تعد فعاليات الأيام الطبية الجراحية التي تنظم في ربيع كل سنة بالمؤسسة الاستشفائية عاشور زيان، بعاصمة المقاطعة الإدارية أولاد جلال، غربي بسكرة، مثالا حقيقيا وناجحا بامتياز للتوأمة بين المؤسسات الاستشفائية في ولايات الجنوب والشمال، حتى قبل أن تقرها رسميا الوزارة الوصية في العامين الأخيرين بهدف التكفل الأفضل بالمرضى، من خلال تنقل أطباء الشمال وتقديم خدمات صحية متنوعة للمرضى بالمناطق الجنوبية التي تفتقر للأطباء المتخصصين. أكد المتتبعون للأيام الطبية الجراحية التي أطفأت شمعتها 22 بأولاد جلال مؤخرا، أن هذه التظاهرة الطبية التضامنية بين مستشفى عاشور زيان بأولاد جلال ومستشفى بن عكنون بالعاصمة، وبالتحديد قسم جراحة العظام، مكنت من تقديم خدمات علاجية وجراحة لآلاف المرضى، أغلبهم من الفقراء والمعوزين. والفضل في خلق هذا العمل التضامني الأقدم والأكبر على المستوى الوطني يعود إلى رئيس مصلحة طب وجراحة العظام بمستشفى بن عكنون، البروفيسور عبد الرحمان بن بوزيد، الذي سخر جهوده منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث في سبيل تنظيم أيام طبية محدودة من حيث المدة والإمكانيات البشرية والمادية، والهدف من هذه المبادرة كما قال البروفيسور دوما هو التضامن مع المرضى بأولاد جلال وبسكرة بصفة عامة، وهذا العمل الخيري التضامني اعتبره الجميع بمثابة وفاء من هذا البروفيسور للمدينة التي أنجبته، وهذا الوفاء تجسد في تنقله سنويا بمعية عدد من زملائه في قسم جراحة العظام ببن عكنون إلى أولاد جلال لإجراء فحوصات وعمليات جراحية دقيقة ونوعية في كل مرة. ومع مرور السنين، ظلت هذه الأيام الطبية تتكرر في كل سنة وتعوّد عليها المواطنون المحليون، كما ازداد عدد المشاركين فيها ليصبح العشرات، ثم المئات من كبار الأساتذة والجراحين يحرصون على المشاركة فيها، وبفضل خبرة وتجربة منظميها وجهودهم المتواصلة على مدار أيام السنة. وتحضيرا لتنظيم كل طبعة جديدة، فإن هذه الأيام الطبية الجراحية توسعت في الاختصاصات أولا، ثم تنوعت من حيث الأنشطة الجوارية، لتتحول حسب منظميها من أيام للجراحة والفحوصات المجانية، إلى تظاهرة كبرى وعرس حقيقي لمدينة أولاد جلال بفضل الأنشطة الجوارية التي أصبحت تنظم على هامشها، من معرض ينشطه الشركاء في مجال الصحة إلى الندوات والملتقيات، بحضور كبار الأساتذة والجراحين، ناهيك عن النشاط الرياضي والسياحي وغيرها من الأنشطة التي أعطت لهذه الأيام صدى أوسع. صمود ل 22 سنة أكد البروفيسور بن بوزيد أن سر نجاح الأيام الطبية الجراحية وصمودها واستمرارها لأكثر من 22 سنة دون انقطاع، يعود في الأساس إلى عدة عوامل، أبرزها وأهمها احتضان المواطنين من أبناء المنطقة لهذه التظاهرة الطبية الجراحية السنوية، مشيرا إلى أن حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة والتشجيع الدائم والمتواصل من قبل المواطنين والأعيان تحديدا، يجعل المشاركين في هذه الأيام يتمنون العودة في العام القادم، وأضاف أنهم يتشوقون لموعد تنظيم الطبعة الموالية، وهو الأمر الذي شجع هؤلاء الأطباء والجراحين على التضحية والتنقل إلى أولاد جلال، وتقديم أفضل ما لديهم من خدمات صحية في مجالي الفحص والجراحة، ردا لجميل حسن الضيافة والكرم والاستقبال الأمثل في كل مرة. وأضاف البروفيسور قائلا: "كما أن احتضان المسؤولين المحليين خاصة الولاة الذين تعاقبوا على الولاية دون استثناء، وعلى رأسهم الوالي الحالي الذي قدم مساعدات كبيرة، فلولاه لما توفرت تكاليف اقتناء المفاصل وتركيبها لعشرات المرضى خلال الأيام الطبية الأخيرة، والشكر