رمت التشكيلات السياسية بأثقالها في التنافس الانتخابي بالجزائر العاصمة التي تعتبر الواجهة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فضلا عن حيازتها لأكبر عدد من المقاعد في المجلس الشعبي الوطني والمقدر ب37 مقعدا. منها من اختار الرهان على المتعودين لخوض هذه المعرك من برلمانييه المتمرسين، ومنهم من اختار وجوها جديدة، أملا في توجه الناخبين نحو خيار «التغيير». فيما عمدت قيادات حزبية إلى التقدم بنفسها لقيادة قائمتها الحزبية. وأسفرت مرحلة إيداع القوائم عن تشكيلة متباينة من رواد القوائم، أبرزهم وزيران سابقان وإعلاميان وقياديان لحزبين سياسيين، يستعدان لمرحلة الإقناع والتبارز بالخطابات والبرامج خلال الحملة الانتخابية التي ستنطلق بعد أقل من شهر.. حملة يريدها الجميع هادئة وخالية من التجريح و «التهريج» والتركيز على ما يخدم المواطنين والوطن. تراهن أحزاب سياسية للظفر بمعركة الجزائر الانتخابية على أسماء قيادييها وإطاراتها التي اعتادت دخول هذا التنافس في نفس الموقع بعاصمة البلاد، على غرار حزب العمال الذي رشح أمينته العامة لويزة حنون التي تخوض غمار التشريعيات للمرة الخامسة على التوالي، إيمانا منه بقدرات زعيمته على حصد عدد معتبر من الأصوات، وبصيتها المذاع في أوساط الناخبين وعموم الجزائريين، الذين يعرفون فولاذية هذه المرأة وثباتها على مواقفها ومكانتها في الحزب، والتي لم تفلح الزوابع التي أثيرت بداخله من زعزعة ثقة المناضلين فيها. من جهته، جدد التجمع الوطني الديمقراطي ثقته في ناطقه الرسمي ورئيس مكتبه الولائي للعاصمة شيهاب صديق، من منطلق المثل الرياضي القائل «لا نغير الفريق الذي يربح»، وهي القاعدة التي اعتمدها الحزب في اختيار فرسانه للعاصمة، لما لها (هذه المقاطعة الانتخابية) من أهمية ورمزية في العملية الانتخابية ككل، ولذلك يراهن «الأرندي» على المعتادين من إطاراته ومناضليه على خوض غمار التنافس الانتخابي التشريعي، رغبة منه في تأكيد نتائجه السابقة ولما لا تعزيزها. الحزب العتيد الذي صنع المفاجأة بتعيينه لأسماء كانت قد أبعدت من الساحة السياسية في عهد أمينه العام السابق عمار سعداني، يراهن على هؤلاء العائدين إلى الأضواء، لكسب رهان الانتخابات في العاصمة. وبرأي المتتبعين للشأن السياسي، فإن الأسماء التي أعيد لها الاعتبار بترشيحها في قائمة الحزب بالعاصمة، وهم متصدر القائمة سيد أحمد فروخي وزير الفلاحة السابق، السيدة نادية لعبيدي وزيرة الثقافة السابقة، وطاهر خاوة الوزير السابق للعلاقات بين الحكومة والبرلمان - ثلاثتهم تم إبعادهم في عهد الأمين العام السابق عمار سعداني - قادرون على رفع التحدي واستقطاب أصوات الناخبين في التشريعيات القادمة، كونهم ثلاثة أوزان سياسية تحظى بسمعة وشعبية في محيطهم السياسي وفي أوساط المواطنين، مثلما يحظى كل منهم بتعاطف المتابعين لمشوارهم السياسي ولطريقة إبعادهم عن الأضواء. فروخي الذي أحدثت تنحيته من الطاقم الحكومي في جويلية الماضي، صدمة في أوساط الكثير من مهني قطاع الفلاحة والصيد البحري وكذا لدى بعض المواطنين الذين رأوا فيه المسؤول الذي استطاع تنشيط القطاع، يعتبر برأي المتابعين الأنسب لقيادة قائمة العاصمة في ظل طبيعة ونوعية المنافسين من الأحزاب الأخرى، فيما كسبت وزيرة الثقافة ود الكثير من مهنيي قطاعها بعد الزوبعة الإعلامية التي أثيرت حولها في خلافها مع الأمينة العامة لحزب العمال، ومقاطعتها غير المبررة من قبل وزيرة الثقافة الأسبق خليدة تومي، التي رفضت تسلم باقة ورد بمناسبة تكريمها من قبل الوزيرة السابقة لعبيدي. الطاهر خاوة، فقد عرف عليه الكثير من مناضلي الأفلان، امتيازه عن غيره من إطارات الحزب وبرلمانييه في مواجهة الأمين العام السابق عمار سعداني ومخالفته لتعليماته، ما أدى في النهاية إلى عزله داخل الحزب، قبل تنحيته من الحكومة. الحركة الشعبية الجزائرية، التي تخوض منافسة التشريعيات لأول مرة، اختارت وجها إعلاميا شابا، ممثلا في شقيق رئيس الحركة إيدير بن يونس مدير جريدة «لاديباش دو كابيلي»، لدخول حلبة التشريعيات بالعاصمة، وبغض النظر عن قرابته لرئيس الحركة، فإن إيدير الذي يستمد شرعيته كاملة في كونه من المؤسسين للحركة ومناضليها النشطين، فضلا عن كونه ابن شهيد، فهو يحظى بشعبية واسعة وباحترام كبير في محيطه المهني. إلى جانب مدير «لاديباش دو كابيلي»، الذي تضم قائمته بالعاصمة إعلاميا آخر هو الصحفي السابق في التلفزيون الجزائري وفي التلفزيون الخاص «دزاير نيوز» جمال معافة، حظيت الأسرة الإعلامية بتمثيل آخر في صدارة قوائم العاصمة، يتمثل في الإعلامية البارزة سليمة غزالي، التي تقود قائمة جبهة القوى الاشتراكية بالعاصمة. اختيار «الأفافاس» للزميلة سليمة غزالي، التي كان لها باع طويل في مهنة الصحافة، كما في السياسة، من خلال قربها الوطيد بالزعيم التاريخي الراحل حسين ايت أحمد، بصفتها مستشارته، أو من خلال مرافعتها عبر كتاباتها في جريدة «لاناسيون» لإصلاحات حمروش في نهاية الثمانينيات، له دلالته ومبرراته. فمرشحة جبهة القوى الاشتراكية التي سبقت في ترتيب قائمة الجزائر العاصمة الأمين الوطني الأول السابق محمد نبو المصنف في الرتبة الثالثة، تتمتع برؤية ثاقبة في رصد وقراءة الأحداث الوطنية والتاريخية والإقتصادية. نظرة تؤهلها لكسب ثقة ودعم الناخبين، خاصة وأنها تدخل غمار هذا التنافس السياسي، مدعمة بتمثيلها لأول وأقدم حزب معارض في البلاد. التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي قرر العودة للمعارك الانتخابية بعد فترة مقاطعة، حاملا شعار «من أجل انطلاقة جديدة»، ترجم إدراكه التام بأهمية وثقل وزن مقاطعة العاصمة في الانتخابات التشريعية، بتقديم أمينه العام محسن بلعباس كقائد لمجموعة فرسانه بالعاصمة. خيار «الأرسيدي» لا يعتبر مفاجأة برأي المتتبعين للتحولات الكبرى التي يشهدها هذا الحزب في الفترة الأخيرة، وللدور الكبير الذي يلعبه محسن بلعباس في تجسيد هذا التحول، والذي يعتبر بمثابة الثورة الهادئة التي يقودها الأمين العام الشاب في رسم توجهات جديدة للحزب. ويعتمد الأمين العام للأرسيدي في ثورته على قراءات واستراتيجيات سياسية مغايرة لتلك التي اعتاد عليها الحزب في وقت سابق، وكلّفته فقدان مواقع كثيرة، ما كان ليفقدها لو خاض معاركها، على حد قول بلعباس نفسه.. أحزاب التيار الإسلامي التي تبدو أكثر تأهبا لخوض غمار التشريعيات القادمة واسترجاع مكانتها التي أضاعتها رياح الخلافات والانشقاقات التي اعترضتها في السنوات الماضية، عززت إستراتيجيتها التحالفية التي تسعى من خلالها على تجميع وعائها الانتخابي وكسب أصوات مضاعفة عن تلك التي حصلت عليها في تشريعيات 2012، بخيارات مدروسة في تصدر قوائمها عبر الولايات التي تراهن عليها، ومنها العاصمة التي سيقود فيها البرلماني المخضرم حسن عريبي، قائمة الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء بينما يقود الوزير الأسبق للصناعة عبد المجيد مناصرة، قائمة تكتل «حمس» وجبهة التغيير. هذان الخياران اللذان لم يتما دون تنازلات من الشركاء في التكتلين، يؤكد حرص المجموعتين على الرمي بأعتى الأسماء عندهما لكسب رهان العاصمة. فعريبي الذي تخطى حضوره في المشهد السياسي، الحدود الجغرافية لولايته الأصلية سوق أهراس، ليصبح رقما سياسيا وطنيا مؤثرا في الأحداث بفضل تدخلاته في العديد من القضايا التي تخص مجال التشريع وكذا تلك التي ترتبط بالمصالح العليا للبلاد، يعتبر بحق رقم رابح في خطة «الاتحاد» ومنافس لا يستهان به في معادلة التشريعيات القادمة. أما عبد المجيد مناصرة المعروف بهدوئه في طرح المسائل والقضايا السياسية، واعتداله في رسم صورة التغيير الذي جعل منه الشعار الأساسي والهدف الأسمى لتشكيلته السياسية، يملك من قدرات الإقناع والاستقطاب ما يجعله الرجل المناسب لقيادة قائمة التكتل الذي يجمعه مع حركة مجتمع السلم، خاصة أن التجربة السياسية للحركة الأم «حمس» أثبتت بأن اللغة الهادئة كانت دوما أبرز سلاح أوجد للحركة صداها وعزز قوتها واكسبها المعارك الانتخابية التي دخلتها.