يتناول تقرير «بنك الجزائر» لسنة 2017، والذي تحوز «المساء»، على نسخة منه، المؤشرات الاقتصادية والمالية للجزائر، والتي ساهم فيها الارتفاع المسجل في قطاع المحروقات في تقليص العجز ب20,2 بالمائة، مع إشارته إلى وصول احتياطي الصرف إلى 97,33 مليار دولار، وإسهام التمويل غير التقليدي في رفع مستوى السيولة النقدية إلى 1380,6 مليار دينار في نهاية 2017. كما يشير التقرير، الذي سيعرضه محافظ «بنك الجزائر» محمد لوكال أمام البرلمان، نهاية السنة الجارية، إلى مساهمة كل من قطاعات الصناعات الغذائية، الموارد المائية والأشغال العمومية والطاقة في نمو الصناعة الوطنية، مقابل تراجع فروع الصناعات الميكانيكية والحديدية والكيمياء والمناجم، بسبب قلة المواد الخام وتجميد بعض المشاريع. ويُسلّط تقرير البنك المركزي الضوء على مواطن الضعف والهشاشة للاقتصاد الوطني، وكذا بعض السياسات الاقتصادية التي يمكنها الحد من هذا الضعف، «من خلال القيام بإصلاحات هيكلية، لاستعادة توازنات الاقتصاد الكلي وتنويع الاقتصاد الوطني وضمان نمو اقتصادي محلي مستدام. واستنادا إلى الوثيقة، فقد أدى ارتفاع متوسط سعر البترول ب20,2 بالمائة بعد الانخفاضات الحادة في سنتي 2015 و2016، إلى تقليص العجز في كل من الحسابات الخارجية وحسابات المالية العامة. ففيما يخص الحسابات الخارجية، نجم عن ارتفاع الصادارت من المحروقات تقلص العجز، بصفة متقاربة في الحسابات الجارية والإجمالية لميزان المدفوعات، بما يقارب 26 مليار دولار في سنة 2016، إلى ما يقارب 22 مليار دولار في 2017، فيما يقر التقرير بأن حالات العجز لا تزال مؤثرة و»معتبرة»، حيث أدت إلى تآكل احتاطي الصرف باستمرار وانتقاله من 114,14 مليار دولار في 2016 إلى 97,33 مليار دولار في 2017. وسجل تقرير البنك الأثر الإيجابي الذي خلفته عملية التزايد الاستثنائي للإيردات غير الضريبية مع ارتفاع الإيرادات المتأتية من المحروقات ب33,2 بالمائة، مع تراجع ملحوظ في العجز الميزانياتي بمقدار 13,5 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي في 2016 إلى 6,4 بالمائة في 2017، حيث تم تمويل هذا العجز، بواقع 61,3 بالمائة من خلال آخر اقتطاع من صندوق ضبط الإيردات، «المستنفذ حاليا». كما سجل التقرير تراجعا لوتيرة توسع النشاط الاقتصادي الإجمالي من 3,3 بالمائة في 2016 إلى 1,6 بالمائة في 2017، كنتيجة لانخفاض نشاط قطاع المحروقات، الذي تراجع نمو قيمته المضافة من 7,7 بالمائة في 2016 إلى ناقص 3 بالمائة في2017. ومقابل هذا، اكتسب النمو خارج المحروقات 0,3 نقطة مئوية، ليبلغ 2,6 بالمائة، متأثرا بزيادة النشاط في قطاع الخدمات والصناعة خارج المحروقات والحفاظ على مستوى جيد للنمو في قطاع البناء والأشغال العمومية والري. التمويل غير التقليدي يسهم في رفع السيولة إلى 1380,6 مليار دينار مع اعتماد آلية التمويل غير التقليدي، منذ نوفمبر2017، عرفت السيولة المصرفية ارتفاعا لتبلغ 1380,6 مليار دينار في نهاية ديسمبر2017. وفيما يتعلق بالوساطة المصرفية، تطورت الودائع والقروض المصرفية بشكل جد مواتي مقارنة بسنة 2016، وباستثناء المستحقات المتعثّرة ومعدلات السيولة، عرفت مؤشرات الصلابة ومردودية المصارف، تحسنا وبقيت عند مستويات جيدة ومطابقة، وأحيانا أعلى من المعايير الدنيا في هذا المجال. وانخفض مستوى التضخم إلى 5,6 بالمائة سنة 2017 بعدما كان يقدر ب6,4 بالمائة سنة 2016، ووقع هذا التباطؤ في نمو مؤشر الأسعار عند