أكدت "بثينة قريبع" المستشارة الاقليمية لمشروع "تقوية القيادة النسائية وتعزيز مشاركتها في المجال السياسي بالدول المغاربية،تونس، المغرب والجزائر" أن عامل الوقت وتكرار الترشيح وخوض الانتخابات مرات عديدة لن يحل مشكل عدم وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار السياسي ولن يأتي بحل جذري يغير من الأوضاع الحالية، موضحة في ذات السياق أن نظام الحصص "الكوطا" أصبح أمرا لازما لتعزيز القيادة النسائية في المجالس المنتخبة كما ثمنت المتحدثة مجهودات الحكومة الجزائرية في دعم المرأة على كافة المستويات وتحقيق مكتسبات تشريعية تعزز كرامتها وتجعل منها عنصرا فاعلا في الأسرة والمجتمع . أجرت الحوار: فاطمة ربيع *إن وجود المرأة في مراكز صنع القرار والبرلمان وغيرها من المناصب الإدارية العليا لهو مقياس للسلطة والنفوذ، وإذا ما استعرضنا واقع المرأة المغاربية في هذه المراكز، فإننا نرى أنها لم تحظ إلا بالقليل بالرغم مما وصلت إليه من مستوى تعليمي متقدم، وأن هذا القليل إما يأتي بالتعيين أو بالاختيار في معظم الأحيان ،فهل يعتبر هذا كافيا، أم أن طموحاتها لا تزال كبيرة في مجال التمكين السياسي؟ ** صحيح أن أول ما يتبادر لذهن الدارس لمكانة المرأة المغاربية في المجتمع هو التفاوت الملاحظ بين ماسجلته المرأة من تطور ملموس على مستوى التعليم ونجاحها في مختلف مستويات التعليم ولا سيما في المرحلة العليا وبين تموقعها في مراكز القرار وخاصة منه السياسي، فهذا التفاوت يزيد من هوة الفروقات بين الجنسين على مستوى الحياة العامة والتي لا تعكس طموحاتها من أجل بلوغ المساواة التامة في مختلف المجالات، حيث أثبتت جداراتها في تحمل المسؤوليات مهما كان نوعها وهي التي وصلت الى رتبة جنرال ووالية ورئيسة حزب و....، فالتعيينات التي تطفو على سطح الساحة السياسية من حين لآخر لا يجب أن تحجب التمييز الذي تعاني منه المرأة ولو بنسب متفاوتة بين البلدان الثلاثة، ذلك ان طموح المرأة المغاربية يتمثل في بلوغ المساواة السياسية دون اللجوء إلى التدابير التمييزية الايجابية لصالحها و بعبارة أوضح فإنها تصبو إلى ترقية سياسية تكون عن جدارة أي نتيجة القدرات والكفاءة التي لا تنقصها. * سطرتم برنامجا لتعزيز القيادة النسائية ومشاركة المرأة في الحياة السياسية وفي مسارات صنع القرار في الجزائر والمغرب وتونس، ما هي أهداف المشروع، والمهام التي تقمن بها من أجل ترقية حقوق المرأة المغاربية ؟ ** المشروع الذي نحن بصدد انجازه في البلدان الثلاثة يصب في خانة التمكين السياسي للمرأة الذي يمثل احدى ركائز الاستراتيجيات الدولية للنهوض بالمرأة مثلما حددتها الاتفاقية الدولية للسيداو ومنهاج عمل بيجينغ وأهداف الالفية الانمائية بالأساس. فالمشروع الذي ينفذه كل من المعهد الدولي للتدريب والبحوث من أجل رقي المرأة (الانسترو) ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث(كوثر) يهدف إلى المساهمة في رفع التحدي الخاص بتطوير مشاركة المرأة في صنع القرار وفي المشاركة السياسية من ذلك أن مكونات المشروع تتمثل في البحوث والدراسات لتشخيص الوضع وبخاصة معرفة العراقيل والمعوقات التي تحد من وصول المرأة إلى مواقع السلطة والقرار