إذا كنا نستطيع أن نتوقع ما يمكن أن يصدر عن الإنسان عند شعوره بالسعادة أو الفرح، أو عند شعوره بالحزن والألم من ردود أفعال، كأن تكون ابتسامته واضحة أو أن تكون دموعه غزيرة.... فإنه من الصعب أن نتوقع ما يمكن للشخص الغضبان أن يفعله، وفي الكثير من الأحيان قد يقف المعني بالغضب بعد أن يزول عنه ذلك الشعور، حائرا حول ما إذا كان ذلك التصرف قد صدر عنه فعلا. رغبنا في معرفة ما هي ردود الأفعال التي تصدر عن المواطن الجزائري عندما تواجهه نوبة غضب، وهل يعرف كيف يتحكم فيها أم أنه يطلق العنان لمشاعره التي لا يعرف أين يمكن أن توصله؟ فقمنا باستطلاع آراء بعض الأشخاص الذين التقيناهم في أحياء العاصمة حول الموضوع، فجاءت ردود الأفعال مختلفة، لكنها كشفت أن الأغلبية الساحقة لا تحسن التعامل مع مشاعر الغضب، التي قد تؤدي بهم إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها. من هؤلاء السيدة سامية ذات 37 سنة متزوجة وأم لأربعة أولاد، التقيناها في ساحة الشهداء، فقالت لنا تعقيبا على الموضوع "أنا لا أغضب بسهولة ولكن عندما اغضب أصب جام غضبي على أولادي إما بالصراخ عليهم من غير سبب أو من خلال ضربهم". وتعترف سامية أنها لا تعي ما تفعله عندما تنتابها نوبات الغضب، ولأنها تقف ضعيفة أمام السبب الذي يثير غضبها والذي عادة ما يكون وراءه أشخاص لا تستطيع الرد عليهم، فإن الضحية الأولى لنوبة غضبها هم أولادها. أما الآنسة نوال ذات 24 سنة من عمرها القاطنة بالرغاية، فلها طريقة خاصة جدا لتهدئة نفسها عند الغضب، فتعترف لنا قائلة "عندما اغضب لسبب أو لآخر لابد لي أن أقوم بعمل تخريبي ما... إما أمزق بعض الأوراق التي تكون أمامي أو اكسر الأواني الموجودة بالبيت أو أدخل في صراع مع الوسادة فأضربها بعصبية إلى غاية شعوري بالاسترخاء والراحة". أما الشاب مولود حبيب البالغ من العمر 30 سنة، فرد فعله عند الغضب يكون اعنف، ولم يخف عنا ذلك بقوله "أقوم بضرب من يثير غضبي مباشرة ودون أي تفكير ومهما كان السبب الذي أثار غضبي". وإذا كانت هذه السلوكات العدوانية هي ملجأ البعض من اجل إطفاء نار الغضب، فإن سليم بوحالة 36 سنة بائع ملابس بساحة الشهداء يعالج نوبات غضبه طريقة مختلفة، حيث يقول انه عندما يغضب يقفل محله أو يخرج من منزله ويأخذ معه عتاد الصيد ويتوجه مباشرة إلى البحر للاصطياد. ويمكث سليم في البحر ثلاث أو أربع ساعات ممتعا نظره بالبحر، الذي يقول ان له قدرة كبيرة على امتصاص الغضب. وينبه محدثنا إلى فكرة يراها هامة وهي أن الأهل لم يربوا الأبناء حول الطريقة السليمة التي ينبغي الاعتماد عليها لمواجهة الغضب، والتي تعتمد اساسا على التعوذ من الشيطان والوضوء والصلاة، ومادامت هذه الأساسيات غير موجودة، فإن كل واحد يبتكر لنفسه طريقة يواجه بها غضبه كالبكاء مثلا، يضيف سليم. وإذا كان سليم يفضل البحر للتنفيس عن غضبه فإن "آمال. ص" موظفة، تقول أنها بمجرد أن تشعر بالغضب تتوجه مباشرة إلى الفراش للنوم حتى وان لم يكن الوقت مناسبا لذلك.. مشيرة إلى أن هذا الأخير يساعدها على التخلص من الغضب، بل ويجعلها تنسى السبب الذي أثار غضبها. أما رابح بن علي وهو بائع أحذية، فيؤكد انه يلجأ إلى التزام الصمت عند الشعور بالغضب وذلك لتجنب الأسوأ، ولأنه لا يعرف ما يمكن أن يقوم به من رد فعل. وتكشف الآنسة منى، محامية التقينا بها في محكمة سيدي امحمد، أن معظم جرائم القتل التي تحدث في مجتمعنا وعند غياب ركن الإصرار والترصد، تكيف على أن الدافع وراء ارتكابها هو الغضب الذي يعمي بصيرة الشخص ويدفع به إلى ارتكاب الجريمة، فيجد نفسه وراء القضبان الحديدية نادما وآسفا لأنه لم يتوقع أن الغضب قد يدفعه إلى ارتكاب جريمة. وتقدم الآنسة منى بعض العينات عن قضايا ادخل فيها شباب إلى السجن، حيث امضوا مدة طويلة بسبب ارتكابهم لأفعال كان الدافع وراء ارتكابها حالة من الغضب