تدعمت مدونة البحث التاريخي في ولاية الجلفة، بصدور مولود جديد يؤرخ لمقاومة الحاج موسى بن الحسن المدني الدرقاوي في فترتها الزمنية بين 1831-1849، والتي تنبعث من عبق التاريخ الحضاري لمنطقة أولاد نايل، إذ يندرج هذا العمل الجماعي المشترك من حيث التأليف في بادرة هي الأولى من نوعها في الولاية، تقاسمت فيها الجهود وخطت فيها أقلام سبع باحثين ومهتمين بكتابة التاريخ، همهم الوحيد تدوين كتابات تاريخية تؤرخ للمنطقة، كما أنها تعد نتاج جمع وتمحيص وتأليف. تم التأكيد في ندوة فكرية لتقديم الكتاب، نشطت مؤخرا بمدينة الجلفة، أن المؤلف الصادر عن "دار الجلفة انفو للنشر والتوزيع" والذي يدخل في سلسلة استكتابات حول التاريخ الحضاري لبلاد "أولاد نايل" والمقاومات الشعبية بها، أريد به ليكون دعامة قوية ومرجعا في البحث التاريخي يسلط الضوء على مقاومة شعبية باسلة قادها رجل ومن معه في منطقة لها بعدها التاريخي والحضاري. يتألف هذا الكتاب الذي يجمع 397 صفحة من أربعة فصول ودراسة ملحقة. وقصد الإحاطة بموضوعه ارتأى المؤلفون إلى تتبع الترتيب الكرونولوجي لأحداث التاريخ بمنطقة "أولاد نايل"، ولم يتأت لهم ذلك إلا بالعودة إلى أول نداء جهاد بالمنطقة، وهو نداء "الحاج بن الحسن الدرقاوي المصري" بقصر مسعد سنة 1831، هذه الشخصية التي بني عليها متن الكتاب. يقول المؤلفون في المقدمة بأن شخصية "الحاج موسى بن الحسن المدني الدرقاوي" مر عليها التاريخ مرور الكرام، على الرغم من كثرة الأحداث المرتبطة بها، وهي الشخصية التي قال عنها شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله ‘"بأن حياته (أي الحاج موسى) مليئة بالمغامرات التي تستحق كتابا كاملا". بما أن سيرة المحتفى به في المؤلف جهادية مرتبطة ارتباطا وثيقا ببلاد أولاد نايل وقبائلها وقصورها، فقد اقتضى أمر كاتبيه إلى اتباع في مؤلفهم خطة تترجم ذلك، فقسموا الكتاب إلى أربعة فصول ودراسة ملحقة. تناولوا في الفصل الأول التعريف ببلاد "أولاد نايل" من الجانبين الجغرافي والحضاري، باعتبارها حاضنة مقاومة ودعوة الحاج طيلة (19 سنة). أما في الفصل الثاني، فقد تمت معالجة عشرية ثلاثينيات القرن التاسع عشر التي شهدت أهم حدث، وهو الصدام بين الأمير عبد القادر والحاج موسى في معركة "وامري" سنة 1835، حيث تناول المؤلفون الأسباب التي كانت وراء الصدام بين الإخوة في رابطة الإسلام وفي الدم، بمؤامرة من الحاكم العام الفرنسي "كونت ديرولو" والجنرالين "ديميشال" و«تريزال" واليهودي "جودا بن ديرون". تم الانتقال في الفصل الثالث إلى فترة الأربعينات التي تعتبر فترة تجسدت فيها بطولات قبائل "أولاد نايل" مع الحاج موسى والأمير عبد القادر وغيرهما، حيث لم تخيب هذه الربوع ظن كل المنادين بالجهاد، سواء من أبنائها أمثال "بلكحل وسي الشريف بلحرش وسي بن عياش والبوهالي والحران ومحمد بن عطية ومحاد بن عبد السلام والشيخ الزبدة"، وكذا من المقاومين الذين لجأوا إليها من أمثال "العربي الونشريسي والهاشمي وبومعزة ومولاي براهيم" وغيرهم كثير. انتهى الفصل الثالث من الكتاب بسرد "مسهب" عن أبطال المنطقة من خلال المرحلة والثمن الذي دفعته بلاد "أولاد نايل" قصورا ومن دمها ومالها. كما تم التعريج في الفصل الرابع وبالتفصيل، على ملاحم "أولاد نايل" سنة 1849 قبيل الملحمة الكبرى في الزعاطشة التي لعب فيها "أولاد نايل" دورا محوريا، سواء بأرضهم أو بواحة الزعاطشة التي كانت المحطة الأخيرة في حياة المقاوم الذي لا يكل ولا يمل الشهيد "الحاج موسى". اختتم العمل بدراسة حادثة مقترنة بأتباع الطريقة الدرقاوية، وهم "الدراويش" الذي رافقوا الحاج موسى في جهاده، وهي الحادثة المعروفة -يقول المؤلفون- باسم "مذبحة