وكذاالتدريب والتوعية والتحسيس، أي أن المشروع ينفذ دورات تدريبية موجهة إلى فئات مختلفة معنية بالشأن السياسي وبالمشاركة السياسية للمرأة إذ أنه لا يكفي أن ندرب المرأة على القيادة والتواصل السياسي وعلى كيفية خوض الحملات الانتخابية، بل إن الأهم من ذلك هو أن نوعي الجهات الفاعلة الأخرى المتدخلة المتمثلة في الرأي العام ونقصد به المواطن العادي المتكون من طفل وكهل وامرأة ورجل والأحزاب السياسية والاعلاميون...والهدف من هذه الدورات التدريبية والتحسيسية هو الرفع من قدرات المرأة لتمكينها سياسيا ثم تغيير العقليات عموما بدء بالطفولة وتحسيس أصحاب القرار والناشطين بالاحزاب السياسية بأهمية تشريك المرأة بالاضافة الى المكون الثالث وهو مساير لكل مراحل المشروع ومكوناته يتمثل في الاتصال حيث يسعى المشروع الى التعريف بأهدافه وأنشطته بالوصول إلى أكبر نسبة من الفاعلين والمعنيين بالمشاركة السياسية للمرأة ، وفي هذا الصدد فإن المشروع أصدر العديد من المنشورات والتي نذكر منها "استقراء وضع المشاركة السياسية للمرأة في الجزائر والمغرب وتونس" والمطويات حول النوع الاجتماعي والمشاركة السياسية و"الكوتا بالبلدان الثلاثة"، بالاضافة إلى انجاز "تمرين بحثي اعلامي حول المشاركة السياسية للمرأة من خلال وسائل الاعلام". كما أن المشروع أطلق موقعا الكترونيا خاصا بالموضوع ومن مميزاته كونه تفاعلي يستند بالأساس إلى إرساء حوار وتبادل متواصل فيما بين زوار الموقع من خلال الفضاءات الالكترونية الحديثة المتدا ولة كالفايس بوك والمنتديات الالكترونية. وعنوان الموقع هو الآتي: www.womenpoliticalparticipation.org وأنتهز هذه الفرصة لدعوة قراء جريدة "صوت الاحرار" لزيارة موقعنا والمشاركة في فضاءاته الحوارية. * بحكم خبرتك ومعرفتك بقضايا المرأة المغربية ما هي في رأيك المعوقات التي قد تحول دون وصول المرأة لمقاعد المجالس المنتخبة ؟ ** غالبا ما يتبادر للذهن أن المعوقات التي تحول دون المشاركة السياسية للمرأة هي معوقات قانونية بالأساس، وبالتالي فإن الجميع يوصي بتطوير القوانين، إلا أن المتمعن في أوضاع المرأة المغربية يلاحظ أن القوانين هناك لا تفرز تمييزا واضحا وجليا بين الجنسين، فللمرأة نفس الحقوق الاقتصادية والسياسية التي يتمتع بها الرجل، لذا فإن النقص يتمثل في تفعيل تلك القوانين وجعلها ملموسة في أرض الواقع نظرا إلى أن العائق الأكبر يتمثل في العقليات وفي كون مجتمعاتنا تعتبر ذكورية وهي بالتالي لا تتقبل فكرة المساواة في السلطة والنفوذ، ويمكن تفسير ذلك بالوضع "الدوني" للمرأة في الأسرة والذي بقيت عليه لمدة عقود قبل أن يقع اصلاح قوانين الأسرة في البلدان الثلاثة، فهنالك علاقة هامة بين أوضاع المرأة في الأسرة وأوضاعها في المجال العام، فالمرأة التي لا تتحكم في حياتها الخاصة والتي تعيش ضيما لكونها لا تستطيع طلب الطلاق على سبيل المثال لا يمكنها ان تتاطلب بالمشاركة في الحياة العامة وأن تنافس الرجل للوصول الى مراكز القرار. وهنا يأتي دور المؤسسات وخاصة دور الارادة السياسية التي لها القدرة على تغيير الاوضاع إما بانتهاج سياسة النوع الاجتماعي ومأسسته في كل القطاعات بدء بقطاع الطفولة والتربية والصحة والتكوين