محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطمينات الدولة لم «تطفئ» مخاوف العمال
عيد العمال... احتفالات تحت هواجس الأزمة الاقتصادية
نشر في المساء يوم 30 - 04 - 2017

يستقبل العمال الجزائريون عيدهم العالمي المصادف للفاتح ماي، في ظل مخاوف وقلق من تضييع مكاسب مهنية واجتماعية بفعل تأثيرات الأزمة العالمية على المستوى العام للنمو الاقتصادي، وهي المخاوف التي قابلتها تطمينات الدولة ممثلة في أعلى سلطاتها بالتأكيد على التزامها بالحفاظ على هذه المكاسب المكرسة في الدستور الجديد، بل وتعزيزها أكثر بفضل التدابير العملية التي تم اتخاذها في إطار التوجه الجديد نحو التحول الاقتصادي، والذي يرتكز على تنويع محركات التنمية ودعم الاستثمار وتبني خيارات براغماتية تضمن النجاعة الحقيقية للمؤسسات والمشاريع، وتنعكس بالإيجاب على سوق الشغل وعلى المستوى المعيشي للمواطن بشكل عام.
تحصي الجزائر اليوم أزيد من 10,6 ملايين ناشط، 30٪ منهم يمثلون فئة العمال المستقلين وأرباب العمل، فيما يمثل أزيد من 7 ملايين ناشط، العمال المأجورين العاملين في مختلف القطاعات الاقتصادية والإدارية (58 ٪ منها في القطاع الخاص) - حسب أرقام الديوان الوطني للإحصائيات- وهي الفئة التي تعيش في الفترة الأخيرة حالة قلق وخوف من تضييع المكاسب المهنية، بفعل ما ترتب عن الأزمة العالمية من آثار، تجلت مظاهرها في تراجع مداخيل الدولة بأكثر من 50 ٪، وإجبار المؤسسات والإدارات على اتباع سياسة "شد الحزام"، في مسعى دؤوب لترشيد نفقاتها ومحاربة التبذير والإنفاق غير المجدي، فيما يفضل البعض تسميتها ب«سياسة التقشف".
مهما كانت التسمية التي يمكن إطلاقها على هذه السياسة التي لا بديل عنها في هذا الظرف العصيب، فإن وعي جميع الأطراف حكومة وتنظيمات مهنية واقتصادية واجتماعية وحتى العمال أنفسهم، بأن الوضع مفروض على الجزائر، أوجد توافقا بين الجميع بضرورة إيجاد الحلول المستديمة، لتجاوز المرحلة وتجنيب البلاد الوقوع فيها مجددا، لاسيما في ظل توفر الجزائر على إمكانيات وقدرات هائلة ومتميزة، من موارد طبيعية وقدرات صناعية وكفاءات بشرية، من شأنها إخراج البلاد من الأزمة وجعلها اقتصادا ناشئا وقوة اقتصادية رائدة على المستويين الإقليمي والدولي.
ثورة "التحرير" الاقتصادي
الوضعية العصيبة التي يمر بها الاقتصاد الوطني، منذ بداية أزمة تراجع أسعار النفط في عام 2014، دفعت الحكومة بتوجيهات من السلطات العليا في البلاد إلى إعلان ثورة حقيقية لتحرير الاقتصاد الجزائري من مخالب التبعية للمحروقات، وما تفرضه من خضوع لسلطان البورصات العالمية والعوامل الخارجية الطارئة، لا سيما أن الاهتزازات الأولى لهذه الأزمة وقعت آثارها بشكل مباشر على البرنامج العمومي لدعم التنمية، الذي خطت فيه الدولة أشواطا معتبرة، تعززت من خلالها العديد من المكاسب، قبل تردي الوضع الاقتصادي الذي أجبر الحكومة على تجميد المشاريع التي لم تنطلق، وإرجاء العديد منها إلى مرحلة لاحقة..
الواقع هذا، ساق المقررين في البلاد إلى التفكير في جعل من مرحلة الأزمة مرحلة انتقالية تسير سلبياتها وتأثيراتها بحكمة تامة، تشمل على وجه الخصوص ترشيد الإنفاق العمومي ومنح الأولوية للمشاريع والعمليات المجدية، والبحث عن موارد جديدة لدعم خزينة الدولة، على أن تقترن هذه السياسة مع الحلول المستديمة التي تفرض استغلال كل ما تتوفر عليه البلاد من إمكانيات وموارد في بعث اقتصاد متنوع وقوي، يستجيب في البداية للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للجزائريين، ويصل فيما بعد إلى اقتصاد ناشئ وتنافسي.
