يحيي الجزائريون غدا ذكرى 24 فيفري 1971، تاريخ قررت فيه الدولة تأميم أهم مورد طبيعي في البلاد ورئة اقتصادها وهو النفط، لتستكمل بذلك استقلالها الوطني من الاستعمار الفرنسي.. اليوم، وبعد 46 سنة عن تأميم المحروقات، تتعالى أصوات تطالب بتأميم الطاقات المتجددة التي فرضت نفسها في السنوات الأخيرة كمورد استراتيجي وحل بديل للمحروقات التي دق المراقبون بخصوصها ناقوس الخطر بعدما أثبتوا قرب نضوبها وانتهاء الخزانات العالمية منها، مؤكدين على ضرورة دراسة كل الخيارات المحتملة نحو طاقات بديلة أطول عمرا وأقل ضررا بالبيئة وأأمن من الطاقة النووية.. مراد الواضح رئيس لجنة الطاقات المتجددة بمنتدى رؤساء المؤسسات، استغل هذه الذكرى لدعوة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى تأميم الطاقات المتجددة لحماية الأجيال القادة، وهو القادر على ذلك ونشوة تأميم المحروقات لازالت تسير في عروقه ..المتحدث الذي أعد تقريرا مفصلا عن واقع الطاقات المتجددة سيسلمه قريبا للمسؤولين في بلادنا، أشار إلى لوبيات تسعي إلى عرقله الملف على حساب ما تبقى من الغاز والبترول، كما اتهم مسؤولين بالتماطل في تجسيد برنامج الرئيس. فتح المختص في ملف الطاقات المتجددة وعضو منتدى رؤساء المؤسسات السيد مراد الواضح النار على عدد من المسؤولين في مواقع مختلفة، اتهمهم بالتماطل في تجسيد برنامج رئيس الجمهورية الخاص بالطاقات المتجددة. قال واضح ل«المساء» عشية الاحتفال بذكرى تأميم المحروقات إن الاحتفال بهذا التاريخ غدا يكون من باب تذكير الأجيال بما حمله من متغيرات ساعدت الدولة الجزائرية على استغلال هذه الثروة بما يسمح بالاستجابة لمتطلبات الشرائح الواسعة من المجتمع. برنامج الطاقات المتجددة: بين التجسيد وضرورة التأميم اليوم يشهد العالم متغيرات عدة انعكست على هذا المورد الذي ظل لسنوات السند القوي للاقتصاد الجزائري والمجتمع .. غير أن الجزائر حباها الله بموارد طبيعية عدة يجب استغلالها بما يخدم الأجيال القادمة، بل وتأميمها حتى لا تكون مستباحة للأجانب المهتمين بتطوير البرنامج الذي يجب أن تقحم فيه الخبرات والكفاءات الوطنية القادرة يقول - على التكفل به بما يخدم المصلحة العليا للبلاد وتأمينها من أي تهديد، خاصة وأن الجزائر تعد من بين أبرز الدول المرشّحة من قبل خبراء الطاقة في العالم للعب دور رئيسي ومهّم في معادلة الطاقة نظرا لامتلاكها مصادر طبيعية هائلة في مجال إنتاج الطاقات البديلة لمصادر الطاقة الاحفورية السائرة في طريق الانقراض. وتتوفّر الجزائر على إمكانيات طبيعية هائلة في هذا المجال، بامتلاكها لأحد أكبر مصادر الطاقة الشمسية في العالم، وتعتزم الاستثمار بكثافة في محطات الطاقة الشمسية، خاصة وأنّها تتمتع بإمكانيات هائلة لإنتاج وتصدير هذه الطاقة باعتبار تلقيها نور الشمس الساطعة لأكثر من 3000 ساعة سنويا. وحسب المعطيات، تقدّر مساحة الجزائر بأكثر من 2.3 مليون كيلومتر مربع، تمثّل الصحراء منها نسبة ال 80%، وما نسبته 20% من مساحة الصحراء الإفريقية مجتمعة. وهي تشكّل ميزة هامة للبلاد، حيث جعلتها تتوفر على مخزون هائل من الطاقة الشمسية، يعتبر من أعلى الاحتياطات في العالم. بالإضافة إلى هذه الطاقة، تتوفّر البلاد أيضاً على احتياطي ضخم من اليورانيوم يصل إلى 29 ألف طن، ما يغطي حاجاتها من الطاقة لمدة 60 عاماً.