المهني والتشغيل أو باتباع التمييز الايجابي لفائدة المرأة. فالطريقة الأولى تأتي أكلها على أمد طويل أما الطريقة الثانية فهي ذات انعكاس ايجابي حيني. ** إذا كان حق المرأة في المشاركة السياسية يجد أساسه ومرجعيته ضمن بنود الدساتير المحلية والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تقوم على مبدإ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتهدف إلى نبذ كل أشكال التمييز ضد المرأة، فإن واقع ممارسة هذا الحق دوليا يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار يظل محدودا ولا يعكس كفاءتها وإمكانياتها.. وقد حظي نظام الحصص باهتمام عديد الدول المتقدمة منها والنامية التي ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية أو الحزبية، وتشير الدراسات والتقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى تنامي اللجوء إليها في ظل التطورات التي شهدها العقدان الماضيان فيما يتعلق بتكريس خيارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تنادي بعدم اقصاء المرأة وتهميشها،وتؤكد الدراسات والأبحاث حول موضوع الكوطا أن أكثر من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام في مناطق مختلفة من العالم، في كل من إفريقيا(جنوب إفريقيا وإريتريا وغانا والسنغال ورواندا وبوركينا فاسو..) وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل ولمكسيك..) وأوربا(إسبانيا وبريطانيا وبلجيكا..) وآسيا(بنغلادش وباكستان وسريلانكا والفيليبين واندونيسيا..). كما تشير نفس الدراسات بأن 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام استطاعت أن تتجاوز "النسبة الحرجة" المحددة ب 30% وأن 30 دولة فقط تجاوزت نسبة 20% فيما توجد 45 دولة تجاوزت فيها مشاركة النساء نسبة 15% عن طريق قوائم الأحزاب. وتبين في البلدان العربية أنه يصعب على النساء، إن لم نقل يستحيل عليهن، في بعض البلدان الفوز في الانتخابات التشريعية أو حتى البلدية، حيث هناك الكثير من البلدان التي لم تفز فيها امرأة واحدة في أي انتخابات، على مدى عقود من الزمن، كما في الأردن والكويت والبحرين... وتفيد التجارب العربية للمشاركة السياسية للمرأة فيها أن عامل الوقت وتكرار الترشيح وخوض الانتخابات مرات عديدة لن يحل مشكلة عدم وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار السياسي ولن يأتي بحل جذري، لذلك فإن تطبيق نظام الكوطا أضحى أمرا لازما لتعديل الموقف وتحسين المشاركة السياسية للمرأة . حيث استخدم نظام الكوتا لأول مرة في مصر بنص دستوري وذلك في عهد الرئيس عبد الناصر على إثر تعديل الدستور سنة 1964، ونسجت عديد الدول العربية فيما بعد على منوال مصر ومنها السودان والعراق والاردن وفلسطين... مما أدى الى تحسن نسبي لمشاركة المرأة في المجال السياسي،وبالتالي فإن نظام الكوطا وإن يتنافي مع قوانين الديمقراطية والمساواة يعتبر إجراء مرحليا لا بد منه ريثما تتغير العقليات ويقع تكريس المساواة في الحقوق على أرض الواقع العربي. * ماذا تفعلن لتوعية المرأة بحقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ؟ ** مشكلة التوعية عموما تتصدر اهتمامات مركز "كوثر" الذي يسعى إلى توعية المرأة أينما كانت بحقوقها وأيضا بواجباتها، ونحاول قدر المستطاع استنباط طرق متجددة للوصول إلى المرأة بتنوعها، فهنالك المرأة المتعلمة والمرأة الأمية والمرأة الريفية والمهاجرة... ولكل فئة من النساء خصوصياتها وهو مهما يستوجب بلورة خطب تستهدف كل واحدة من هاته الفئات وتنويع محامل هذه الخطب، فاليوم نعتمد أساسا على التكنولوجيات الحديثة من أقراص مضغوطة وموقع الواب والحوارات الالكترونية ...هذا طبعا دون الاستغناء عن التواصل المباشر مع الفئات النسائية عن طريق الهياكل التي تعنى بالمرأة سواء كانت حكومية أو غير حكومية، وفي هذا المجال يتمثل دور المركز في انتاج المراجع المتضمنة للمعلومة اللازمة الواجب ايصالها الى المرأة، ومن البرامج التي أطلقها المركز والتي تندرج في صميم اهتمامات المرأة وتسعى الى توعيتها نذكر منها برنامج إدارة الحكم في الدول العربيّة (POGAR) وهو مبادرةً حول النوع الاجتماعي والمواطنة يهدف إلى زيادة مشاركة المرأة السياسيّة وتوعية الرأي العام بشأن ممارسات عدم المساواة بين الجنسين الراسخة في التشريعات الحكوميّة، كما نذكر مشروع "حقوق المرأة والطفل من خلال حرية الوصول إلى المعلومات" "ورقتي WRACTI" ، وذلك بهدف تمكين المرأة عن طريق جمع المعلومات وتبادلها مع النساء في ما يخصّ حقوقهنّ وحقوق أطفالهنّ داخل مجتمعاتهنّ وأيضا مشروع تعميم مراعاة منظور النوع الاجتماعي في تنمية وإدارة موارد المياه في منطقة البحر الأبيض المتوسط (GEWAMED) لدعم دول منطقة البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك الدول العربيّة الواقعة في شمال إفريقيا في مجال التنسيق على صعيد التدابير والبحث المستمر في هذا المجال. * بغض النظر عن مشروع تعزيز القيادة النسائية ومشاركتها في السياسة هل هناك مشاريع وبرامج أخرى تعملون عليها حالياً لإخراج المرأة من بوتقة التخلف؟ ** لقد بينت التجربة أن الأزمات الاقتصادية والمالية تؤثر على أوضاع المرأة أينما كانت بسبب هشاشة أوضاعها،ومؤشرات وضع المرأة العربية عموما يعتبر من أدنى المؤشرات حسب التقارير الدولية وبخاصة التقرير المتعلق بتفاوتات النوع الاجتماعي (Gender gap Report). فهذا الوضع يحتم اتخاذ اجراءات حاسمة من أجل التخفيف من حدة آثار الازمة على المرأة من حيث مقاومة الفقر ومناهضة العنف المبني على النوع وتطوير الصحة الانجابية وتعزيز مشاركتها في صنع القرار، وفي هذا الصدد تجدر الاشارة إلى أن التقريرالصادر حول بيجينغ +15الذي نوقش في القاهرة بمناسبة التئام مؤتمر المنظمات الاهلية في ديسمبر 2009 بين أن أوضاع المرأة العربية لم تتغير بالشكل المطلوب بسبب قلة الموارد بالأساس، و نبّه التقرير من خطرمضاعفات الازمة العالمية على تلك الاوضاع، داعيا الحكومات الى مضاعفة الجهد والى العمل في شراكة مع المجتمع المدني من اجل ايجاد الحلول الجذرية لحماية المرأة بما يكفل ويضمن مواصلة العمل على تنفيذ توصيات منهاج بيجينغ. وفي هذا المضمار تجدر الاشارة الى ما يقدمه مركز "كوثر" من أجل تمكين المرأة في مختلف المجالات القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويكفي ان نذكر ببعض الانجازات التي حققها للمرأة العربية من خلال