دعم القطاعات البديلة للمحروقات
المحاور الرئيسية التي يقوم عليها مسعى الحكومة في تجسيد التحول الاقتصادي، ترتكز على دعم القطاعات الاقتصادية التي تملك فيها الجزائر كل عوامل النجاح ومقومات النمو، وبإمكانها الاستجابة للطلب المتزايد على الشغل وتقليص نسبة البطالة التي عادت إلى الارتفاع إلى مستوى 11 ٪ بفعل تأثيرات الأزمة العالمية. وتم لهذا الغرض تحديد 14 قطاعا حيويا، يمكن أن تشكل القاطرة لتطور الاقتصاد الوطني، وتملك كل المؤهلات لتكون البديل الحقيقي لقطاع المحروقات، لما منها قطاعي الصناعة والفلاحة، حيث لم تتأخر الدولة في تكثيف التدابير التحفيزية الممنوحة للمستثمرين في القطاع الأخير، عبر تسهيل عمليات منح الامتياز وإقرار آليات دعم الفلاحين الشباب، بالموازاة مع إطلاق العديد من المشاريع الصناعية وإعادة بعث قاعدة صناعية وطنية قوية، تجلت أولى ثمارها في مصانع تركيب السيارات والبتروكيمياء والصناعة الغذائية ومصانع الإسمنت والمركبات الضخمة لتحويل الحديد والفولاذ، على غرار مصنع الأنابيب الفولاذية بوهران ومصنع "التوربينات" بعين توتة بباتنة.
وليس غريبا أن تمنح الدولة كل التسهيلات اللازمة لبعث هذه المشاريع الضخمة، بالنظر إلى ما تدره هذه الأخيرة من مزايا تصب في مجملها في الأهداف المسطرة من قبل الحكومة في مجال دعم الإنتاج وبناء قاعدة أولى للتصدير انطلاقا من المواد التي تنتجها هذه المصانع، كالإسمنت والحديد..
صاحبت الحكومة جهودها للنهوض بهذه القطاعات، بترسانة من القوانين التي تتضمن تحفيزات لأصحاب المشاريع والمؤسسات المنتجة، وتدابير تلزم هذه الأخيرة بالمساهمة في الجهد الوطني في مجال التشغيل والمناولة التي تعتبر إحدى آليات تشجيع مشاريع الشباب.
تغيير الذهنيات والقضاء على الاتكالية
في نفس السياق، وجهت الحكومة بتوجيهات من القاضي الأول في البلاد جهودها في إطار تنفيذ مرحلة التحول الاقتصادي الذي يمتد إلى سنة 2030، ويبدأ بمخطط ثلاثي لدعم النمو (2017-2019)، نحو إقرار التدابير القانونية والإجرائية التي تسمح بالقضاء على البيروقراطية، والعراقيل الإدارية التي كانت تتسبب في تعطيل المشاريع وتنفير المستثمرين، دون المساس بمبدأ سيادة الدولة على الممتلكات العمومية، وطابعها الاجتماعي المكرس في الدستور، فضلا عن تحرير مبادرات لدى أصحاب القرار على المستوين المركزي واللامركزي، من خلال إقرار قانون رفع التجريم عن فعل التسيير، وإقرار تدابير تسهيلية في قانون الاستثمار الجديد تمنح للمسؤولين المحليين دورا اقتصاديا، بإقحامهم في جهود ترقية الاستثمار ومرافقة المستثمرين، ودعم المشاريع التي ينجزها الشباب على المستوى المحلي.
كافة الإجراءات التي اتخذتها الدولة ضمن هذا المسعى، تهدف بالأساس إلى تغيير الذهنيات وكسر العقيلات المتصلبة التي حالت دوما دون المساهمة الإيجابية في الجهد الوطني الذي يصب في نهاية المطاف في خدمة المواطن والوطن، وهي إجراءات تسعى من خلالها الحكومة إلى بلوغ أهداف أسمى، تشمل على وجه الخصوص القضاء على ظاهرة "الاتكالية" التي عششت في عقول المسيرين الجزائريين "من المسؤول الكبير إلى الموظف البسيط"، على حد تعبير الوزير الأول بوهران..