فكرة «التاميم»، تأتي من منطلق الأهمية التي تحظى بها السوق الجزائرية وخصوبتها التي أدخلت بلدان أوروبية عديدة في سباق لنيل فرص شراكة مع الجزائر في مجال تطوير واستثمار الطاقات المتجددة، إذ أبرمت الجزائر العديد من عقود الشراكة مع الجانب الأوروبي، من بينها مذكّرة تفاهم مع الجانب الألماني حول الطاقة المتجدّدة وحماية البيئة، بالإضافة إلى مشروع بناء محطّة الطاقة الهجينة مع شركة «أبينير الإسبانية»، إضافة إلى عقد الشراكة الجزائري الألماني القاضي بإنشاء وحدة إنتاجية بالرويبة لإنتاج الصفائح الشمسية ومذكرة تفاهم أخرى بين سونلغاز ومفوضية الاتحاد الأوروبي بهدف تعزيز مبادلات الخبرات التقنية ودراسة سبل ووسائل اقتحام الأسواق الخارجية والترقية المشتركة لتطوير الطاقات المتجددة في الجزائر وفي الخارج. برنامج الرئيس: خطوة إلى الأمام تحتاج إلى دفع في التجسيد عبّر السيد مراد الواضح عن غضبه جراء التماطل الكبير الذي يعرفه تجسيد البرنامج الوطني للطاقات المتجددة الذي صادق عليه مجلس الوزراء في فيفري 2011 والمتضمن الإدخال التدريجي للطاقات البديلة لاسيما الشمسية بفرعيها(الحرارية والضوئية الفولطية) في إنتاج الكهرباء خلال العشرين سنة المقبلة حيث كان من المنتظر أن يبلغ إنتاج الكهرباء انطلاقا من مختلف الطاقات المتجددة التي تنوي الجزائر تطويرها خلال الفترة 2011-2030 نحو 22.000 ميغاواط في أفق 2030، أي ما يعادل 40 بالمائة من إنتاج الكهرباء الإجمالي، والتوجه بعدها إلى تصدير 10.000 ميغاواط من 22.000 ميغاواط تم برمجتها خلال العقدين المقبلين، في حين توجه 12.000 ميغاواط لتلبية الطلب الوطني على الكهرباء. غير أن الواقع الميداني سلبي تماما حسب السيد مراد الواضح، الذي أكد أنه وبعد مرور ست سنوات على التزام رئيس الجمهورية الذي وضع برنامج الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي والنجاعة الطاقوية كأولوية وطنية، لم نر لحد الآن أي شيء في الميدان؟!. لقد تأخر تجسيد هذا البرنامج الوطني الطموح نتيجة البيروقراطية والتردد. المتحدث عاد إلى التاريخ ليذكرنا بالطاقة الجزائرية التي كانت في يد الفرنسيين بنسبة 100 بالمائة وجاء بومدين في 24 فيفري عام 1971 وأمم المحروقات الجزائرية. وبفضل هذا الإجراء، أممت العديد من الدول طاقاتها وهي ما يترجم قوة القرار الذي حمل أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية. اليوم يعود الفضل لبومدين في سيطرتنا على 100 ٪ من مواردنا وهو الذي دخل التاريخ بقرار التأميم. نحن واثقون في الرئيس بوتفليقة سيتخذ قرار