انشطة البحوث والتدريب والاتصال فاقتناعا بأهمية الشبكات لدعم تبادل التجارب وتعميم الاستفادة من الانجازات الحاصلة تم بعث شبكة انجد (للنوع الاجتماعي والتنمية) التي تضم خبراء وخبيرات وإطارات من مختلف الميادين والمؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية من العالم العربي وجهات اخرى من العالم والتي تركز عملها ونشاطها على التفكير في المسائل ذات العلاقة بأوضاع المرأة وحقوقها وأوضاعها وعلى ايجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تواجهها. كما ان المركز يركز تدخلاته من اجل مشاركة أفضل للمرأة في مسار التنمية ومن أجل استفادة افضل من ثمار التنمية وذلك بالاعتماد على ادماج النوع الاجتماعي في التخطيط ومأسسته وعلى الاستناد الى التكنولوجيات الحديثة. من ذلك مثلا ما قام به ولا يزال من تجميع للقوانين الخاصة بالمرأة ووضعها الكترونيا على ذمتها لرفع أميتها القانونية وتعريفها بحقوقها، واهتم المركز أيضا بموضوع الماء من منظور النوع الاجتماعي بهدف تقريب الخدمات من المرأة وتحسين تلك الخدمات وتعميمها لتشمل المرأة أينما كانت، كما أن المركز وضع من ضمن اهتماماته تحسين تواجد المرأة في مراكزالقرارعموما، سواء كان ذلك في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، وهو بصدد وضع اللمسات الاخيرة لمحفظة تدريبية في الموضوع سيتم تطبيقها على المستوى العربي. * أعلنت الأممالمتحدة مؤخرا برنامجا إنمائيا يتضمن دعمه لإعداد دراسة متكاملة تصب في صالح التمكين الاقتصادي للمرأة في بعض الدول العربية لاسيما منها الدول المغاربية مشتملة على عدة محاور، على رأسها دراسة وضع الفقر بالنسبة إلى النساء، ورصد حالات التمييز والشكاوي في القطاع الخاص، وتحليل تشريعات العمل الحالية ونواقصها، علاوة على التركيز على محوري الخدمات المساندة للمرأة العاملة، والتوعية والتثقيف بدورها. ما رأيك في هذا ؟ وهل يعتبر هذا حلا لمشاكلها؟ ** إن الدراسات مهما كان محورها لها فائدة قصوى في تشخيص الاوضاع بالنسبة إلى المرأة، وفي اعتقادي أن البرنامج الاممي جاء في وقته حيث أن الوضع الراهن وما ينطوي عليه من متغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية سيكون له وقع خاص على اوضاع المراة، ذلك أن التجربة اثبتت أن الازمات الاقتصادية تؤثر بصفة خاصة على المرأة بسبب هشاشة وضعها الاقتصادي بالاساس نظرا إلى كثافة تواجدها بالقطاع غير المهيكل، فالتوصيات التي ستتمخض عنها الدراسة ستساهم حتما في تحسين التمكين الاقتصادي للمرأة ورفع العنف الاقتصادي عنها والحد من نسبة الفقر لديها، وهو ما سيحسن من ادائها الاقتصادي الذي شهد تطورا من خلال مشروع القروض الصغرى المنفذ من قبل الوكالة الوطنية لادارة القروض متناهية الصغر حيث مثلت المرأة نسبة 52 % من مجموع المستفيدين من القروض خلال السنوات الاربعة الماضية. * أكد عدد من الحقوقيين وأعضاء بمنظمات المجتمع المدني أن المرأة تعاني من الاضطهاد وتتعرض لحالات من العنف في مجتمعاتنا وأرجع هؤلاء هذه الأوضاع السلبية التي تعاني منها إلى افتقاد مجتمعاتنا للحريات والديمقراطية والمستوى الاقتصادي الذي يكفل مستوى كريم من المعيشة للناس، هل ترون أن هذا هو السبب الرئيسي في تأخرها ؟ ** كل نساء العالم تشتكي من العنف وهذا ليس حكرا على المجتمعات العربية، إلا أن ما يمكن قوله هو أن هناك تفاوتا فيما بين البلدان بالنسبة إلى حدة هذه الظاهرة وتفشيها ومعالجتها، وبقدر ما نؤكد على وجود العنف فإننا نلح ونحيي المبادرات التي أطلقتها البلدان المغاربية الثلاثة الجزائر والمغرب وتونس لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي بجميع أنواعه، فالاستراتيجيات التي تم تبنيها من طرف البلدان الثلاثة تدل على وعي صناع القرار هناك بضرورة معالجة الظاهرة عن طريق اجراءت مختلفة تشمل المجال القانوني والمؤسساتي والجانب الوقائي والعلاجي . من ناحية أخرى فان مجتماعتنا تشهد إصلاحات هامة في مجالات الحريات وحقوق الانسان والديمقراطية ستنعكس بصفة ايجابية على أوضاع المرأة سواء تعلق الامر بحفظ كرامتها أو بمشاركتها الاقتصادية أو السياسية. * إن الفرص التعليمية التي أتيحت للمرأة وعلى كافة المستويات وفي مختلف الأقطار العربية قد أدت إلى تحسين كبير في أوضاعها الحياتية الصحية والاجتماعية والأسرية والمعيشية كما أتاحت لها الوصول إلى فرص العمل ،إلا أن ذلك بقي بشكل غير مكتمل ولا يصل إلى درجة عالية من التوازن مع الرجل. هل تطالبن الحكومات بالمزيد لإخراج المرأة من دائرة الجهل نهائيا؟ ** تفيد البيانات التي تضمنها تقرير برنامج الاممالمتحدة الانمائي حول التنمية البشرية لسنة 2008 أن أوضاع المرأة العربية في تحسن متواصل غير أن هنالك من المعوقات التي تحد من نسق التطور وتتصدر معضلة الأمية هذه المعوقات، ذلك أنه على الرغم من تحسن مؤشرات التعليم بمختلف مستوياته لا تزال المرأة ولا سيما الريفية تشكو في عديد المجتمعات من الأمية، وعلى سبيل المثال فان هذه النسبة تتعدى 50% بالمغرب على الرغم من الجهود المبذولة هناك لتمكين المرأة على مختلف المستويات، فالقضاء نهائيا على الامية يبقى الهدف الاول للمركز الذي يضم جهوده الى الجهود الاممية والوطنية من أجل بلوغ أهداف الالفية للتنمية التي من ضمنها القضاء على الأمية. * حدثينا قليلا عن النوع الاجتماعي " الجندر" ؟ ** على الرغم من الضمانات القانونيّة المتوفّرة لتكريس حقوق المرأة، فإن الأدوار النمطيّة المترسخة في المجتمعات العربية - التي تخص المرأة بمهام عائلية داخل البيت ولرجل بمهام خارج البيت- هذه الادوار تحدّ من فرص إلتحاق المرأة بالعمل وفرص مشاركتها في اتخاذ القرارات حيث تمثل معدلاتها الأدنى في العالم، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال الدعوة من أجل تكريس حقوق المرأة، لا زالت المرأة متأخرةً عن الرجل في كل المجالات، وفي اطار الاستثمار في الموارد البشرية والاستفادة القصوى من إمكاناتهم الفردية والمجتمعية الذي يعد من أوكد متطلبات التنمية، تمثل مناهضة التفاوت بين الجنسين عنصرا هاما من عناصر اجندات الاصلاح التي تنفذها الدول العربية. وفي هذا السياق تم توخي منظومة النوع الاجتماعي بإدماجها في المسارات التنموية حيث أصبحت تتقاطع مع الخطط الهادفة الى ارساء الحكم الرشيد والقضاء على الفقر ومناهضة العنف ورفع مخرجات التعليم... فالنوع الاجتماعي هو إطار للعمل للحد من وجه التمييز