القضاء على مبدأ "الاتكالية" واستبداله بمبدأ الاعتماد على النفس يشكل مفتاح النجاح الذي تعول عليه الجزائر لتجسيد التحول الاقتصادي المنشود، لاسيما أن هذا المبدأ الذي يكرس مقومات التطور الاقتصادي يحمل أيضا أبعادا اجتماعية، تتجلى في تشجيع المتعاملين، خاصة الشباب منهم، على إقامة مشاريعهم وبعث مؤسساتهم التي تساهم من جهتها في فتح مناصب شغل ودعم جهود الدولة في تقليص ظاهرة البطالة.
تحول دور الدولة من التوجيه إلى المرافقة
النجاح الذي حققته التجارب الأولى التي خاضها المتعاملون الاقتصاديون في إطار مرحلة التحول الاقتصادي التي تعيشها البلاد، والتي أثمرت بإطلاق عدة مؤسسات ناشئة أثبتت نجاعتها وقدراتها الكبيرة في الإنتاج وحتى التصدير، فرض تحول دور الدولة من التوجيه والإقرار إلى المرافقة والمتابعة، لاسيما في ظل تأخر بعض القطاعات في مواكبة مسار التحول الذي انطلقت فيه البلاد، ومنها القطاع المصرفي، وقطاع الجمارك الذي استفاد مؤخرا من تشريع جديد يضفي مرونة أكبر في تعاملاته مع المتعاملين الاقتصاديين.
هذه المهام التي تسمح برفع كل العراقيل القائمة في وجه المستثمرين وأصحاب المشاريع، سواء في بداية بعث المشروع أو عند الإنتاج، وصولا إلى مرحلة تسويق المنتجات، عملت الحكومة على تكييفها وفقا للمتطلبات والانشغالات المطروحة من قبل المتعاملين من جهة، وحرصا على الاستجابة لحاجة البلاد إلى مشاريع ذات مردودية اقتصادية وانعكاسات أكبر على التنمية من جهة أخرى.
هذه الحاجة دفعت الحكومة إلى تشجيع مبدأ الشراكة بين القطاع العمومي والقطاع الخاص، كخيار ضامن لنجاعة المشاريع ومحقق للتكامل بين الخبرات والمهام الذي يحملها كل قطاع، فضلا عن ما يحمله هذا المبدأ الذي شكل موضوع ومسعى توسيعه محور اجتماع مجلس مساهمات الدولة قبل يومين، من بعد تضامني، يكرس وعي المجموعة الوطنية بأهمية التعاون وتكثيف جهود كل الفاعلين من أجل تحقيق أهداف السياسة الوطنية للتحول الاقتصادي، والتي تضمن في الأخير تطور اقتصاد البلاد وتدعيم المكاسب الاجتماعية للمواطن الجزائري.
رغم تداعيات أزمة عالمية خانقة ... الدستور كرّس المكاسب الاجتماعية والسياسية
يحيي الجزائريون عيد العمال هذه السنة في ظروف سياسية مميزة، تتقدمها الانتخابات التشريعية للرابع ماي، المنظمة في إطار دستور جديد، رسخ الطابع الاجتماعي للدولة وكرس دفاعها عن العدالة الاجتماعية من خلال القضاء على الفوارق والتفاوت بين فئات المجتمع وجهات الوطن..
هذا المكسب الهام الذي جاء ليعزز المكاسب الكثيرة التي تحققت للشعب الجزائري عامة، والطبقة الشغيلة على وجه الخصوص، يستدعي مواكبته من قبل ممثلي الشعب الذين سيحضون بثقته بمناسبة الموعد الانتخابي القادم، عبر المساهمة في سن القوانين والتشريعيات التي تضمن له حقوقه المهنية والاجتماعية كاملة. فالمطلوب من النزلاء القادمين إلى المجلس الشعبي الوطني، عن طريق اقتراع 4 ماي، مواجهة التحديات المطروحة أمام عالم الشغل ومواكبة انشغالات فئات كثيرة من العمال الجزائريين، لا سيما في ظل غضب بعض الفئات المنزوية تحت لواء النقابات المستقلة والفيدراليات القطاعية، والتي لم تتوان في الإعلان عن دخولها في إضراب بمناسبة اليوم العالمي للعمال، رافعة مطالب تدعو إلى تحسين أوضاع العمال وإلغاء قانون التقاعد الجديد.
