انطلقت فعاليات وعدة الولي الصالح سيدي امحمد بن عودة بغليزان، التي دأب سكان منطقة غليزان على تنظيمها مع بداية كل فصل خريف منذ أزيد من خمسة قرون، وتعتبر من أهم التظاهرات الكبرى التي تشهدها المنطقة، حيث يسبق التحضير لها إقامة جملة من وعدات أعراش قبيلة «فليتة» المشكلة من 25 عرشا، ومنها وعدات وادي سلام وسيدي لزرق وسيدي سعادة، لتشد بعد ذلك فروع القبيلة الرحال ثلاثة أيام قبل الموعد في اتجاه مقام الولي الصالح سيدي امحمد بن عودة، لنصب الخيم التي تتم وفق مخطط كل عرش. من تقاليد هذه الوعدة التي تدوم إلى غاية يوم الجمعة القادم، أن يشرع في خياطة الخيمة التي تضم قطع القماش المنسوج من الوبر الخام، وتمثّل كلّ واحدة عرشا، ويتنافس فروع فليتة على نقل الخيمة ونصبها في جو بهيج ممزوج بالصياح وأصوات ضرب العصي وزغاريد النساء، ليفسح المجال للفرق الفلكلورية التي تمتع الحاضرين بنغمات الزرنة والقصبة ودقات الطبول. بهذه المناسبة، تم تزيين قبة ضريح الولي الصالح منم طرف مجموعة من حفظة القرآن الكريم، بتلاوة الذكر، بالإضافة إلى فك النزاعات القائمة وغيرها، حيث يحظى هذا المقام بزيارة عشرات الآلاف من المواطنين الذين يأتون من كل أنحاء الوطن وحتى من خارجه، كما تتميّز وعدة سيدي امحمد بن عودة بتنافس أهل البلدية التي تحمل اسمه على إطعام الزوار، وتقام ألعاب الفروسية وطلقات البارود التي تجلب الكثير من المتفرجين ويتم خلالها قيادة واستعراض أحسن فرس من كل عرش، إلى جانب تنظيم سوق الربح التي يقتني منها الزوار مختلف المنتجات. يتم الإعلان عن موعد الوعدة بعد اجتماع مشايخ الفروع والعروش ال25 المكونة والمؤسسة لقبيلة فليتة، حيث تقوم بالإعلان فرقة من الرجال يحملون عمودا كبيرا يسمى «الركيزة»، وهي عبارة عن عمود خشبي كبير يستعمل فيما بعد دعامة لإحدى الخيم، وتجوب الفرقة المدن والقرى والمداشر خلال أيام الأسواق الأسبوعية، لتعلن عن موعد الوعدة عن طريق التهليل المصحوب بأنغام الغايطة والبندير، وكذا روائح البخور، وعند مرورهم بالشوارع يهديهم المواطنين مبالغ من المال ومناديل مرشوشة بالعطر، في وقت تقوم فرق أخرى من المشايخ بإعلام المواطنين عن تاريخ الوعدة بواسطة البراح، سواء وسط المدن الكبرى كعاصمة غليزان، أو بالأسواق الأسبوعية للقرى والمداشر وحتى ببعض مدن الولايات المجاورة. يوم الوعدة، تكون قبيلة فليتة خمس خماس بأعراشها ال 25 كلها حاضرة، بالإضافة إلى الزوار من كل مناطق الوطن، الذين يتم إطعامهم وإيواؤهم من طرف سكان القرية وأعراش القبيلة المعروفين بالكرم، وتتشكّل حول الضريح مجموعة من حفظة القرآن الكريم يتلون كتاب الله، فيما يلتف حول القبة الزوار في حلقات، للمبارزة بالعصي في جو تنشطه الفرق الفلكلورية البدوية و»المدادحة» و»القوالة» و»القرقابو» وغيرها من الفرق. ووفقا لأعراف المنطقة والقبيلة المتوارثة منذ حوالي خمسة قرون خلت، يتم يوم الأربعاء خياطة الخيمة، بحيث تضمّ قطع الخيمة وتتم خياطتها من طرف الحضور، وتكون هذه الأجزاء من الوبر الخام، تمثّل كل واحدة أو كل جزء عرشا من أعراش القبيلة، ويتم ذلك في مشهد شيق يعبّر عن توحيد صفوف القبيلة ويرمز إلى التآزر بينها عند كلّ طارئ. بعد ذلك، تتنافس أعراش وفروع فليتة، في مشهد تلقائي، عجيب على نقل الخيمة في منافسة يحاول فيها كلّ عرش الظفر بالخيمة، ونصبها في منافسة بالعصي، ولا يهدئ الحال حتى تنصب الخيمة، بعدها يفسح المجال للفرق الفلكلورية التي تمتع الحاضرين على وقع نغمات الزرنة وألحان القصبة والناي ودقات الطبول وتهاليل الحضرة. ومع حلول وقت الغذاء، يتنافس أهل فليتة وأهل بلدية سيدي محمد بن عودة على إطعام الزوار، ليشرع بعد ذلك في زيارة عدة أماكن مستحبة، منها حجر الباز الذي يعتبر أوّل مقصد يتوجّه إليه الزوار، حيث يتسلّقون جبلا صخريا للوصول إلى القمة ويمرون بالحجرة الباكية، بعدها يصلون إلى قبة الولي الصالح سيدي عبد القادر الواقع في أعلى قمة الجبل، يعرج بعدها الزوار على منبع المالحة، وفيها يغتسل الزوار ويتوضأون، ويتجهون إلى العبادة وهي عبارة عن مغارة يجتمع بداخلها يوم الوعدة الطلبة لترتيل القرآن الكريم، تيمنا بالولي الصالح الذي كان يتّخذ من العبادة مكانا للتصوف والعبادة. يحج إلى الوعدة فرسان من مختلف ربوع الوطن، قد يصل عددهم في بعض المرات إلى 500 فارس أو أكثر، للاستعراض والمنافسة، مع إطلاق البارود دفعة واحدة، في انسجام تام وتنافس كامل، حيث لكلّ علفة طلقتها ولكل عرش فرسانه وخيوله وأشعاره التي يردّدها قائد العلفة. موازاة مع ذلك، يجتمع المشايخ في حلقة تسمى سوق الربح و هو مكان رحب لجمع الصدقات، كما يتم داخل الحلقة حلّ النزاعات وتوحيد الأعراش والدعاء بالخير والبركة والربح للجميع وبالشفاء للمرضى وقضاء الحاجة، وبين ألعاب الفروسية وسوق الربح، يتفرّغ الزوّار لاقتناء ما لذّ وطاب من المنتوجات المعروضة للبيع. للتذكير، عاش الولي الصالح سيدي امحمد بن عودة في القرن ال16 ميلادي، إذ ولد سنة 972 هجرية بنواحي وادي مينا وتوفي 1034 هجرية، وسمي أمحمد بن عودة نسبة إلى مربيته عودة بنت سيدي أمحمد بن علي المجاجي، وهي عالمة متصوفة. كما عرف عنه أنه كان عالما وأسّس زاوية للعلم والتدريس ومأوى للفقراء وعابري السبيل، وتفيد المصادر التاريخية أنّ سيدي امحمد بن عودة اشتهر بجهاده ضد المحتلين الأسبان في تنس ومزغران والمرسى الكبير، وقد أمر الباي محمد الكبير ببناء قبة على ضريحه تخليدا له.