الدراويش" بقصر الشارف، وهي التي كانت محور يوم دراسي بالمركز الثقافي الإسلامي خلال العام الفارط، لما اعتراها من غموض وضبابية حول صدام ثان بين الأمير والحاج موسى. تم وقتها (أي في اليوم الدراسي) وعلى ضوء تلك التظاهرة، فتح المجال الزمني لهذه الدراسة والتوصل إلى عدة نتائج تبرئ ساحة الأمير عبد القادر، وتميط اللثام عن جرائم عديدة ارتكبها الفرنسيون في حق الإنسائية بقصر الشارف، الذي يبعد عن مدينة الجلفة ب50 كلم شرقا. سجين الجمجمة رقم 5942 بمتحف باريس... بالعودة إلى جماجم الشهداء الذي يقبعون بمتحف الإنسان في باريس، والتي تسعى السلطات العمومية إلى استرجاعها، نجد أن الشخصية التي كتب عليها وتم تمحيص معلوماتها وجمعها بكل الطرق من الأرشيف وعدد من المصادر وحتى بكتابات المستعمر نفسه وترجمتها، هي من بين تلك الجماجم التي تحمل رقم 5942 وتخلد من جانبها مآثر أبطال لهم بصمتهم وملاحمهم في الذود عن الوطن. وفي هذا الموضوع، أشار الباحثون في ختام مقدمتهم بقولهم بأن "أحسن ما يقدم هدية لأولئك الأبطال سجناء الجماجم ومنهم (الحاج موسى المحتفى به في كتابه)، هو تخليد ذاكرتهم بالكتابة عنهم لكي تحفظها الأجيال الصاعدة وتشعر بثقل الأمانة التي تركها الشهداء وضحوا من أجلها بالنفس والنفيس". كما يطمح المؤلفون إلى تنفيذ مقترح بالتشاور مع كل المعنيين من أهل الشهيد والسلطات العمومية، بعد استرجاع جماجم الشهداء بدفن رفات الشهيد مع جمجمته في مكان رباط معسكره ب«العين الخضرا" في بلدية الشارف، كعربون وفاء واستذكار وتخليد لملاحمه وبطولاته من أجل الوطن". الفضول والحب..هدف واحد لسبعة باحثين أجمع مؤلفو هذا العمل المشترك، ويتعلق الأمر بكل من (بلخضر شولي ومحمد شبيري وحكيم شويحة ومحمد مويسة وبن سالم عمر وبلقاسم السعيد خالدي وبن سالم المسعود)، إلى أن الفضول لكشف خبايا تاريخية ومكامن أحداث وقعت بالمناطق، ناهيك عن حبهم وشغفهم لتدوين تاريخ المنطقة وإبراز نضالات وبطولات الرجال، هو ما دفعهم جملة وتفصيلا إلى التجميع والتوثيق والبحث المضني عن كل ما من شأنه أن يدعم كتابات تاريخية بحثية أكاديمية، همهما الأكبر فيها تعزيز اللحمة وإبراز الوطنية التي كان يتحلى بها أبناء الوطن في الدفاع والذود عن أرضهم. عرفت مجريات الندوة الفكرية لتقديم الكتاب الجديد والبيع بالإهداء، والتي شهدت حضورا معتبرا من المهتمين والفاعلين في الحقل الإبداعي والتاريخي، طرح جملة من التساؤلات، مما أضفى نكهة خاصة على هذا الفعل الثقافي والتاريخي. من بين التساؤلات الجوهرية، تلك التي طرحها أحد الحضور في فعاليات الندوة سائلا؛ "كيف أن أول حملة عسكرية فرنسية وصلت إلى المنطقة سنة 1844، حسب المراجع، وتقولون أنتم (قاصدا مؤلفي الكتاب) بأن المقاومة بدأت سنة 1831" وكانت الإجابة من طرف الباحثين "أن المقاومة الشعبية في منطقة الجلفة لم تنتظر وصول جحافل القوات الفرنسية إلى المنطقة، بل كانت البادرة من خلال إعلان الحاج موسى عن الجهاد وتأسيس زاوية بمدينة مسعد عام 1831، ثم أتبعها برباط عسكري أنشأه بمنطقة "عين لخضرا" بالشارف، وكوّن جيشا وانتقل من أجل تحرير العاصمة، وقال عبارته المشهورة آنذاك "جئت لأرمي الفرنسيس في البحر وأحرر العاصمة". أضاف معدو الكتاب "أن الحاج موسى الدرقاوي تعرض لمؤامرة أحبكها آنذاك قائدي إقليم وهران الجنرالين "ديميشال" و«تريزال"، بمساعدة التاجر اليهودي "جودا بن ديرون" الذي كانت له مصالح تجارية مالية، إلى جانب مساعدة الحاكم العام الفرنسي "درووي كونت إيرلون"، واستطاعوا الإيقاع بين الحاج موسى الدرقاوي والأمير عبد القادر، لكن فيما بعد أكرم الأمير زوجة وابنة الحاج موسى وردهما له مع متاعهما ولم يحدث بينهما صراع. ❊ق.ث