كما يتعين على ممثلي الشعب المنتظرين، أن يكونوا في مستوى الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة ممثلة في أعلى سلطتها، حفاظا على الامتيازات التي اكتسبتها فئة العمال والمتقاعدين خلال السنوات ال15 الأخيرة، "ويكفي رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة شرفا أنه جنب غلق المؤسسات وتسريح العمال في عز الأزمة التي عصفت بغالبية دول العالم" على حد تعبير الأمين العام للمركزية النقابية عبد المجيد سيدي السعيد.
تكريس مبدأ العدالة الاجتماعية
الجزائر التي اختارت "الطريق الصعب" على حد وصف الوزير الأول - في مقاومتها لتداعيات الأزمة الدولية الخانقة، ومحافظتها على طابعها الاجتماعي المكرس في بيان ثورة الفاتح نوفمبر المجيدة، استطاعت بفضل السياسة الرشيدة والحلول الاستباقية التي قررها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، للتحرر من ضغط المديونية الخارجية، لازالت تقاوم بفضل قيادتها، إملاءات وضغوط الهيئات المالية والاقتصادية العالمية التي تدعوها إلى الكف عن سياسة الدعم الوطني، لإنقاذ الاقتصاد، تشبتا بطابعها الاجتماعي ومبدأ التضامن الذي رسخته قيم الثورة التحريرية وكره الدستور الجديد.
هذا الأخير الذي ينص في ديباجته على أن "الشعب الجزائري يظل متمسكا بخياراته من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية والقضاء على أوجه التفاوت الجهوي، ويعمل على بناء اقتصاد منتج وتنافسي في إطار التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة"، رسخ في أحكامه كافة الأعمال الواجب على الدولة تجسيدها في الميدان ضمانا للحقوق الاجتماعية المشروعة للشعب، سواء في مجال مجانية التعليم والصحة، وصولا إلى حق المواطن في العمل والسكن وحقه في العيش الكريم..
ورافقت الدولة بقيادة الرئيس بوتفليقة المبادئ المكرسة للعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين في التنمية عملا، من خلال مشاريع التنمية الضخمة التي تجسدت في الميدان عبر مختلف ولايات الوطن، لاسيما تلك التي عرفت خلال العشرية السوداء عزلة خانقة وحرمانا تاما، انتهى بنزوح الكثير من سكانها إلى المدن الكبرى، مما تسبب في إحداث إخلال في التوازن التنموي بين المناطق والأقاليم.
وتشهد اليوم المصانع الكبرى التي انطلقت في الخدمة عبر العديد من الولايات التي كانت مناطق كثيرة منها محرمة في فترة المأساة الوطنية، على الحرص الذي تحمله الدولة من أجل التوزيع العادل للمشاريع الاستثمارية التي لها مزايا على الوضع المعيشي للسكان، وتتيح فرص التشغيل وتحسين التنمية المحلية.
في هذا الإطار، أكد الرئيس بوتفليقة في خطابه بمناسبة الذكرى المزدوجة الأخيرة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العامل للعمال الجزائريين، أن الجزائر ستظل بلد العزة والكرامة لجميع أبنائها، تضمن الحق في العيش الشريف وتحرص على حقوق عاملاتها وعمالها ومتقاعديها، كما ستبقي بلدا حريصا على ضمان مستقبل أجياله الصاعدة، مشيدا بالدور التاريخي الذي أداه العمال الجزائريون سواء إبان الثورة التحريرية أوفي مسيرة تشييد الوطن، أو من خلال الدفاع عن أمن واستقرار البلاد ووحدتها خلال فترة المأساة الوطنية، وتبنيهم سياسة المصالحة الوطنية.
وإذ جدد تمسك الدولة بخياراتها الاجتماعية، ومواصلة جهودها من أجل صنع التنمية الاقتصادية التي تعزز السيادة الوطنية وتضمن كرامة المواطنين، دعا جميع الجزائريين والجزائريات إلى المساهمة في نهضة قوية متعددة الجوانب، تعيد مسار بناء الاقتصاد الوطني، معربا عن قناعته على قدرة الشعب الجزائري ربح معركة الإنتاج والتنافسية.
