ظهر في السنوات الأخيرة اتجاه جديد سلكه المستهلك الجزائري، مرتبط بتناوله منتجات قرب انتهاء تاريخ صلاحيتها أو انتهت صلاحيتها قبل أيام قليلة، اتجاه اغتنمه بعض التجار، وباتوا يجوبون محلات بيع الجملة أو المساحات الكبرى لاقتناء تلك السلع وإعادة عرضها على المستهلك بسعر أقل، يسمح له باقتناء ذلك المنتج الذي قد يتعذر عليه اقتناؤه بسبب سعره المرتفع خلال الأيام الأخرى. «انخفاض القدرة الشرائية للمواطن» جملة تصدرت عناوين العديد من المقالات الصحفية، التي بينت مدى معاناة المواطن أمام ارتفاع مصاريفه اليومية مقارنة بمدخوله الشهري. واقع خلق مفاهيم جديدة تضرب مخاوف البعض على صحتهم عرض الحائط، منتجات استهلاكية منتهية الصلاحية تدخل المطابخ الجزائرية ويتناولها المواطن؛ فهل هي لا تشكل خطرا على صحته؟ سؤال حاولت «المساء» الإجابة عنه باقترابها من خبراء مختصين. سلوك استهلاكي تبناه الفرد الجزائري الذي أصبح يبحث عن تلك الفرص لاقتناء سلع بسعر أقل من أسعارها الأصلية، إذ تمس تلك العملية مختلف المنتجات الاستهلاكية؛ من مشروبات، حلويات، شوكولاطة، زيت زيتون، خل، مواد استهلاكية معلّبة، بودرة المنتجات المحضرة كالبطاطس المهروسة والشوربة، إلى جانب منتجات أكثر حساسية كالمايونيز، الجبن، الياغورت، الحليب وغيرها، فكيف يمكن منع المستهلك من اقتناء منتجات قد ينخفض سعرها ب 70 بالمائة مما كانت عليه سابقا؟..سياسة تمس غالبا المنتجات الاستهلاكية المستورَدة، والتي تعرف ارتفاع أسعارها الأصلية، ما يجعل الفرد يحبّذ تجربتها، إلا أن أسعارها العالية قد تمنعه. لكن الأسئلة التي تعود في كل مرة: هل تلك المنتجات غير مضرة بالمستهلك؟ وما هي المعايير التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار وعلى محمل الجد، حتى لا تتحول تلك المواد إلى سموم يقتنيها الفرد ويضعها في صحنه؟ مفهوم استهلاكي أدرجه البعض في روتينهم اليومي للتخفيض من تكاليف استهلاكهم، حيث لجأوا إلى هذه الطريقة كوسيلة لتدخير بعض الدنانير. منذ سنوات تبّنت هذه الفكرة أو السياسة العديد من المحلات في أكبر المدن المتطورة من العالم، حيث اختصت بعض المساحات الكبرى في تلك الاستراتيجية، وخصّصت محلاتها لعرض منتجات منتهية الصلاحية. سياسة جذبت أكثر فأكثر المستهلك، الذي أصبح يجد ضالته وسط رفوف المحل بأسعار في متناول الجميع.لم تبق محلات في الجزائر بمنأى عن هذه الاستراتيجية، حيث تخصصت بعضها في عرض سلع منتهية الصلاحية، فهناك محلات، مثلا، بباب الزوار، بلوزداد وأيضا بحي الشراقة، والقائمة طويلة، إلا أن الفرق يكمن في أنه إلى جانب تلك السلع منتهية الصلاحية يعرض أصحاب تلك المحلات بضاعة أخرى جديدة، غير أن التهافت يكون كبيرا على «منتهي الصلاحية» بسبب أسعاره المغرية، لكن هل للجزائري ثقافة معرفة كيف يقتني تلك الأغذية؟ في هذا الإطار، أوضحت الدكتورة حياة بركاني المختصة في أمراض الجهاز الهضمي، أن تلك المنتجات تشهد استهلاكا واسعا من مختلف شرائح المجتمع ولا يمكن حصرها في شريحة، مثلا، لا تفقه في الثقافة الاستهلاكية، إلا أن ما يمكن أن تنصح به المستهلك هو احترام تاريخ انتهاء الصلاحية، خاصة بالنسبة للمنتجات الحساسة كمشتقات الحليب، وتفادي مطلقا المواد التي يكون فيها التاريخ غير واضح؛ لأن في هذه الحال قد يكون البائع تلاعب به، وهذا يعني أن المادة قد أُتلفت وانتهت مدة صلاحيتها منذ فترة. وأوضحت من جهة أخرى، أن بعض المنتجات يمكن أن تُستهلك في فترة قصيرة جدا بعد انتهاء صلاحيتها؛ كالمواد المملحة والتي تحتوي على السكر، أو المخللة؛ فهذه المواد الثلاث تعمل على حفظ المنتج من التلف، إلى جانب أن