أنهى الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ إن، أمس، زيارة "سرية" و«غير رسمية" إلى الصين هي الأولى من نوعها للزعيم الكوري إلى الجارة الحليفة منذ استلامه رئاسة البلاد سنة 2011 وذلك في سياق تحولات جذرية يتوقع أن تعرفها شبه الجزيرة الكورية وكل منطقة جنوب شرق آسيا في قادم الشهور. وحملت الزيارة التي لم يكشف عنها إلا بعد انتهائها دلالات على تحولات إستراتيجية ينتظر أن تشهدها منطقة جنوب شرق آسيا، فرضها الدفء الذي طبع علاقة الكوريتين في الأشهر الأخيرة والذي انعكس بشكل مباشر على علاقات كوريا الشمالية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية واتفاق الدولتين العدوتين على عقد قمة ثنائية مباشرة بعد قمة الكوريتين نهاية الشهر القادم. ولأن الصين تبقى مفتاح الحل في كل هذه التطورات، فقد وجد الحليف الكوري الشمالي نفسه ملزما على إجراء آخر المشاورات مع بكين حول الترتيبات الممهدة لعقد هذه القمة سواء من جانب الخطوط الحمراء التي لا يمكن تخطيها أو هامش المناورة التي يمكن اللعب في إطارها وطبيعة التنازلات الواجب تقديمها لإنجاح قمتي الكوريتين أو القمة الكورية الأمريكية. فطبيعة العلاقات الصينية الكورية الشمالية التي تكرست منذ الحرب الكورية سنة 1953 جعلت مواقف البلدين متجانسة بخصوص الكثير من القضايا الدولية وجعلت مصالحهما واحدة وهو ما يجعل زيارة كيم جونغ إن، إلى بكين أكثر من هامة كونها ستحدد الإطار الذي ستسير وفقه قمة الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي من المتوقع أن تحتضنها كوريا الجنوبية على اعتبار أنها الوسيط السري بين البلدين من أجل إعادة الثقة بين دولة "محور الشر" و«الشيطان الامبريالي". وهي أيضا مناسبة للسلطات الصينية لوضع بصمتها على مستقبل العلاقات بين بيونغ يونغ وواشنطن بكيفية لا يجب أن تضر بالمصالح الصينية وخاصة أمنها القومي في بحر الصين وكل المنطقة وتراعي طبيعة العلاقة بين الحليفين الشيوعيين. وتكون الزيارة التي استغرقت أربعة أيام كاملة ولم يتم الكشف عنها إلا بعد عودة الرئيس الكوري الشمالي إلى بلاده، قد سمحت لهذا الأخير ونظيره الصيني، كسي جين بينغ ببحث كل القضايا ذات الصلة بالتطورات الحاصلة وخاصة ما تعلق بالملف النووي الكوري الشمالي والذي تريد الولاياتالمتحدة أن تجعل من القمة المترقبة بين البلدين أول محطة لبدء تفكيكه وفق مبدأ جعل شبه الجزيرة الكورية منزوعة السلاح النووي. وهو ما جعل الرئيس ترامب يصف زيارة الزعيم الكوري الشمالي إلى بكين ب "الفرصة السانحة" لاقتناع الرئيس كيم جونغ إن بالتخلي عن برنامجه النووي. وتبقى تلك هي الرغبة الملحة لدى الإدارة الأمريكية، بينما أبقت بيونغ يونغ كامل الغموض يكتنف موقفها من هذه القضية التي كانت تعتبرها إلى تاريخ قريب، خطا أحمر وهو ما فتح باب التساؤلات حول درجة التنازلات التي قدمتها، بخصوص هذه القضية الشائكة لتأكيد حسن نواياها وجعلت الإدارة الأمريكية تنقلب من نقيض العداء التام إلى نقيض التعاطي الإيجابي مع كوريا الشمالية. وحسب تسريبات وسائل إعلام رسمية صينية، فإن الرجل القوي في بيونغ يونغ أكد أنه على أتم الاستعداد لعقد قمة مع الرئيس دونالد ترامب في نفس الوقت الذي سربت فيه معلومة أخرى سارت في نفس سياق عودة الدفء التدريجي إلى العلاقات الأمريكية الكورية عندما أكدت أن الرئيس ترامب تلقى رسالة من نظيره الصيني أكد له فيها أن لقاءه بالزعيم الكوري الشمالي تم في ظروف جيدة وأن كيم جونغ إن، في شوق للقائه. فهل يمكن وفق هذه التسريبات القول مسبقا أن القمة الكورية الشمالية الأمريكية ستكون ناجحة على الأقل من وجهة نظر تخفيف درجة التوتر التي عرفتها شبه الجزيرة الكورية منذ وصول ترامب إلى سدة البيت الأبيض الأمريكي رغم تصريحات هذا الأخير بأن العقوبات الدولية المفروضة على هذه الدولة سوف لن ترفع. المؤكد أن تصريحات الرئيس الأمريكي تندرج ضمن الحرب النفسية التي عادة ما تسبق لقاءات دولتين عدوتين للتأثير على مواقف الدولة الخصم وأيضا للتكتم عن حقيقة الملفات التي ستطرح للنقاش وعدم الكشف عن الأوراق التفاوضية ذات الأهمية القسوى وتلك التي يتم طرحها على الطاولة للتمويه.