شراكة ثلاثية رائدة مؤطرة بعقد والتزامات
ساهمت سياسة الشراكة القائمة بين أطراف الثلاثية الممثلة في الحكومة والنقابة وأرباب العمل بشكل كبير في ضمان تنفيذ برامج الدولة في تطوير الاقتصاد الوطني، والتكفل بالتحديات الكبرى المطروحة أمامه في جو من الاستقرار والسلم الاجتماعيين، مستفيدة من دعم أرباب العمل والتزامهم بالمشاركة في تجسيد محاور التنمية المسطرة، وتلبية الانشغالات المعبر عنها من الطبقة الشغيلة، الممثلة من قبل الاتحاد العام للعمال الجزائريين.
هذه التجربة الرائدة التي تمتاز بها الجزائر والمؤطرة بالعقد الوطني للنمو، لقيت ترحيبا واسعا من قبل الهيئات الدولية المتخصصة في مجال العمل، ومن قبل الاتحاد الإفريقي الذي دعا إلى تعميمها في مختلف الدول الإفريقية، للاستفادة من مزاياها في دعم الاستقرار الاجتماعي وتحقيق التعاون بين كل الأطراف الوطنية بهدف إنجاح السياسات الوطنية للتنمية والرقي.
هذه المزايا دفعت الحكومة في الفترة الأخيرة إلى جعل اجتماعات الثلاثية لقاءات جامعة ومفتوحة لكافة النقابات، بما فيها النقابات المستقلة، حرصا على الحوار البناء والتشاور الواسع التي يضمن الجدية والفعلية للقرارات المتخذة خلال هذه اللقاءات.
كما عززت الدولة علاقتها مع الطبقة الشغيلة باتباع مرونة وليونة في التعامل مع الملفات الحساسة التي تشغل هذه الفئة وتستجيب لتطلعاتها، تكريسا لمبدأي الديمقراطية التشاركية وبناء دولة المواطنة التي ينص عليها الدستور الجديد، وتجلى هذا الحرص في تجاوب رئيس الجمهورية مع الفئات العمالية الغاضبة حول إقرار القانون الجديد للتقاعد، وتدخله لإعلان إرجاء تطبيقه على الفئات التي استكملت 32 سنة من العمل ويصل سنهم إلى 60 سنة في عامي 2017 و2018.
في نفس الإطار، جاء إعلان الوزير الأول عبد المالك سلال بأن 2017 ستكون سنة الثقة بين السلطات العمومية والنقابات، في خطوة إضافية لتقوية المسعى التشاوري والتواصلي الذي تعمل الحكومة على تجسيده على أرض الواقع، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية الذي يحرص في كل اجتماع لمجلس الوزراء على ضرورة الإصغاء للمواطن والتجاوب مع انشغالاته.
تضحيات مستمرة للطبقة الشغيلة
الجزائر التي بلغت اليوم وباعتراف الهيئات الدولية المختصة، الأهداف التنموية للألفية التي حددتها منظمة الأمم المتحدة في مجالات عديدة، دون المساس أو التنازل عن مبادئها وأهدافها المرسخة في بيان الفاتح نوفمبر 1954، لا سيما منها مبدأ الحفاظ عن الطابع الاجتماعي التضامني للدولة، لازالت الطريق معبدة أمامها لتحقيق أهداف التطور وبناء اقتصاد ناشئ حددت رزنامة تحقيقه في عام 2020، عبر تثمين كافة الإمكانيات والموارد التي تزخر بها، وفي مقدمتها الموارد البشرية والكفاءات الواسعة التي تعتبر أثمن ثروة تمتاز بها البلاد.
الحديث عن حكمة قيادة البلاد برسمها لسياسيات محكمة جنبت الدولة الانهيار، وحافظت على مكاسب العمال، يقود بالضرورة إلى الثناء على تضحيات الشعب الجزائري، والتفافه حول قيادته في أعصب الظروف التي مرت بها البلاد، بما فيها المرحلة الراهنة التي تطغى عليها أزمة اقتصادية خانقة، أدت في العديد من الدول إلى غلق عدد من المؤسسات وتقليص في تعداد العمال، في وقت قاومت الجزائر تداعيات الأزمة في الميدان، وواجهت بنجاح وبفضل وعي شعبها وعمالها بالدرجة الأولى، "الأفكار والنظريات التشاؤمية" التي أطلقتها بعض الأطراف بغرض التهويل وتخويف الشعب من هاجس مصير مجهول، خاصة خلال إقرار قانون المالية الأخير. ليؤكد الجزائريون في هذه المرحلة التي يجزم الكثير أنها لن تطول، بأنه خلق من أجل المقاومة والكفاح والانتصار على المحن والأزمات، مثلما فعل في السابق في محطات تاريخية مرت بها البلاد وسجلت عظمته.