المنتجين عادة ما يتركون هامشا في تاريخ انتهاء الصلاحية، شرط أن تكون تلك المنتجات تم احترام شروط حفظها وتخزينها. ففي بعض الأحيان يظهر التاريخ صالحا إلا أن المنتج تلف بسبب، مثلا، عدم احترام سلسلة التبريد. السؤال عن استهلاكها أثار الاستغراب .... الغلاء يغيّب الأسماك عن المائدة الجزائرية أدى الارتفاع الكبير في أسعار الأسماك بأسواق بومرداس إلى تراجع استهلاك هذا النوع من اللحوم، فقد أصبح السردين بعيدا عن متناول العائلات ذات الدخل المحدود بعد أن وصل سعره إلى 800 دج بالرغم من وجود ثلاثة موانئ وأسطول بحري بأكثر من 500 وحدة صيد وآلاف الصيادين. أما أسعار الأنواع الأخرى من الأسماك فقد تخطت كل معقول؛ ما جعل السؤال عن استهلاك الأسماك يثير الاستغراب! حنان. س سألت «المساء» بعض مواطني ولاية بومرداس عن استهلاكهم الأسماك المعروف عنها منافعها الصحية، فأثار السؤال استغراب البعض، وضحك آخرون؛ حيث إن الأسعار الجنونية جعلت تغييب السردين الذي كان لوقت قريب أرخس أنواع الأسماك، يكون تلقائيا بعد أن فُرض عليه حظر التجوال على الموائد. أما الروجي والميرلان والدوراد والتونة وغيرها من أنواع السمك، فقد «دخلت المتحف»، حسبما يشير إليه مواطن سألناه إن كان يدرك المنافع الغذائية والصحية للأسماك، ملفتا إلى كون خيرات البحر كلها مفيدة ولكنه نسي آخر مرة اقتنى فيها كيلوغراما من السردين بعد أن تجاوز سعره سقف 500 دينار. وأضاف: «أما اليوم ب 800 دينار فيستحيل اقتناؤه؛ إذ كيلوغرام واحد لا يكفي أسرة من ستة أفراد، فكيف إذن باقتناء كيلوغرامين ب 1600 دينار؟!». من جهته، أفاد مواطن آخر بأن اقتناء السمك لشيّه أو قليه في وجبات الغداء أو العشاء، «بات حلما بعيد المنال.. غالي بزاف؛ إذ بات السردين ب 800 دينار! فكيف الشأن بالنسبة للأنواع الأخرى؟!.. الجمبري كان دائما بعيدا عن موائدنا، واليوم الدور بات على جميع أنواع الأسماك الأخرى!». طرحنا نفس السؤال على مواطن آخر، فقال من جهته: «لا آكل الأسماك، ولا تأكلينه أنت، السبب واضح؛ الغلاء غير المعقول». وأردف: «لما فاق سعر الكيلوغرام الواحد من السردين سعر كلغ من الدجاج فضّلنا الدجاج بالرغم من أنه لا مقارنة بين الاثنين في المنافع، فاقتناء دجاجة بسعر 900 دينار لأسرة في المتوسط من خمسة أفراد، أحسن من كلغ واحد سردين ب 800 دينار ولا يكفي! هذا مع الإشارة إلى سعر الكيلوغرام الواحد من القاروس 1200 دج، الميرلان والإسبادون ب 1400 دج، والروجي والحبار ب1500 دج، ووصل الجمبري إلى حدود 2500 دج! في السياق، قال أحمد شيلي مفتش رئيس في قمع الغش بمديرية التجارة، إن غلاء المنتوجات الصيدية غيّبها عن التغذية اليومية للجزائريين حتى لو جاء التطور في الصناعات الغذائية بالأسماك المجمّدة، ولكنها لا تُعتبر بديلا بأي شكل من الأشكال عن القيمة الغذائية للسمك الطازج؛ لأن التأثير الكيميائي للتجميد على السمك يفقده قيمته الغذائية كثيرا، متأسفا عن تراجع استهلاك الأسماك لدى الأسرة الجزائرية، ويعلّق: «أعتقد أن مجتمعنا عاش الأمور عكسيا، فسنوات السبعينات والثمانينات لم يكن الوعي بالتغذية الصحية ملحوظا مثلما هي الحال اليوم بفضل الإعلام وحملات التوعية والتحسيس، رغم ذلك كانت الأسرة تأكل الأسماك أو على الأقل السردين، وزيت الزيتون والعجائن والخضر والفواكه في موسمها رغم محدودية الدخل. واليوم مع تحسّن المعيشة وازدياد الوعي الصحي غابت المنتوجات الموسمية والسمك عن موائدنا، وتركت المكان للوجبات السريعة والمشروبات الغازية والمعلّبات والخضر غير الموسمية التي لا رائحة ولا طعم لها.. أما الأسماك فحتى مناسباتيّا تبقى بعيدة المنال».