أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس، أن الجزائر تسهر في ظل المحيط الإقليمي الذي تعتوره الأزمات والنزاعات وتستفحل فيه الجريمة العابرة للحدود، على حماية ترابها وسلامة شعبها، مبرزا في هذا الصدد جهد وتضحيات شبابها المنضوي في صفوف الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني وقوات أمن الجمهورية على مستوى الحدود لمكافحة بقايا الإرهاب في الجبال. واغتنم رئيس الجمهورية مناسبة إحياء الذكرى ال56 لعيدي الاستقلال والشباب لتوجيه تحية إكبار للجيش الوطني الشعبي وقوات أمن البلاد نظير التضحيات التي قدموها في سبيل الوطن، وكذا الترحم على أرواح شهداء الواجب الوطني، حيث تضمنت الرسالة التي بعث بها للشعب الجزائري بهذه المناسبة، العديد من التوجيهات للشباب من أجل رفع التحديات التي مازالت تجابه البلاد على كافة المستويات. وركز القاضي الأول في البلاد على إبراز النقائص التي مازالت تعتري الواقع التنموي، من منطلق أن مرحلة الاستقلال تقتضي مسايرة الجهاد الأكبر تجسيدا لرسالة الشهداء الذين انتزعوا الحرية من المستعمر الغاشم بتضحياتهم الجسام، مشيرا إلى أنه بالرغم من كل الإنجازات التي حققتها البلاد، فإن معارك أخرى مازالت تنتظرها وهي تتعلق بالخصوص بتنويع الاقتصاد للتحرر من التبعية المفرطة للمحروقات وتعميق الديمقراطية وترقية الحس المدني للاستفادة من تعدد الآراء والحفاظ على الاستقلال الوطني وعلى سيادة القرار الجزائري في عالم مضطرب ومتقلب. يأتي ذلك في سياق تأكيد الرئيس بوتفليقة على ضرورة عدم التقليل من المكاسب المحققة خلال قرابة ستة عقود من الاستقلال، مشيرا إلى أن ذلك يعد «مكسبا يحق لشعبنا أن يفتخر به ويحق لشبابنا خاصة أن يستلهم منه»، مذكرا بما كان عليه واقع الجزائر غداة الاستقلال من فقر معمم، وجهل فرض بحرمان أبنائها من التعليم، ومن تبعية لإطارات المستعمر التي غادرت بلادنا في بداية الاستقلال بغية شل مسيرة البناء والتشييد. ومن باب إبراز الإرادة والقدرة على التغلب على الصعاب، أشار القاضي الأول في البلاد إلى أنه على الرغم من قلة الإمكانيات المالية والقدرات البشرية، فإن الشعب الجزائري نجح في بناء دولة حديثة ذات مؤسسات تمزج بين سلطان القانون والوفاء لرسالة نوفمبر المجيدة في الحفاظ على السيادة الوطنية وفي التمسك بالعدالة الاجتماعية وفي التشبث بمكونات الهوية الوطنية. ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد، بل تواصلت مسيرة التشييد من خلال تحقيق وثبة اجتماعية وثقافية، شملت توفير التعليم والصحة والسكن وكل حاجات ما يسمى اليوم بالتنمية البشرية في جميع ربوع الوطن، كما استطاعت الجزائر بسواعد شبابها وكفاءات خريجي جامعاتها بناء قاعدة اقتصادية كانت واعدة آنذاك، يضيف رئيس الجمهورية. وخاطب الرئيس بوتفليقة الشباب بالقول إن مواجهة التحديات التي تثقل كاهل البلاد اليوم كغيرها من بلدان العالم، لن يتأتى إلا من خلال الاقتداء بالأسلاف الأمجاد والاعتماد على كافة قدرات الجزائر، التي مازالت تنتظر توظيفا أفضل، قبل أن يستطرد في هذا الصدد «الإرادة وحب الوطن يمكناننا دائما من التغلب على جميع المصاعب ومن قهر كل التحديات مهما كان حجمها». وفي سياق إبراز رمزية المناسبة التي تحمل الكثير من الدلالات البطولية للشعب الجزائري، أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر قررت أن تجعل من يوم 5 جويلية عيدا للاستقلال وعيدا للشباب، اعترافا بتضحيات الشباب الذي صنع تحرير الجزائر، مضيفا أن البلاد أقرت من خلال هذا الخيار، ضمان التواصل بين الأجيال في النضال من أجل الوطن، «نضال كان بالأمس بالسلاح وبذل الأرواح من أجل الحرية، نضال استمر ويجب أن يستمر بالجهد والعرق من أجل البناء والتشييد». وعليه لم يتوان الرئيس