فقط.. من بينها قضية تم الفصل فيها مؤخرا قام فيها شاب غاضب قتل جاره باستعمال السلاح الأبيض - سكين - لان الجار شتم أباه. فالشاب لم تكن لديه نية القتل، لذا تم تكييف الجريمة على أنها قتل خطأ كان الدافع وراءها الشعور بالغضب. وفي قضية أخرى توفي شاب في مقتبل العمر لأن،ه وجد يتحدث مع فتاة هي أخت الجاني. وتنبه المحامية إلى حقيقة مفادها أن اغلب الجزائريين أصبحوا يحملون الأسلحة البيضاء معهم، وهذا ما أدى إلى توسع دائرة الجريمة بدافع الغضب الذي لا نحسن التحكم فيه. غياب الحوار في الأسرة يزيد من حدة الغضب
و ترى الأستاذة "ساجية بن تونس" أستاذة علم النفس في جامعة بوزريعة، أن الغضب ما هو إلا انفعال طبيعي إذا لجأ إليه الإنسان في الإطار الطبيعي، فقد يغضب الشخص مثلا إذا تم المساس بعرضه، وفي حال عدم شعوره بالغضب في هذه الحالة فهذا يعني أن رده السلبي ليس بالأمر الطبيعي.. ولكن هذا لا يعني اللجوء إلى الغضب المبالغ فيه، لأنه في هذه الحالة يتحول إلى حالة مرضية ويصبح الشخص غير قادر على التحكم في انفعالاته، بل ولا يعرف ما يمكن أن يقوم به من تصرف عدواني يطفئ به نار غضبه.. لذا تضيف الأستاذة ينبغي على الشخص أن يحسن التحكم في غضبه بناء على الموقف الذي يصادفه، ومن جهة أخرى لا بد على الشخص أن لا يلجأ إلى السكوت أو كبت الغضب لكي يتجنب لحظة الانفجار التي لا تحمد نتائجها. وفي هذا الإطار، تشبه الأستاذة الغضب كالكيس الذي يمتلئ شيئا فشيئا، حيث ينبغي إفراغه بصورة تدريجية حتى لا تؤدي التراكمات إلى انفجاره. وتفسر المتحدثة اختلاف طرق التعبير عن الغضب من شخص إلى آخر بغياب الطريقة الصحيحة والصحية للتعبير عن الغضب. وتضيف أنه ينبغي على الأولياء التدخل لمساعدة أولادهم في مرحلة الطفولة، عندما تظهر على تصرفاتهم بعض السلوكيات العدوانية الناتجة عن الغضب كتحطيم اللعب أو ضربها، من اجل تعليمهم الطريقة الصحيحة للتنفيس عن الغضب، من خلال الاعتماد على لغة الحوار والمناقشة، وذلك بغض النظر عن الشيء الذي أثار غضبهم أو من خلال البحث عن طرق علاجية للتكفل به نفسيا إن عجزوا عن القيام بالمهمة بأنفسهم. من جهة أخرى، تكشف المتحدثة انه لو عدنا إلى ديننا لوجدنا فيه الطريقة السليمة لمواجهة نوبات الغضب، وتستند إلى بعض الأحاديث الدينية منها قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وقوله (صلى الله عليه وسلم) "لا تغضب ولك الجنة". الغضب قد يؤدي إلى الوفاة وإذا كان الغضب شعورا طبيعيا، بل وعادة ما يكون شعورا صحيا إذا خضع لمعايير معينة (أي أن يكون في إطاره الطبيعي)، لأنه يتعلق بالعاطفة البشرية، إلا انه إذا تجاوز تلك المعايير يتحول إلى إعصار مدمر يؤدي إلى إيقاظ بعض الأمراض الهادئة في الجسم، بل قد يؤدي إلى الوفاة.. وفي هذا الصدد تقول "سميرة . ب" طبيبة في طور التربص بقسم أمراض القلب بمستشفى مصطفى باشا الجامعة، بأن الغضب ينبغي أن يكون صحيا ويقصد به إخراج المشاعر الثائرة بطريقة غير مبالغ فيها لتجنب التعرض للضغط، لأن في كتم الغضب أو التصريح به بشكل عدواني أثار تنعكس على الصحة منها مثلا ارتفاع ضغط الدم، قصور في التنفس، الزيادة في دقات القلب... وتضيف أن المقصود بأن الغضب يوقظ المرض" أي أن الشخص يكون مصابا بمرض ما كارتفاع في ضغط الدم أو القرحة المعدية، ولكنه لا يشعر بالألم وحالته مستقرة، فيؤدي الغضب إلى إيقاظ هذه الأمراض.. ففي حال القرحة المعدية مثلا يؤدي الغضب إلى الإكثار من إفراز حمض المعدة، وهو ما يؤدي إلى شعور المريض بآلام حادة، وفي حالة الإصابة بارتفاع ضغط الدم يتسبب الغضب في حدوث نوبات ضغط تؤدي إلى إحداث حالة نزيف في المخ وبالتالي الوفاة.. أما بالنسبة لمرضى الصرع فيعد الغضب احد أهم العوامل التي تؤدي إلى حدوثه، لان الغضب يضغط على الأعصاب، وكل هذا مرجعه سوء التعامل مع الغضب و المبالغة في التعبير عنه".