الذي تشكو منه المرأة وذلك باستخدام أدوات مثل إدماج النوع في القطاعات gender mainstreaming وتحليل النوع الاجتماعي بناء على المعلومات والبيانات المصنفة حسب الجنس gender analysis، ومراعاة منظور النوع الاجتماعي عند وضع الموازنات gender budgeting، ورصد حجم التغير في مختلف القطاعات ومن مختلف الجوانب المتعلقة بالنوع الاجتماعي gender auditing. كما يهدف إلى أخذ المبادرات الهادفة إلى تكافؤ الفرص العددي والمساواة بين الرجل والمرأة على حد السواء، في الاستفادة من الموارد المالية وغير المالية. وتساهم هذه الأدوات في دراسة الفوارق بين الرجل والمرأة والتفهم لدور العادات، والتقاليد والقيم الثقافية المتجذرة في المجتمعات. والهدف من هذه السياسة هو تغييرالعقلية الذكورية المهيمنة في مواقع صنع القرار والمرتكزة على فكرة الأدوار التقليدية للمرأة واعتبارها قيماً ثابتة وبديهية. وهي فكرة ترسخت لا في ذهنية الرجل فحسب بل وأيضا في ذهنية المرأة ذاتها، فالاستراتيجيات الوطنية التي تم وضعها في البلدان العربية وفق النوع الاجتماعي تسعى إلى الحد من التمييز والقضاء عليه تدريجيا باتخاذ اجراءات عملية تسهام في تنفيذها كل القطاعات. * ماذا ستحمل سنة 2010 للمرأة المغاربية في أعمالكم ؟ ** سنة 2010 بالنسبة لمشروعنا ستكون سنة حاسمة إذا ما اعتبرنا مخطط العمل الذي سيشمل البلدان الثلاثة المعنية بالمبادرة. فالتوجه هو ارساء وتعزيز الحوار على عدة مستوياتمثل حوار بين فريق المشروع والفاعلين الذين ربطنا معهم علاقات تعاون متينة من خلال ما انجزناه من انشطة بحثية وتدريبية وتحسيسية واتصالية؛ حوار بين الفاعلين وهو اهم شيء، ذلك اننا نحاول قدر المستطاع ان نشرك فئات مختلفة لمعالجة الوضع الخاص بالمشاركة السياسية للمرأة. فالموضوع لا يخص المرأة وحدها وانما هو مرتبط بمواقف اطراف وجهات عديدة اخرى: الارادة السياسية بمعناها الواسع والتي تشمل صناع القرار السياسي والاحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني والاعلام والشباب والمربين ....وسنركز جهودنا على الفئة الشبابية بعد ان ركزنا ولا نزال انشطتنا لسنة 2009 على وسائل الاعلام، لا سيما وان الاممالمتحدة أقرت سنة 2010 سنة دولية للشباب . * ما رأيكم بالمرأة الجزائرية بشكل خاص والعربية بشكل عام؟ أين نحن مما يجب أن نكون عليه؟ ** في اعتقادي فإن ما تذهب اليه الهيئات الأممية من حشر كل البلدان العربية في بوتقة بلدان الشرق الاوسط وبلدان شمال افريقيا غير منصف لبلدان المغرب العربي الذي ينفرد بخصوصيات في مجال النهوض بالمرأة لا نجدها في بلدان الخليج ولا حتى في البعض من بلدان الشرق الأوسط، فالمؤشرات الخاصة بأوضاع المرأة الجزائرية تتشابه في بعض المجالات مع ما تصدره تقارير الاممالمتحدة من مؤشرات بشأن المرأة العربية ولكنها في أحيان أخرى تكون مغايرة لتك المؤشرات. فقد لعبت المرأة الجزائرية زمن النضال من أجل التحرير وخلال فترة البناء والتشييد التي تلت الحقبة الاستعمارية دورا هاما الا أن دورها في المشاركة السياسية وتواجدها في مراكز صنع القرار يعتبر ضعيفا ودون طموحات المرأة الجزائرية، كما أنه لا يعكس مستوى النضج الذي بلغته، وذلك دون غض الطرف عن