بوتفليقة عن التذكير بإنجازات الشهداء الأبرار والمجاهدين، والتي أفضت في النهاية إلى انتزاع استقلال الجزائر الذي «لم يأت من دون ثمن باهظ، ثمن دفعته الأجيال تلو الأجيال في مواجهة الغزو الاستعماري ومن خلال انتفاضات متتالية لكسر قيود الاحتلال. وكذا نضال سياسي قوي ومستمر، نضال اصطدم بأنانيات الاستعمار الغاشم الذي رد على مطالب شعبنا بقمع وحشي، قمع كانت أسوأ مظاهره مجازر 8 ماي 1945». واستطرد الرئيس بوتفليقة في هذا الصدد بالقول إن ثورة نوفمبر المظفرة «أتت بنتيجتها مقابل استشهاد مليون ونصف المليون من خيرة أبناء الشعب الجزائري البطل وبناته وتشريد وتهجير الملايين من أهالينا ودمار الآلاف من قرانا وبيوتنا». وثيقة نص رسالة رئيس الجمهورية بعث رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أمس، الأربعاء رسالة بمناسبة إحياء الذكرى ال56 لعيدي الاستقلال والشباب، المصادف ل5 جويلية من كل سنة، هذا نصها الكامل: «بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين حضرات السيدات الفضليات، حضرات السادة الأفاضل، أستهل رسالتي هذه، في هذا اليوم المجيد، بالترحم بكل خشوع وإجلال على أرواح شهدائنا الأمجاد الذين ناهضوا مظالم الاستعمار، عبر الأزمان والحقب، بكفاحهم وتضحياتهم إلى أن رفعوا عاليا راية الجزائر بين رايات الدول المستقلة. وبنفس المناسبة، وفي نفس الوهلة، أتوجه بالتحية ومشاعر المحبة والتقدير إلى رفقائي المجاهدين والمجاهدات، الأحياء منهم ومن قضوا نحبهم، منوّها بتضحياتهم من أجل تحرير الجزائر وبمساهمتهم في الجهاد الأكبر من أجل بناء الوطن وإعماره. أجل، سيداتي، سادتي، لم يأت استقلال الجزائر من دون ثمن باهظ، ثمن دفعته الأجيال تلو الأجيال في مواجهة الغزو الاستعماري، ومن خلال انتفاضات متتالية لكسر قيود الاحتلال، وكذا نضال سياسي قوي ومستمر، نضال اصطدم بأنانيات الاستعمار الغاشم الذي رد على مطالب شعبنا بقمع وحشي، قمع كانت أسوأ مظاهره مجازر 8 مايو 1945. إن هذا المسار المتواصل لصمود أسلافنا ونضالهم في وجه طغيان المستعمر واستغلاله، أتى بثورة نوفمبر المجيدة، ثورة كتبت صفحة لامعة في الذاكرة العالمية المعاصرة، وفي تاريخ كفاح الشعوب من أجل الحرية والاستقلال، ثورة قام بها شباب قرر اختيار الاستشهاد على الحياة تحت أقدام المحتل. إن ثورة نوفمبر المظفرة أتت بنتيجتها مقابل استشهاد مليون ونصف المليون من خيرة أبناء الشعب الجزائري البطل وبناته، وتشريد وتهجير الملايين من أهالينا، ودمار الآلاف من قرانا وبيوتنا، غير أنه كما قال الشاعر: إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر تلكم هي الملحمة الفريدة في عصرها التي نحتفل بتتويجها للمرة السادسة والخمسين. إن الجزائر قررت أن تجعل من يوم 5 يوليو عيدا للاستقلال وعيدا للشباب، اعترافا بنضال وتضحيات الشباب الذي صنع تحرير الجزائر، كما أقرّت بلادنا من خلال هذا الخيار، ضمان التواصل بين الأجيال في النضال من أجل الوطن، نضال كان بالأمس بالسلاح وبذل الأرواح من أجل الحرية، نضال استمر ويجب أن يستمر بالجهد والعرق من أجل البناء والتشييد. أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل، إذا كان يحق لنا أن نفتخر بمجد ثورة نوفمبر التي أبهرت العالم، فإن إنجازات الجزائر خلال قرابة ستة عقود من الاستقلال هو كذلك مكسب يحق لشعبنا أن يفتخر به، ويحق لشبابنا خاصة أن يستلهم منه. لقد سبق لي، في مناسبات مماثلة أخرى، أن حدثتكم عما كان عليه واقع الجزائر غداة الاستقلال من فقر معمم وجهل فرض بحرمان أبنائها من التعليم، ومن تبعية لإطارات المستعمر التي غادرت بلادنا في بداية الاستقلال بغية شل انطلاقنا في البناء والتشييد. غير أنه، ورغم قلة الإمكانيات المالية والقدرات البشرية، استطاع شعبنا