لم يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من وسيلة لإسكات «الصدريات الصفراء» سوى اقتراح الحوار معهم بعد أن رفضوا بشكل قاطع وقف مظاهراتهم التي شلت كل مظاهر الحياة في فرنسا بسبب رفض الحكومة التراجع عن رفع أسعار الوقود. وقال الرئيس الفرنسي خلال تواجده بالعاصمة البلجيكية في زيارة رسمية إن الحوار يبقى السبيل الأمثل للخروج من حالة الاحتقان القائمة بين حكومته والمتظاهرين بهدف التوصل إلى حلول سريعة لهذه المعضلة. ورغم حالة الانسداد التي فرضها أصحاب «الصدريات الصفراء» بعرقلتهم منذ السبت الماضي حركة السير في مختلف المدن الفرنسية، إلا أن الرئيس الفرنسي وصف الأمر ب»العادي». وواصل الرئيس ماكرون دفاعه عن قرار حكومته قائلا إن التحول الإيكولوجي يستدعي تغيرا في العادات وهو أمر غير مريح ولكنه مفروض، معبرا عن أمله في العمل سويا مع المتظاهرين الذين دعاهم للتحلي بروح المسؤولية الجماعية خاصة وأن الضرائب المفروضة تبقى «رمزية» رغم أنها بلغت نسبة 23 بالمائة من الأسعار السابقة للتر الواحد من الوقود. ولكن الرئيس ماكرون أشار إلى المساعدات التي تقدمها الحكومة من أجل شراء سيارات أقل تلويثا للبيئة وتعويض الأشخاص الذين يتنقلون باستمرار والدعم الذي تقدمه لأولئك الذين يستعملون مادة «المازوت» للتدفئة. ويبدو أن تبريرات الرئيس الفرنسي لم تشفع له عند آلاف المتظاهرين الذين قرروا الخروج إلى شوارع مختلف المدن الفرنسية للتعبير عن رفضهم لقرارات حكومة إدوارد فليب بفرض أسعار جديدة على مختلف أنواع الوقود وجعلهم يشلون حركة السير على الطرقات السيّارة ومحطات توزيع الوقود. واشتدت القبضة بين طرفي أعنف أزمة يواجهها الرئيس ماكرون بعد أن عرفت الحملة الاحتجاجية غير المسبوقة تصعيدا أكبر منذ انطلاقها يوم السبت الماضي وجلبت إليها مؤيدين جدد حيث ارتفع عددهم من 27 ألف متظاهر شلوا الحركة في 350 موقعا قبل أن يتضاعف هذا العدد أمس، ليقارب 300 ألف متظاهر أعاقوا كل حركة في أكثر من ألفي موقع ضمن مظاهرات خلفت إلى حد الآن قتيلا واحدا و600 مصاب، حالة 17 من بينهم وصفت بالخطيرة في مواجهات اندلعت بينهم وبين قوات الأمن الفرنسية. وبقي نداء وزارة الداخلية بدون استجابة بعد أن طالبت المتظاهرين باحترام مبدأ حرية التنقل، متوعدة بأن عمليات قوات الأمن من أجل إنهاء حالة منع السير ستتواصل خلال الساعات القادمة وهو ما قد يؤدي إلى سقوط ضحايا جدد. ولم تتأخر وزارة الداخلية في تنفيذ وعيدها أمس، في تفريق المتظاهرين بالقوة عند نقاط الدفع على مختلف الطرق السريعة ومحطات توزيع الوقود ومداخل الطرق السيّارة. وشكلت موجة الاحتجاجات التي تشهدها فرنسا أكبر أزمة اجتماعية يواجهها الرئيس إيمانويل ماكرون منذ اعتلائه كرسي الرئاسة في قصر الإليزي من دون أن يتمكن من إيجاد شفرة إيقافها لتزيد في تدهور شعبيته التي بلغت أدنى مستوياتها.