب، لينتقل في حديثه إلى إعجابه بالشعب الجزائري الذي قال عنه بأنه رائع وضحوك. لم يكن بالإمكان أن تكون خاتمة المهرجان إلا صينية، كيف لا والمهرجان قدم في الأوبرا التي تعد هبة من الصين إلى الجزائر، وهكذا قدم الكورال الصيني المشكل من 17 فنانا و22 فنانة، أجمل المقاطع الموسيقية العالمية والمحلية، حتى أنه قدّم الأغنية التراثية الجزائرية «قماري» رفقة ثلاثي من المعهد العالي للموسيقى، وسط تصفيقات حارة للجمهور. قدمت الفرقة الصينية وصلات أخرى من طرف كل من التنور لي شيانغ والسوبرانو النسوي وانغ كيغشانغ وياو هونغ، مرافقين بعزف الفنانة السويسرية من أصل صيني، ميلودي جاو التي افتتحت الوصلة الصينية بعزف على البيانو من دون الاستعانة بأية ورقة. للإشارة، تحصل المشاركون في السهرة الختامية على درع المهرجان، ليفترق الجميع على موعد لقاء في الطبعة التاسعة لهذه الفعاليات التي ستخلف فيها إيطاليا، دولة فرنسا في منصب ضيف الشرف.