كثيراً ما تبقى القوانين والإجراءات المتعلقة بتحسين حياة المواطنين مجردَ حبر على الورق، ليس لكونها خالية من النصوص التنفيذية، ولا لكونها لا تجد من الموارد البشرية مَنْ يسهر على تطبيقها، ولكن بسبب الحلقة المفقودة بين القمة والقاعدة والمتمثلة في تفعيل دور "المجتمع المدني" الحاضر الغائب.. وبشهادة وزير الداخلية فإنّ خمساً وتسعين بالمائة من الجمعيات الوطنية والمحلية غائبة في الساحة، ويؤكد الواقع أن أزيد من ثمانين ألف جمعية لا تهتم إلا بتجديد وثائقها الإدارية التي تُبقي على الاسم دون الفعل، ولا يتحرك بعضها في أحسن الأحوال إلاّ عندما يريد أصحابها قضاء مآرب شخصية ضيقة.. وقد يقول قائل أن هذه الجمعيات لا تستطيع التحرك بسبب الميزانيات القليلة أو المنعدمة، إلاّ أنّّ الواقع الحقيقي يثبت أن أغلب الجمعيات سواء قبضت ميزانياتها أو لم تقبض، فهي تعلم أنّها تعمل في حرية بلا رقيب ولا حسيب، ولا يهمّها إنْ غابت وغاب دورها في حياة النّاس التي أنشئت من أجل خدمتهم وتحسيسهم وتمثيلهم في المناسبات وغير المناسبات. وها هي وزارة الداخلية التي اعترفت بالخلل، تتوقف عند هذا الحد وتكتفي بتشديد اعتماد الجمعيات، دون أن تنطلق في تطهيرها من النائمين على مصالح النّاس والمتاجرين بها والمتشبّثين بتسييرها، ولو انطلق قطار التطهير لبانت الأمور على حقيقتها، لأنّ مئات الآلاف من الجمعيات لا تجد ما تبرر به نشاطاتها من جمودها، إلاّ بالبكاء على الميزانية والمقر أو خلاف مع المصالح الإدارية، والسؤال المطروح متى يتحرك المجتمع المدني ليؤدي الدور المنوط به، ومتى تبدأ عملية التطهير حتى يتبيّن الغث من السمين؟؟.