موصول أيضا للوالي المنتدب لأولاد جلال بعد ترقيتها إلى ولاية منتدبة، إضافة إلى مدير الصحة بالولاية والسلطات المحلية بالست بلديات التابعة لدائرتي أولاد جلال وسيدي خالد ومسؤولي وعمال مستشفى عاشور زيان والمجمعات الصحية التي توسعت إليها خدمات الأيام الطبية في السنوات الأخيرة". للأطفال نصيب أيضا توسعت الأنشطة الجوارية المنظمة على هامش الأيام الطبية في السنوات الأخيرة، لتشمل أيضا تنظيم تظاهرة رياضية ذات مستوى عال، تتمثل في سباق المارطون الممتاز على مسافة 100 كلم، والذي تم استحداثه بمشاركة جمعية بوشاوي للعدو والهيئات المعنية بالعدو وألعاب القوى بالولاية، سمي ب«مارطون الزيبان"، حيث ذاع صيته لأكثر من 9 سنوات متتالية، غير أن هذه السنة تم تأجيل الطبعة ال10 بسبب الصعوبات المالية. كما أن الأيام الطبية أصبحت فرصة لتقديم مساعدات عينية متمثلة في كراس متحركة لعشرات المقعدين والمعاقين حركيا، من خلال حملة تطوعية تساهم فيها عدة أطراف من جمعيات وطنية معنية بذوي الاحتياجات الخاصة، هذه الكراسي التي أصبحت توزع كل سنة ظلت ولا تزال تمثل مكسبا للمعاقين بالمنطقة، في ظل غلائها وصعوبة اقتنائها بالنسبة لأغلب المعاقين المنحدرين من مناطق نائية أو من فئات فقيرة ومعوزة. كما أصبحت الأيام الطبية تعرف مشاركة لفرق المهرجين المخصصة للأطفال، حيث دأبت فرقة "ثلاثي البسمة" من بواسماعيل على المشاركة من خلال تنظيم مسرحيات وعروض للمهرجين لفائدة الأطفال المرضى عبر المستشفيات ومراكز المعاقين، إضافة إلى تنظيم حفلات لفائدة أطفال المدارس وأبناء المنطقة عامة لمدة قد تصل إلى أسبوع، مما يساعد على تفعيل المشهد الثقافي المخصص للأطفال، حتى أن أبناء المنطقة أصبحوا ينتظرون هذه الأيام الطبية الجراحية بفارغ الصبر، لأنها لا تجلب لهم العلاج فقط بل الابتسامة والفرح، وهو ما لقي الاستحسان دوما. كما أن الأيام الطبية أصبحت فرصة لإنعاش السياحة المحلية من خلال الخرجات التي تنظم لفائدة الأطباء المشاركين في الأيام الطبية، فصحراء المنطقة وبلديات المقاطعة الإدارية وولاية بسكرة بصفة عامة، زاخرة بتراثها ومعالمها السياحية، إلى جانب تنظيم رحلات للتنزه، خصوصا في اليوم الأخير من تظاهرة الأيام الطبية، إذ كان ولا يزال يدعم السياحة الصحراوية ويشجع عليها، والفضل في ذلك يرجع إلى منظمي هذه الأيام الطبية، لأنهم استطاعوا خلق نشاطات جوارية متنوعة ضمن فعاليات طبية تدوم أسبوعا كاملا. الدعم مطلوب لضمان استمرار هذا العمل التضامني الكبير إذا كانت الأيام الطبية الجراحية بأولاد جلال قد صمدت لمدة 22 سنة متواصلة بجهود منظميها، ودعم الجهات التي اعتادت المساعدة والمساهمة لإنجاح هذه التظاهرة، ومنهم حتى مؤسسات، فإن المطلوب حسب المتتبعين لها هو السعي الحثيث والمتواصل في سبيل ضمان التكفل المادي لاستمرارها، خصوصا في ظل تراجع ميزانيات المستشفيات بسبب سياسة ترشيد النفقات وأيضا المشاكل الاقتصادية التي أصبحت تعاني منها البلاد عامة. فقد لوحظ غياب بعض الأنشطة الجوارية، مثل المارطون الممتاز الذي لم ينظم هذه السنة، كما أن المنظمين ألغوا الملتقى التكويني حول طب الأسنان والرياضة. وعدد العمليات الجراحية الخاصة بتركيب المفاصل تحديدا أصبح محدودا رغم الطلب المتزايد عليها، وأمام مثل هذه الصعوبات والتحديات، يبقى الأكيد أن المنظمين والخيريين من أبناء المنطقة أصبحوا مجبرين على البحث عن مصادر دعم إضافية لضمان استمرار هذه الأيام الطبية التي بات الاستغناء عنها مستحيلا، والكل بات ينتظرها كل سنة، لأنها ببساطة سبيل للعلاج المجاني.