يشكل إعلان رئيس الجمهورية دعم تواجد المرأة في الساحة السياسية، ضمن إطار دستوري حلقة جديدة في مسار ترقية دور المرأة الجزائرية في المجتمع، وهي التي أصبحت تتبوأ أعلى المناصب وتمارس مهام كانت في وقت قريب حكرا على الرجل. هذه الحلقة الجديدة التي تأتي لتتوج الأشواط الهامة التي قطعها مسار ترقية دور المرأة الجزائرية ومنحها مكانتها المرموقة في المجتمع، والتي تتزامن مع احتفال الجزائر بإحدى أبرز محطاتها التاريخية ممثلة في ذكرى اندلاع ثورتها التحريرية المجيدة، تعد مكسبا تاريخيا، جاء ليجسد الإرادة السياسية القوية التي عبرت عنها الدولة منذ الإستقلال، وكرستها السياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي قال منذ سنتين لدى مشاركته المرأة الجزائرية عيدها العالمي، "إني أتطلع إلى ذلك اليوم الذي لا يقاس فيه تقدم المرأة ورقيها بكثرة أعدادها في ميادين التعليم والعمل، إلى ذلك اليوم الذي تكون فيه المرأة عنصرا فعالا في مجتمعها قائمة بعملها ومحاسبة عليه لا مطالبة بحقها مغموطة فيه..أتطلع إلى اليوم الذي نتكلم فيه عن المواطن الجزائري بصيغة واحدة موحدة دون أن نحتاج إلى تمييزه بالذكر أو بالأنثى إلا في ما اختصت به الطبيعة كل واحد منهما..". كما يتوج القرار التاريخي بدسترة الحقوق السياسية للمرأة الجزائرية والذي لقي ترحيبا من مختلف الهيئات والمؤسسات والفعاليات الوطنية، جملة المكاسب التي حققتها الجزائر في مجال تمسكها الراسخ بمبادئ الديمقراطية، والعمل على ترقية وحماية حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، وغيرها من القيم الحضارية النبيلة التي لا يخرج مسعاها عن إطار تحول الدولة من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية. وتشمل سلسلة المكاسب الهامة التي توجت نضال المرأة الجزائرية المستميت من أجل فرض مكانتها المرموقة في المجتمع، في الجانب التشريعي إقرار قانوني الأسرة والجنسية الجديدين في صيغتيهما المعدلة التي، تجعل منهما الدعيمة الأساسية لحقوق المرأة والتحصين الأوفى للعلاقات العائلية، لا سيما من خلال مراعاة موادهما لواقع المجتمع وتحولاته الاقتصادية والثقافية ومتطلباته في كل الميادين. كما سجلت جهود الدولة خلال السنوات التسع الأخيرة محطات هامة في مساردعم المنظومة القانونية التي تؤطر مختلف جوانب ترقية مكانة المرأة الجزائرية، حيث تم إنشاء مجلس الأسرة والمرأة في 22 نوفمبر 2006، مهمتها التفكير في الوسائل التي تجسد الإجراءات المتخذة في مجال القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وتزامن إنشاء هذا المجلس وتعديل قانوني الأسرة والجنسية مع انضمام الجزائر إلى بروتوكول ميثاق حقوق الإنسان والشعوب في الاتحاد الإفريقي، المتعلق بحقوق المرأة الذي دخل حيز التطبيق في شهر نوفمبر 2005، كما صادقت الجزائر في أفريل 2003 على الاتفاق المتضمن إنشاء المنظمة العربية للمرأة. على صعيد آخر أصبحت مشاركة المرأة في الحياة الإجتماعية والاقتصادية والسياسية، خلال هذه السنوات واقعا معاشا، حيث يفوق عدد النساء العاملات 1,2 مليون امرأة تشتغلن في مختلف القطاعات، وخاصة منها قطاع التربية والصحة والقضاء والأمن بمختلف أسلاكه، بينما وصل عدد النساء اللواتي اقتحمن عالم المقاولة 5000 مقاولة، وتشير بعض المصادر إلى أن الجزائر تحصي اليوم نحو 25 ألف سيدة أعمال يساهمن ب9,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وقد لا حظ رئيس الجمهورية أنه بالرغم من كل هذه المكاسب المحققة والتي أوصلت بالمرأة الجزائرية إلى تقلد أعلى المناصب في الدولة، أن المشاركة السياسية للمرأة، تبقى دون المستوى المنشود، وذلك بسبب تغييب العنصر النسوي أو إقصائه على مستوى المؤسسات القاعدية التي تمكنه من الوصول إلى المجالس المنتخبة، والمقصود هنا هو الأحزاب السياسية التي أغفلت هذا الجانب، وهمشت المرأة ضمن صفوفها وهياكلها ولم تنصفها حقها في القوائم الإنتخابية، وهذا ما سجل خلال التشريعيات والمحليات الماضية، حيث باستثناء حزب العمال الذي راعى مبدأ التوازن في التمثيل داخل القوائم، باقي التشكيلات السياسية كان حظ المرأة لديها ضئيلا جدا، الأمر الذي دفع بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه بمناسبة العيد العالمي للمرأة خلال العام الجاري، إلى توجيه دعوة صريحة للأحزاب السياسية، من أجل تمكين المرأة الجزائرية من هذا الحق الذي يضمن لها التقلد عبر المناصب السامية للدولة. وحتى لا ينحصر الأمر في مجرد الدعوة والإلحاح على الأحزاب، جاء قرار الرئيس بإثراء الدستور بمادة جديدة تنص على ترقية الحقوق السياسية للمرأة وتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.