العظيم بناء دولة حديثة ذات مؤسسات تمزج بين سلطان القانون والوفاء لرسالة نوفمبر المجيدة في الحفاظ على السيادة الوطنية، وفي التمسك بالعدالة الاجتماعية، وفي التشبث بمكونات الهوية الوطنية. هذا، واستطاع شعبنا، بفضل عزيمته، وكذا طليعته آنذاك من المجاهدين ومن مناضلي الحركة الوطنية، القيام بوثبة اجتماعية وثقافية من خلال توفير التعليم والصحة والسكن، وكل حاجات ما يسمى اليوم بالتنمية البشرية في جميع ربوع الوطن، كما استطاعت الجزائر بسواعد شبابها وكفاءات خريجي جامعاتها بناء قاعدة اقتصادية كانت واعدة آنذاك. أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل، صحيح أن تقلبات السوق العالمية وخاصة انهيار أسعار النفط في الثمانينات من القرن الماضي ولّدت أزمة اقتصادية ثم سياسية، وبعدها أمنية، ويا للأسف، في بلادنا. غير أن الشعب الجزائري العظيم الذي صمد في وجه استعمار دام قرابة قرن ونصف قرن، عرف كيف يتخطى هذه الأزمة المتعددة الجوانب بفضل حبه للوطن، وقدرته على التضحية حتى بالأرواح للحفاظ على الجزائر، وكذا، ومرة أخرى، تصميم شبابه على ترميم ما دمر وبناء الجديد ما هو مطلوب. وبحمد الله وبإرادتكم أيها المواطنون، أيتها المواطنات، كانت الجزائر، مرة أخرى، مثالا بالتفاف شعبها الأبي حول تعاليم عقيدته السمحة، وحول وطنه الغالي لاسترجاع الأمن والاستقرار والسلام بالجنوح إلى الوئام الوطني والمصالحة الوطنية، اللذين أصبحا نهجا وتجربة يحاول الكثير من الشعوب عبر العالم الأخذ بهما لمواجهة آفة الإرهاب المقيت. وإلى هذه الساعة المباركة، تسهر الجزائر كذلك وسط محيط تعتوره أزمات ونزاعات، وتستفحل فيه الجريمة العابرة للحدود، قلت تسهر الجزائر في هذه الظروف على حماية حرمة ترابها وسلامة شعبها، وذلك بجهد وتضحيات شبابها المنضوي في صفوف الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني وقوات أمن الجمهورية، شباب مرابط على حدودنا، شباب ما انفك يكافح بقايا الإرهاب في جبالنا. وإن هذا اليوم المميز فرصة أخرى لكي نجدد جميعا تحية الإكبار لجيشنا الوطني الشعبي وقوات أمن بلادنا، ولكي نترحم على أرواح شهداء الواجب الوطني. إخواني، أخواتي، من خلال حديثي عن هذه الملحمة المجيدة التي صنعها شعبنا عبر محطات من مسيرته ومغالبة للمصاعب، أردت أن أوجه رسالة إلى شبابنا على الخصوص، رسالة مغزاها أن الإرادة وحب الوطن يمكناننا دائما من التغلب على جميع المصاعب ومن قهر كل التحديات مهما كان حجمها. بالفعل، ورغم كل الإنجازات والخطوات التي قطعتها بلادنا، ما زالت تنتظرنا معارك أخرى يجب أن ننتصر فيها، منها معركة تنويع الاقتصاد الوطني لكي نتحرر من التبعية المفرطة للمحروقات، ومعركة تعميق الديمقراطية وترقية الحس المدني لكي نستفيد من تعدد آرائنا، ولكي نعالج جميع النزاعات بطرق حضارية، ومعركة الحفاظ على الاستقلال الوطني وعلى سيادة القرار الجزائري في عالم مضطرب ومتقلب. إنها معارك تثقل كاهل بلادنا مثل غيرها من بلدان العالم، معارك تتطلب منا الاقتداء بالأسلاف الأمجاد، معارك تتطلب القيام بالعمل المشروع بالاعتماد على كافة قدرات الجزائر التي مازالت تنتظر توظيفا أفضل. فلنكن جميعا أوفياء لتضحية الشهداء الأمجاد، ولنبني جزائر في مستوى تطلعاتهم وقدرات هذا البلد العظيم. تلكم هي أحسن طريقة لنحيي بها، سنة بعد سنة، استرجاع استقلالنا الغالي، ونمجد شهدائنا الذين حرروا وطننا المفدى، طريقة يبقى بها شبابنا الغالي أغلى مكسب الجزائر وصانع بنائها المستمر. هنيئا لكم وهنيئا لنا، إخواني أخواتي بهذا اليوم الأغر. أتمنى لكم المزيد من الهناء والازدهار في الجزائر المستقلة. عاشت الجزائر حرة مستقلة. المجد والخلود للشهداء الأبرار. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته». (واج)