تثمين الخطاب الرسمي لدور المرأة و اعترافه بالكفاءات التي تتحلى بها. فتاريخ الجزائر حافل بالأحداث والمبادرات التي قامت بها نساء في المجال السياسي، ولعل ما أنجزته وقامت به كل من ثروة فاطمة نسومر وجميلة بوحيرد يعد شاهدا على ذلك. واليوم نلاحظ في خضم الاصلاحات التشريعية والسياسية والاقتصادية توجها نحو تحسين أوضاع المرأة وتطويرها على مختلف المستويات، فلا ننسى أن العشرية الاخيرة من القرن الماضي كان لها أثر سيء على أوضاع المرأة، وذلك على الرغم من المقاومة والجرأة التي تحلت بها المرأة الجزائرية في تلك الفترة، ففي اعتقادنا أن المكاسب التي تحققت للمرأة خلال العشرية الحالية والتي كانت ذات بعد تشريعي ومؤسساتي ستأتي حتما أكلها خلال السنوات القادمة، ومما يزيد في قناعتنا أن الامور ستتطور ايجابا هو الارادة السياسية الصريحة التي جاءت مؤخرا على لسان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتي نأمل أن تجسم في شكل نسبة مائوية للمرأة بالهيئات المنتخبة. كما أن الدفع الذي تعطيه وزارة شؤون المرأة والأسرة لنضالات المرأة وحنكة السيدة الوزيرة نوارة جعفر يبرر تفاؤلنا بالنسبة لمستقبل المرأة الجزائرية، فكل المبادرات التي هي بصدد التنفيذ والتي نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر إستراتيجية مقاومة العنف المبني على النوع الاجتماعي وبرنامج النوع الاجتماعي وشبكة النوع الاجتماعي ومنتديات المرأة والمشاركة السياسية بالاضافة إلى مشروعنا الخاص بتعزيز المشاركة السياسية للمرأة في شراكة مع الوزارة المذكورة سيكون لها حتما الاثر البالغ والملموس في رفع قدرات المرأة من أجل مشاركة متساوية مع الرجل في المسار التنموي بالجزائر. * المرأة طموح دوما، أين تقف حدود طموحاتكم؟ ** أعتقد أن الطموح ليس له حدود كما أن طموحات المرأة اينما وجدت هي متجددة على الدوام، فطالما لم نحقق المناصفة والمساواة الفعلية والطوعية دون اللجوء الى اجراءات تمييزية؛ وما لم نطالب بمكاسب واجراءات مستحيلة فان طموحنا يبقى مشروعا وبالتالي نحن واثقون بان المرأة العربية لها من الذكاء والكفاءة ما يجعلها ملمة بما يدور حولها وقادرة على أن تفرق بين ما هو ممكن وما هو مستحيل، وطموحي هو أن تعتلي المرأة المكانة والمناصب التي هي جديرة بها وأن أساهم من موقعي ومن مشاركتي المتواضعة في تحقيق ذلك. * كلمة توجهينها للمرأة الجزائرية بمناسبة تحقيقها العديد من المكتسبات مثل تعديل المادة 31 من الدستور التي تسمح بتوسيع التمثيل السياسي للمرأة في المجالس المنتخبة، بالإضافة إلى قانون الجنسية الذي يمنح المرأة جنسيتها لأبنائها و كذا قانون الأسرة.؟ ** أتقدم بتهاني الخالصة إلى المرأة الجزائرية التي تمكنت من تحقيق جزء هام مما كانت تصبو اليه من حقوق تعزز كرامتها وتجعل منها عنصرا فاعلا في الاسرة والمجتمع، واذ أعبر للمرأة الجزائرية عن تقديري لما قدمته من نضالات ولا تزال فانني أتمنى لها المضي قدما على درب الحداثة والتطور بما يكفل تألقها على كل المستويات، هذا وان تعديل المادة 31 من الدستور سيسمح حتما بتوسيع رقعة مشاركتها السياسية بما يضمن مساهمتها في صنع القرار وأخذ متطلباتها وخصوصياتها بعين الاعتبار.