حاولت «المساء» من خلال الاحتكاك بعدد من الرياضيات اللواتي حصدن الألقاب في الماضي ورفعن علم الجزائر عاليا بمناسبة مشاركتهن مؤخرا في «المنتدى الوطني للمرأة والرياضة»، بحث الأسباب التي أدت إلى تقهقر الرياضة النسوية في الجزائر، حيث تباينت واختلفت ردود أفعالهن في التشخيص، كل من زاويتها، غير أنهن اتفقن على سبب واحد، اعتبرنه السبب الرئيس في التراجع، وهو عدم اهتمام المسؤولين بالمرأة الرياضية، الأمر الذي جعلها، على حد قول البطلة العالمية في ألعاب القوى حسيبة بولمرقة، تعيش أسوأ حالاتها منذ الاستقلال. بطلة ألعاب القوى حسيبة بولمرقة ل «المساء»: لا يوجد استراتيجية واضحة للرياضات النسوية تحدّثت البطلة العالمية في ألعاب القوى حسيبة بولمرقة رئيسة لجنة المرأة والرياضة وعضو المجلس التنفيذي باللجنة الأولمبية في هذا اللقاء، مع «المساء» عن نظرتها إلى الرياضة النسوية في الجزائر، مشخّصة أسباب تراجعها، ومقترحة في الإطار بعض الحلول التي تعتقد أنّها كفيلة برد الاعتبار للمرأة الرياضية التي تراجعت بشكل كبير من حيث الأرقام المسجلة على مستوى كلّ الرياضات. ** إلام ترجعين تقهقر الرياضة النسوية في الجزائر؟ -- يمكنني حصر هذا التراجع بالنظر إلى تقلّص عدد الممارسات لمختلف الرياضات وخاصة في المناطق الداخلية، وهو في اعتقادي راجع لأسباب اجتماعية من جهة، وإلى أسباب مادية بالدرجة الأولى، فليس هناك مثلا أندية في المستوى المطلوب. كما يغيب التوازن بين الإمكانيات المتاحة وبين الممارسين الرياضيين والرياضيات، حيث تعطى دائما الأولوية للرياضيين الذكور، فضلا عن ضعف التكوين النوعي، وغيرها من الأسباب التي توحي بعدم وجود استراتيجية واضحة عندما يتعلّق الأمر بالرياضيات النسوية رغم أنّ الميدالية الذهبية الأولى التي حازت عليها الجزائر كانت من امرأة، ومع هذا تعيش الرياضة التهميش. ** في رأيك، ما هي أكثر الرياضات التي سجّلت فيها المرأة تراجعا ملموسا؟ -- نذكر مثلا على سبيل المثال الرياضات الجماعية مثل كرة اليد والكرة الطائرة وكرة السلة، أما فيما يتعلق بالرياضات الفردية فأذكر مثلا التنس، السباحة، ألعاب القوى المصارعة، والمبارزة التي كانت الجزائر من الدول البارزة في الميدان. وكان لدينا مدربون أكفاء في مدينة عنابة وقسنطينة وسطيف، والتي، للأسف الشديد، تراجعت كغيرها من الرياضات؛ سواء بالنسبة للممارسين من الذكور أو الإناث. ** ما الذي تقترحينه كرياضية وعضو باللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية للنهوض بالرياضة النسوية؟ -- النهوض بالرياضة النسوية والعودة بقوّة إلى المشاركة في المنافسات الدولية وتسجيل أرقام عالمية يحتاج إلى إشراك الجميع لرد الاعتبار لها، خاصة أنّ الجزائر تملك طاقات كبيرة في مختلف الرياضة. وبالمناسبة أوجه دعوة لجميع الفاعلين بمناسبة انعقاد المنتدى الوطني للمرأة والرياضة لوضع الخلافات الشائكة التي مسّت الحركة الرياضية كثيرا وبمصلحة الرياضيين، جانبا، لأنّ الرياضة يفترض أنّها تجمع ولا تفرّق ولا بدّ من فتح المجال واسعا لإقحام الفئة الشابة الموهوبة من خلال تأطيرها، لتتمكّن من النجاح وكسب الألقاب العربية ولم لا العالمية. ** ألا تعتقدين أنّ العناية بالرياضة تبدأ من المدارس؟ -- حقيقة، بالنسبة لي أعتقد أنّ الاهتمام بالرياضة يبدأ من العائلة التي تلعب دورا بارزا في مرافقة المواهب، ومن ثمة يأتي دور المدارس والنوادي التي هي الأخرى يفترض أن تتكفل بالتأطير والتوجيه، وبالتالي ما نحتاج إليه هو تضافر الجهود وتحويل الاقتراحات إلى واقع ملموس، وهذا لن يتحقق إلاّ بدعم من وزارة الشباب والرياضة، المطالَبة اليوم بالتدخّل للعناية بالرياضيات. صليحة زاكي بونمري مدربة سابقة لكرة اليد بالفريق الوطني: عدم الامتثال للنصوص القانونية أضرّ بالرياضة النسوية شخّصت الأستاذة صليحة زاكي بونمري مدربة سابقة لكرة اليد بالفريق الوطني وأستاذة بالمدرسة العليا للرياضة، واقع الرياضة النسوية من الناحية القانونية بمناسبة مشاركتها في المنتدى الوطني ل «الرياضة والمرأة» في الجزائر. وأكّدت في حديثها إلى «المساء»، أّن الجزائر فيما يخص النصوص القانونية التي تعتني برياضيين، متقدمة كثيرا مقارنة ببعض الدول، «ونجد أنّ رئيس الجمهورية شجّع في أكثر من مناسبة، المرأة الجزائرية على ممارسة الرياضة وتحطيم الأرقام القياسية. كما أنّ القانون الذي صادق عليه البرلمان في 27 سبتمبر المنصرم، يحوي في نصوصه على المساهمة الفعالة للمرأة الرياضية في الحياة الرياضية، ولكن من الناحية الميدانية نجد شيئا أخر، ولعلّ هذا ما جعل الرياضة النسوية تتراجع؛ لأنّ الامتثال للنصوص القانونية ميدانيا مغيّب. وقدّم القانون الجزائري، حسب المتحدّثة، كلّ الحماية والتشجيع للرياضيات، ونبذ كلّ أوجه التمييز، لكن في أرض الواقع لا نجد ما يوحي بما ينصّ عليه القانون، «لذا أعتقد -تقول- أنه آن الأوان للتفريق بين التربية البدنية التي يقصد بها الصحة وبين الرياضة التي يقصد بها الحصول على النتائج وتحطيم الأرقام القياسية العربية والعالمية، مشيرة إلى أنّ تكوين الأبطال لا يكون في ظرف قياسي، وبالتالي لا بدّ من إعطاء الوقت الكافي على الأقل عشر سنوات، للتدريب والتكوين مع احترام كلّ مراحل التدريب والتربّص؛ لأنّ الهدف تكوين رياضي وليس لاعبا. وفي ردها على سؤال حول ما إذا كان في إمكان المرأة النجاح في تولي مناصب المسؤولية على مستوى الأندية والاتحاديات وباللجنة الأولمبية، أكدت أنّ المرأة الرياضية أثبتت أكثر من مرة، قدرتها على التسيير وتحصيل النتائج المشرفة على المستوى الدولي الذي ابتعدنا عنه كثيرا. مسعودة بخليلي إطار سابق بوزارة الشباب والرياضة: الضرر في غياب تكافؤ الفرص بين الرياضيين عندما نتحدّث عن الرياضة النسوية لا بد من الرجوع دائما إلى الماضي، حيث كانت الإرادة السياسية تدفع بالرياضة إلى الأمام، وفق استراتيجية واضحة. تقول السيدة مسعودة بخليلي إطار سابق بوزارة الشباب والرياضة وبطلة سابقة في ألعاب القوى وتردف في تصريحها ل «المساء» على هامش المنتدى الوطني للرياضة والمرأة، «أذكر أني عندما تقلدت مناصب المسؤولية بوزارة الشباب والرياضة وكُلّفت بملف الرياضة النسوية، فكّرت مباشرة في تنظيم ملتقى، وكان ذلك في سنة 1996، حيث خرجنا بتوصيات كان أهمها خلق النوادي والجمعيات التي تعنى بتطوير الرياضة وتأطيرها. كما سعيت إلى إدخال كرة القدم النسوية، غير أنّ الأمور اليوم وللأسف الشديد، تدهورت كثيرا في الرياضة النسوية»، مشيرة إلى أنّ من بين أسباب التدهور والتراجع المسجل بالرياضة النسوية، غياب تكافؤ الفرص بين الذكور والإناث، حيث تعطى دائما الأولوية للرياضيين عندما يتعلّق الأمر بتمثيل الجزائر في مختلف المنافسات خارج الوطن، وكأنّ الإناث غير معنيات في الوقت الذي تنصّ القوانين الرياضية على وجوب احترام مبدأ تكافئ الفرص، لأنه لا وجود لفرق بين الرياضيين والرياضيات رغم أنّ النتائج أثبتت أن العنصر النسوي هو من كان يشرّف الرياضة الجزائرية