تأميم الطاقات المتجددة ولديه الإرادة المثالية لذلك بدليل الالتزام الذي أعلن عنه في 22 فيفري 2016 خلال اجتماع وزاري. منذ تأميم المحروقات، بدأت الجهود الأولى لاستغلال الطاقة الشمسية في الجزائر مع إنشاء محافظة الطاقات الجديدة في الثمانينات واعتماد مخطط الجنوب سنة 1988، مع تجهيز المدن الكبرى بتجهيزات لتطوير الطاقة الشمسية، وإنجاز محطة ملوكة بأدرار بقوة 100 كيلواط لتزويد 1000 نسمة في 20 قرية، كما تم توسيع نطاق نشاط مركز بوزريعة وإنشاء وحدة لإنتاج الخلايا الشمسية ووحدة لتطوير تقنية السيليسيوم بهذا المركز الذي كان يحوي أحد أكبر أفران الطاقة الشمسية. رغم الترسانة القانونية المعتمدة ما بين 1999 و2001 يقول المتحدث - لا يزال نصيب الطاقة الشمسية محدودا جدا بالجزائر فهي غير مستخدمة بالشكل المطلوب، وإن كانت الجزائر قد اعتمدت قانونا خاصا بالطاقات المتجددة مع تحديد هدف الوصول إلى نسبة 5% خلال سنة 2012 و10% بحلول سنة 2020. ويهدف تطوير الطاقات المتجددة في الجزائر إلى تقديم الخدمات الطاقوية للمناطق المعزولة والبعيدة عن شبكات توزيع الطاقة، ويتمثل الهدف الآخر في المساهمة بإبقاء احتياطات المحروقات واستغلال حقول موارد طاقوية مجددة لاسيما الشمسية منها. حسب الدراسات المتخصصة، تتلقى الجزائر ما بين 2000 و3900 ساعة من الشمس ومتوسط 5 كيلوواط في الساعة من الطاقة على مساحة 1م2 على كامل التراب الجزائري، أي أن القوة تصل إلى 1700 كيلوواط/م2 في السنة في الشمال و2263 كيلوواط/م2 سنويا في الجنوب، لكن هذه الطاقة غير مستغلة بالشكل المطلوب باستثناء مشاريع إنجاز حديقة هوائية سنة 2002 بطاقة 10 ميغاوات في منطقة تندوف بالتعاون بين شركة NEAL وسوناطراك وسونلغاز ومجموعة سيم، واستعمال الطاقة الشمسية في الإنارة الريفية بمنطقة اسكرام التابعة لولاية تمنراست الجنوبية، بما يكفل توصيل الكهرباء إلى 1500 حتى 2000 منزل ريفي سنويا. بالاضافة إلى إنجاز أول محطة هجينة لتوليد الكهرباء العاملة بالغاز والطاقة الشمسية بمنطقة تيلغمت على بعد 25 كلم شمال حاسي الرمل، وهي بذلك تمثل أكبر حقل غازي في إفريقيا هي مرشحة لأن تكون مصدرا طاقويا بديلا ونظيفا وتتربع على مساحة 64 هكتارا، حيث يوجد بها 224 جامعا للطاقة الشمسية يبلغ طول كل واحد منها 150 مترا. بالاضافة إلى محطتين أخريين بالمغير بولاية الوادي بشرق البلاد ومحطة النعامة بولاية البيض بغرب البلاد. وفي الفترة الممتدة بين 2016-2020، سيتم إنجاز أربع محطات أخرى بطاقة 300 ميغاواط لكل واحدة منها مع طاقة إضافية تقدر بِ 1200 ميغاواط. وهناك برنامج يمتد إلى غاية 2030، بطاقة 600 ميغاواط/ سنويا ابتداء من 2013 والذي لم يتحقق منه سوى القليل جدا. لوبيات الغاز والبترول تعرقل مشاريع الطاقات المتجددة مراد الواضح، تحدث عن لوبيات غاز وبترول تعمل على عرقلة كل الجهود الرامية إلى تعميم استعمال الطاقات المتجددة وتجسيد المشاريع المتعلقة بها.. مشيرا إلى مسؤولين تداولوا على قطاع الطاقة وفشلوا في تسريع عملية تجسيد برنامج الرئيس. ولم يفهم المتحدث ما إذا كان الأمر يتعلق بخوف المعنيين من البرنامج لأنهم ليسوا متخصصين في المجال أو لتجنبهم المخاطرة؟ لكنه انتقد تصريحات وزير القطاع الحالي الذي قال إن الكيلواط الساعي المنتج من الطاقة الشمسية أغلى من الغاز، مشيرا إلى أن هذه التصريحات خاطئة. كان يفترض كما قال إشراك الخبراء، مشيرا إلى أنه في كل مرة يحضر دفتر شروط في سرية عوض فتح ندوات وموائد يشرك فيها الخبراء والمختصون ..وعليه طالب السيد الواضح «يجب إخراج ملف الطاقات المتجددة من وزارة الطاقة ونقلها إلى مستوى آخر سواء على مستوى الحكومة أو الرئاسة، مع ضرورة تشكيل لجنة قوية ومستقلة وتمكينها من كل إمكانيات القرار ولدينا من الرجال من يمكنهم قيادة البرنامج بنجاح.. فقط يجب أن نعطيهم الثقة سواء المقيمين داخل الوطن أو خارجه». بخصوص برنامج 4000 ميغاواط، اعتبر المتحدث أنه من الخطأ الفادح إطلاق البرنامج في مناقصة واحدة، كما أنه من الخطأ إطلاق برنامج إنتاج الكهرباء والألواح ولواحقها في آن واحد على اعتبار أن من ينجح في الفوز بالمناقصة، فإنه سيجلب التكنولوجيا لنفسه ويجلب معه مهندسيه، في حين إذا أطلقنا عددا من المناقصات في آن واحد بطاقة لا تتعدى 500 إلى 1000 ميغاواط عن المناقصة الواحدة، وهو ما يعطينا حوالي 8 مناقصات و8 منافسين، فإنهم في هذه الحالة سيضطرون إلى استدعاء الخبرة الجزائرية كما أنه يضيف - لا يجب على الحكومة أن تدخل في منافسة في السوق، مذكرا بمصنع الرويبة لصناعة الألواح الشمسية الذي فشل رغم الشريك الألماني. في السياق، أشار إلى التحضيرات الجارية لإعداد دفتر الشروط الخاصة بإطلاق 4000 ميغاواط، مشيرا إلى أن العملية مستحيلة على اعتبار أنه سيتم تعليق مصير الجزائر وأمنها الطاقوي في عملية واحدة .. وفي حال فشل إطلاق ال4000 ميغاواط، فكأننا لم نقم بشئ، مشبها الوضع بالانتقال الذي عرفته الجزائر من سياسة الاقتصاد الموجه الاشتراكي إلى سوق مفتوح ليبرالي، حيث أن القوانين والممارسات وحتى العقليات لم تتبع عملية الانتقال والدليل ما نعيشه حاليا إذ أن نداءات المنافسة الوطنية والدولية تقابلها سياسة الدعم التي لا تتماشى والسوق المفتوح. انطلاقا من الموقع القوي للجزائر، يجب على بلادنا يقول المتحدث - أن تحتفظ بمساحة بينها وبين برامج الاستغلال المباشر للمناطق الصحراوية دون الحصول على تكنولوجيات الاستغلال والتحويل، وعلى الدولة أن تشدد على بعض النقاط الاستراتيجية خلال مفاوضاتها ولقاءاتها مع المستثمرين كضرورة الانتقال من رؤية إمكانية استغلال وتسويق الكهرباء الشمسية من صحراء الجزائر نحو أوروبا إلى شراكة حقيقية تعنى أيضا بنقل تكنولوجيا صناعة الصفائح الشمسية بالبلاد وتشغيل اليد العاملة المؤهلة بالداخل، وبالتالي التحول من نقطة شراكة التسويق إلى أخرى تضمن معادلة رابح رابح من خلال استغلال طاقة نظيفة وخلق ثروة مستدامة.