قانون العمل الجديد ... يعرض على الخبراء قبل « الثلاثية»
يتزامن الاحتفال باليوم العالمي للعمل في الجزائر هذه السنة، مع ترقب الطبقة الشغيلة لصدور قانون العمل الجديد الذي لازالت مسودته محل إثراء شركاء الحكومة، في ظل جدل كبير أثارته بعض الأطراف من النقابات المستقلة والأحزاب السياسية حول تراجع هذا المشروع عن المكاسب الاجتماعية والمهنية للعمال.
ففي وقت اعتبرت النقابات المستقلة بأن مشروع هذا القانون المقرر عرضه على الدورة البرلمانية القادمة يعمل على خدمة مصالح أرباب العمل، على حساب مصالح العمال، لما تضمنه من مواد اعتبرها "هشة" تكرس حسبها التراجع عن المكتسبات والحقوق المشروعة للطبقة الشغيلة، انتقدت بعض الأحزاب السياسية بمناسبة الحملة الانتخابية لتشريعيات 4 ماي القادم هذا المشروع الذي يسجل حسبها تراجعا في الحق النقابي المكرس في الدستور.
ونددت الأمينة العامة لحزب العمال، بما تضمنه المشروع أيضا من تخفيض في سن القانون للعمل واعتبرته مشجعا على عمالة الأطفال، فيما رأت بعض الجهات الأخرى في هذا المشروع، تشجيعا على التحرش بالمرأة العاملة، وهي كلها انتقادات اعتبرتها وزارة العمل غير مؤسسة، معلنة عن طرحها مسودة المشروع على الإثراء من قبل الشركاء الاجتماعيين ومن بينهم الاتحاد العام للعمال الجزائريين.
وأمام تجند التكتل النقابي الذي لا يزال مصرا على مواصلة احتجاجاته لإسقاط قانون التقاعد الجديد وحمل الحكومة إلى إعادة صياغة مسودة مشروع قانون العمل، "مادام أنه لا يزال في شكل مسودة"، لم يتوان وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي محمد الغازي، في اعتبار هذا المشروع من بين عشرة أحسن قوانين في العالم لما يتضمنه من حقوق وحماية للعمال في مختلف الميادين، مؤكدا أن هذا الأخير سيكرس المكاسب الاجتماعية وحقوق العمال.
ممثل الحكومة الذي فتح أبواب الحوار واسعة أمام مختلف النقابات المستقلة من أجل إشراكها في مناقشة المشروع، تنفيذا لتعليمات الوزير الأول عبد المالك سلال، فند تراجع الدولة من خلال هذا المشروع عن مكاسب العمال، لاسيما منها حق الإضراب وتأسيس النقابات. وأشار إلى أن مصالحه أرسلت مشروع القانون إلى الشركاء الاجتماعيين من أجل إثرائه في إطار لجان مختلطة، على أن ينتظم لقاء مع الخبراء في شهر رمضان المقبل من أجل تقييم المشروع وإبداء الملاحظات الضرورية التي سترفع حسبه إلى اجتماع الثلاثية القادم لتناوله وإقراره.
يحتفظ هذا المشروع حسب المسؤول الأول عن قطاع العمل، بغالبية الأحكام والمكاسب التي أقرها قانون العمل 90/11، مع الأخذ في الحسبان بعض الاعتبارات الجديدة، على غرار القوانين الدولية التي تستند إليها المنظمة العالمية للعمل، والمستجدات المترتبة عن انتهاج البلاد للتحول الاقتصادي بغية إعادة بناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع.
ولطمأنة الطبقة الشغيلة حول فحوى هذا النص الجديد، حرص ممثل الحكومة على أن العمل الكبير المرتبط بإثراء هذا المشروع وصياغته في الوثيقة النهائية، سيتم على مستوى لجان مختلطة مشكلة من ممثلي الحكومة وأرباب العمل وكذا ممثلي العمال (الاتحاد العام للعمال الجزائريين).
ويرتقب أن يتزامن عرض مسودة قانون العمل للنقاش في رمضان المقبل، مع استكمال اللجنة المشتركة التي تم تنصيبها لإعداد قائمة المهن الشاقة التي يستفيد أصحابها من استثناءات، خاصة في قانون التقاعد الجديد، لعملها وإحالة القائمة على الحكومة من أجل المصادقة عليها قبل عرضها على البرلمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.