بالميداليات الذهبية والبطلة حسيبة بوالمرقة وبنيدة مراح، وغيرها من الأسماء دليل على ذلك. وأضافت المتحدّثة: «نتطلع اليوم للبحث عن إرادة سياسية للنهوض بالرياضة النسوية من خلال الاهتمام بقطاع التربية البدينة والرياضية، الذي يبدأ من المدارس بالتأكيد على الرياضة المدرسية، وأن نعمل على تطوير النوادي والأندية بدون التفريق بين الرياضيين». زيتوني يمينة رياضية سابقة ومدربة: ردّ الاعتبار يكون بتغيير عقلية التسيير أمضت الرياضية السابقة في ألعاب القوى يمينة زيتوني الحاصلة على أرقام قياسية عربية ودولية، حياتها في الميدان؛ إذ لم تفارق مطلقا الملاعب، فمن المشاركة بالألعاب كرياضية إلى مجال التدريب لنقل خبرتها وتجربتها الميدانية إلى الفئة الشابة. وتقول في دردشتها مع «المساء» عن واقع الرياضة النسوية بالجزائر، إنّ الرياضة اليوم للأسف الشديد، تعاني كثيرا لعدم الاهتمام بها من الجهات المسؤولة، مشيرة إلى أنّها كانت تمارس الرياضة قبل أن تتكفّل الدولة بالرياضة كقطاع، وبعد أن تكفّلت الدولة به في سنوات السبعينات، كانت الانطلاقة مشرّفة والنتائج ممتازة، ولكن اليوم للأسف الشديد رغم وجود وزارة للرياضة واتحاديات وجمعيات غير أنّنا نجد الرياضيين بحاجة ماسة إلى كل شيء في الميدان. وأشارت في حديثها إلى أنّها تدرب اليوم رياضية حائزة على البطولة الإفريقية وهي مع الصغريات، قفزت أكثر من ثلاثة أمتار. وقالت: «قدمت لي وعود لإجراء تكوينات في الخارج، لكن هذا في نظري غير كاف». وتضيف: «عندما أعود إلى أرض الوطن لا أجد أبسط شيء للعمل، اليوم نحتاج إلى إمكانات كقاعة للتدريب، وكثيرا ما ندخل في شجار للحصول على بعض العتاد للعمل، وبالتالي لا يمكننا الحديث عن أرقام قياسية في غياب الدعم والاهتمام من المسؤولين». المطلوب اليوم للنهوض بالرياضة النسوية حسب المتحدّثة هو تغيير العقليات المسيّرة، وإعطاء اهتمام أكبر للرياضة بصفة عامة، والرياضة النسوية خصوصا؛ على اعتبار أنّها الأكثر تهميشا. نادية بونمري لاعبة سابقة في كرة اليد: لم تُمنح لي فرصة نقل خبرتي المهنية وصفت اللاعبة السابقة في كرة اليد بالفريق الوطني السيدة نادية بونمري في حديثها إلى «المساء» على هامش المنتدى الوطني «الرياضة والمرأة»، وصفت الرياضة النسوية في الجزائر ب «الضعيفة» إلى حد كبير، وقالت: «شخصيا أعتقد أنّ سبب هذا التراجع يعود إلى إهمال المسؤولين الرياضة النسوية وعلى جميع الأصعدة»، مردفة أنّ السبب لا يرجع كما يدّعى إلى قلة الإمكانيات، لأنّ تجربتها في الحياة الرياضية استمرت لأكثر من ثلاثين سنة في الميدان، ورغم قلة الإمكانيات كانت النتائج مشرّفة جدّا؛ كون الرياضة فيما مضى سواء النسوية أو حتى الذكرية، كانت تسير وفق استراتيجية مسطّرة من المسؤولين عن القطاع، واليوم تعلق «أتأسف لحال الرياضة النسوية، فعلى الرغم من توفر الإمكانيات غير أنّ النتائج المسجّلة هزيلة للغاية، وجعلت الجزائر تحتل ذيل الترتيب في العديد من الرياضات على المستويين الدولي والعربي!». أكثر ما تأسفت عليه لاعبة كرة اليد أنّ خبرتها وتجربتها لم تُستغل رغم طرقها أبواب الوزارة أكثر من مرة رغبة في التدريب أو التأطير لنقل خبرتها، لكن بدون جدوى. وبالمناسبة أكّدت أنّها لا تأمل خيرا من الرياضة النسوية؛ لأنّ «الإقبال على ممارستها يتراجع»، تقول: «رغم أنّ الجزائر تحوي على العديد من المواهب والطاقات النسوية المبدعة في عدة رياضات، غير أنّ غياب العناية بها جعلها بعيدة عن الأضواء».