تخليدا لأهم محطة من محطات تاريخ الجزائر وإحياء لذكرى ثورة نوفمبر المجيدة التي تظل ذكرى تحمل في جذورها التواصل، حلت "المساء" ضيفة بمنزل أرملة الشهيد سي محمد محند المدعوة محلبي ملحة. وفي أجواء تعالت فيها الزغاريد لما كشفنا عن هويتنا وبقاعة الاستقبال بدأت أرملة الشهيد وهي محاطة بأحفادها تسرد لنا مشاهد عن ثورة نوفمبر 1954 المجيدة وبعد أن أخذت نفسا عميقا يحمل معاني كثيرة وهي المعاناة والتعذيب الذي تعرض له وعرفه الشعب الجزائري على أيادي الاستعمار الغاشم، بدأت خالتي ملحة في السرد قائلة: "أتذكر ذلك اليوم وكأنه أمس، حيث كان عمري آنذاك 18 سنة وأم لطفل وبأحد حقولنا كنا نجمع الزيتون فتوجه نحونا شخص ليخبرنا بأنه حان الوقت لكسر الصمت والتحرر من فرنسا، وطلب منا التوقف عن العمل أو أي نشاط من حرث ورعي للغنم وذلك في الساعة السادسة مساء، وقال أنه غدا (أي 1 نوفمبر) سيضع الشعب الجزائري حدا لسياسة فرنسا الظالمة وأن الحرب ستندلع بكامل التراب الوطني. وقالت المتحدثة أن الثورة انطلقت فعلا وكنا نعمل في سرية لمدة 3 سنوات نقدم الأكل وكل ما يحتاجه المجاهدون وأتذكر أنه بمنطقتنا "الجامع نتزا" بتينقشت كانوا ينادون المسبلين باسم "بي بي عو" وهي كلمة سر يتخاطبون بها، وذات يوم وشى بهم شخص "خائن" الى النقيب موسموس الذي يدير ثكنة عسكرية بنواحي بوبرون بأعزازقة الذي قام في نفس الليلة في حد ود الساعة الثالثة صباحا بمحاصرة المنطقة وقتل المجاهدين من بينهم حظالي، بن صالح وغيرهم وأخذوا 29 رجلا الى السجن ولم يغادروا إلا بعد أن خربوا كل ما عثروا عليه. وصمتت المتحدثة لحظات... وتابعت الحديث لن أنسى أبدا 150 مسبلا الذين قتلوا بسبب الوشاية في سن تتراوح ما بين 18 و20 سنة وأضافت ذلك لم يقلل من عزيمتنا بل واصلنا النضال فزوجي التحق بالجبل بعد زواجنا بحوالي أربعة الى خمسة أشهر وأنجبت منه طفلا لا يعرف أبوه إلا عن طريق الصورة. وقد ناضلت الى جانبه حيث حولت منزلي الى مأوى وملجئ للمجاهدين فقام الاستعمار بحرقه بعدما اكتشف الأمر. وأضافت السيدة "ملحة" قمنا طيلة سبع سنوات بمساندة وتدعيم المجاهدين رغم أننا تعرضنا لأبشع صور التعذيب لا سيما تلك المتعلقة بهتك عرض النساء، لكن، تقول والدموع تذرف من عينيها، "الحمد لله انتصرنا وتمكنا من اخراج فرنسا من أرضنا وتحررنا بفضل تضحيات رجال ونساء وأطفال. وقبل أن تختم حديثها وجهت نداء للمسؤولين لجمع تصريحات المجاهدين وشهادتهم عن الثورة لكي تبقى راسخة في أذهان الأجيال. فقد سمعه بسبب التعذيب المجاهد بن مختار إيدير بحاجة للتكفل النفسي
على بعد 30 كلم من ولاية تيزي وزو، وتحديدا ببلدية فريحة حلت "المساء" بقرية امزيزو، هذه القرية المجاهدة التي أنجبت رجالا صنعوا الثورة وضحوا في سبيل تحرير الوطن، بمجرد أن دخلنا القرية اقتربنا من أول شخص التقيناه فدلنا على منزل المجاهد بن مختار إيدير الذي لا يزال اسمه متداولا على كل لسان بسبب مهامه ودوره في الثورة التحريرية وقيامه بنقل المؤونة للمجاهدين بكل من أعزازة، مقلع، فريحة وقضوان وغيرها. وقادنا الشخص الى منزل المجاهد المتواضع الذي استقبلنا استقبالا حارا وسرد مهامه إبان الثورة على لسان ابنه واعمر الذي ترجم ما كان يشير إليه والده قائلا: كنت أتنقل بين عين الحمام، مقلع أعزازقة وغيرها من المناطق البعيدة وبكل ذكاء ويقظة تجاوزت الحراسة المشددة التي فرضها الاستعمار على المنطقة وعملت على كسر تلك العزلة وكنت أستعين بحمار، ملك لي وأنقل ما يحتاجه المجاهدون، أختار الوقت والطريقة المثلى للإفلات من قبضة الاستعمار حيث استمر الوضع لسنوات الى أن اكتشف أمري فزج بي في السجن حيث خضعت لأشع صور التعذيب ففقدت السمع الى الأبد. وأضاف بعد خروجي من السجن أخضعني الاستعمار الفرنسي الى حراسة مشددة لمنعي من الاتصال مجددا بالمجاهدين، لكن ذلك لم يمعن من القيام بأعمال مختلفة أساعد وأمول عن طريقها المجاهدين. وحول الاستقلال قال بأنه يوم عظيم وضع من خلاله حد للأساليب الوحشية التي كان الاستعمار يمارسها، مضيفا أنه لولا الفاتح نوفمبر ما كان الخامس جويلية. وقد استغل المجاهد الفرصة ليوجه نداء من أجل مساعدته والتكفل بحالته لأنه بحاجة الى تكفل نفسي وهو لا يزال يعيش كابوس التعذيب الذي لقيه في السجن الى أن فقد سمعه الى جانب العديد من رموز الثورة ومعطوبي الحرب الذين فقدوا السمع أو البصر أو عضوا من جسمهم وكذا يتامى وأرامل لا يزالون يحملون جزءا من تاريخ المنطقة التاريخية الثالثة.