أكد قادة دول منطقة الساحل الخمسة الذين التقوا أمس، في قمة بالعاصمة المالية باماكو، وحضرها الفرنسي ايمانويل ماكرون، على أهمية تشكيل قوة عسكرية قادرة على تجسيد إستراتيجية مشتركة لمحاربة عناصر التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة الساخنة. وكشف الرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كايتا، أن تحقيق هذا الهدف يستدعي قوة قوامها خمسة آلاف رجل بميزانية لا تقل عن 423 مليون أورو التزمت كل دولة من الدول الخمس بدفع عشرة ملايين أورو كمساهمة لإعطاء إشارة تشكيلها. والتقى رؤساء دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وتشاد في أول قمة مع الرئيس الفرنسي الجديد في محاولة لإعادة ترتيب الأوراق الأمنية في منطقة مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل تنامي العمليات الإرهابية التي مست خلال السنوات الأخيرة، هذه الدول وخاصة في مالي والنيجر وصولا إلى بوركينا فاسو. وقال الرئيس المالي خلال ندوة صحفية عقدها رفقة نظيره الفرنسي، إن كل دولة من دول المنطقة مطالبة بدفع المبلغ المشار إليه في وقت التزم فيه الاتحاد الأوروبي بتخصيص 50 مليون أورو لدعم فكرة إنشاء هذه القوة. وتبقى هذه المبالغ ضئيلة جدا إذا سلّمنا بقيمة الميزانية الإجمالية التي يجب رصدها لجعل هذه القوة قادرة على صد الخطر الإرهابي المتنامي في منطقة تحولت إلى ملاذ آمن لمئات الإرهابيين الفارين من العراق وسوريا وليبيا. وهو العائق الذي جعل الرئيس الفرنسي يتعهد بعقد قمة للدول المانحة خلال الأشهر القادمة، من أجل توفير الأموال التي تمكن القوة الإفريقية من الاضطلاع بمهامها الميدانية بالفعالية التي يتطلبها الموقف العسكري. ويتأكد من يوم لآخر أن فرنسا لم تعد تحتمل دفع التكاليف الباهظة المترتبة عن تدخلها العسكري في شمال مالي ضمن عمليتي «سيرفال» بداية سنة 2013، ثم «بارخان» صيف سنة 2014 لمحاربة عناصر التنظيمات الإرهابية، ولكنها تيقنت بعد خمس سنوات أن عبء الحرب مكلّف جدا ويستدعي تظافر الجهود الدولية لضمان نجاح هذه العملية. وهو ما يفسر قيام الرئيس الفرنسي الجديد بأول زيارة خارج أوروبا إلى دولة مالي، ضمن رسالة باتجاه دول منطقة الساحل أن بلاده لن تواصل تمويل قوة عملية «بارخان» المقدر تعدادها ب3000 رجل لوحدها بسبب أموال باهظة لم تعد الخزينة العمومية الفرنسية قادرة على تمويلها، وأن الدول المعنية مطالبة بالمشاركة في هذا الجهد العسكري. ولم يخف الرئيس ايمانويل ماكرون، مثل هذه الحقيقة عندما حث رؤساء الدول الذين حضروا إلى باماكو على جاهزية أكبر لقوات بلدانهم في محاربة الخطر الإرهابي الذي أصبح يتهددهم وخاصة بعد أن رفض مجلس الأمن الدولي، بضغط أمريكي مشروع لائحة فرنسية لتشكيل هذه القوة وتخصيص ميزانية لها واكتفى فقط بالترحيب بها. واكتفى الرئيس الفرنسي أمام هذه الخيبة بتعهد يقضي بتمكين هذه القوة من 70 عربة عسكرية ودعم مالي بقيمة 8 ملايين أورو إلى غاية نهاية العام الجاري، في نفس الوقت الذي عبّر فيه عن أمله في أن يسمح الاجتماع التشاوري الفرنسي الألماني المنتظر عقده يوم 13 جويلية القادم، بإصدار موقف مشترك بخصوص الإسهام في دعم هذه القوة. ولكن الرئيس الفرنسي وبلغة فيها الكثير من البراغماتية أكد لنظرائه الأفارقة أن نجاح هذه المهمة يبقى مرهونا بمدى قدرتها في إقناع المجموعة الدولية بصدق نواياها في التصدي للإرهاب. وهو رهان يصعب تحقيقه على الأقل في الوقت الراهن إلى درجة أن الرئيس التشادي إدريس ديبي، هدد بالانسحاب من هذه القوة بسبب متاعب الميزانية التي تستدعيها تشكيل هذه القوة وخاصة وأن بلاده تحارب ضمن مهمة الأممالمتحدة في مالي والقوة الدولية المكلفة بمحاربة تنظيم بوكو حرام الإرهابي في نيجيريا ودول حوض بحيرة تشاد.