الاستهلاك، الأكثر وضوحا من حيث الانزلاق السنوي، على الرغم من الارتفاع البسيط في نمو الكتلة النقدية. وسجل التقرير تراجعا لنشاط الاقتصاد الوطني، الذي يقاس بنمو الناتج الداخلي بشكل ملحوظ، بسبب التراجع في وتيرة توسع قطاع المحروقات من حيث القيمة، مع تسجيل نمو من حيث الحجم ب1,6 بالمائة فقط مقابل 3,3 في 2016. انتعاش قطاعات الخدمات والصناعة والأشغال العمومية وفي حين اكتسب نمو إجمالي الناتج الداخلي 0,3 نقطة مئوية ليبلغ 2,6 بالمائة مقابل 2,3 بالمائة في 2016، خارج قطاع المحروقات، يبين التقرير، أن النشاط الاقتصادي كان أكثر تجانسا بين القطاعات المختلفة مما كان عليه سنة 2016، من خلال عودة الديناميكية في الخدمات المسوقة وغير المسوقة والصناعة وكذا من خلال استمرار النمو عند مستوى معتبر، - ولو بانخفاض طفيف - في قطاع البناء والأشغال العمومية والّري. ولم يصاحب النمو الطفيف خارج المحروقات، بتحسن في نسبة البطالة، التي ارتفعت إلى 11,7 بالمائة من القوى العاملة، أي ما يعادل 1,44 مليون عاطل عن العمل، مقابل 10,5 بالمائة في 2016. قطاع الفلاحة يوظف 10,1 بالمائة من القوى العاملة وانخفضت وتيرة نمو القيمة المضافة لقطاع الفلاحة، من حيث الحجم، للمرة الثانية على التوالي، حيث بلغت 1,2 بالمائة في 2017 مقابل 1,8 بالمائة في 2016، فيما تقّدر القيمة المولدة في هذا القطاع ب2318,9 مليار دينار، ممثلة في 16,2 بالمائة من القيمة المضافة للاقتصاد بمفهومه الحقيقي و12,3 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي، مع تشغيل نحو 10.1 بالمائة من القوى الحية في البلاد. ولم يساهم هذا القطاع بسبب ضعف نموه في 2017 إلا ب8,9 في النمو الإجمالي، و6,7 بالمائة في النمو خارج قطاع المحروقات، وخص التراجع في نمو الفلاحة أغلب المحاصيل الزراعية، مع مستويات نمو سلبية في العديد من المنتجات. ارتفاع في إنتاج الخضر والحمضيات والحبوب شكلت الخضر الجافة، الحمضيات والحبوب المحاصيل الوحيدة التي عرف إنتاجها ارتفاعا خلال سنة 2017، كما شهد إنتاج الحبوب ارتفاعاً طفيفا، ببلوغه 34,7 مليون قنطار، مقابل 34,3 مليون قنطار في 2016 أي زيادة ب1,1 بالمائة وخص هذا النمو الطفيف القمح الصلب والشعير، اللذان ارتفع انتاجهما، ب 2.8 بالمائة و5,4 بالمائة على التوالي. كما سجل إنتاج الخضر الجافة والحمضيات أفضل المستويات من حيث النمو، حيث قفز إنتاج الخضر الجافة من 773,1 ألف قنطار في 2016 إلى 1,072 مليون قنطار في 2017، أي بارتفاع قدره 38,7 بالمائة. وارتفع إنتاج الحمضيات ب11,7 بالمائة منتِقلا من 12 مليون قنطار في 2016 إلى 13,4 مليون قنطار في 2017، في حين، عرفت التمور واللحوم الحمراء واللحوم البيضاء والتبغ تراجعا في وتيرة نموها. انخفاض إنتاج الحليب إلى 3,5 مليار لتر وعرفت عدة محاصيل زراعية انخفاضا في الإنتاج، أهمها الأعلاف، الطماطم الصناعية، المنتجات البستانية، منتجات الكروم، الفواكه ذات النواة والفواكه ذات البذور، الزيتون وكذا إنتاج الحليب والبيض حيث تراجع مستوى إنتاج الحليب مجددا ب2,1 بالمائة، منتقلا من 3.6 مليار لتر في 2016 إلى 3,5 مليار لتر في 2017. البناء والأشغال العمومية والري مدعوما بالنفقات العمومية لفائدة قطاع السكن، والتي ازدادت 19,7 بالمائة في 2017، تواصل توسع نشاط قطاع البناء والأشغال العمومية بوتيرة قدرها 4,4، بالمائة رغم تراجع طفيف ب 0,6 نقطة مئوية مقارنة ب2016، حيث بلغت الثروة المحققة في قطاع البناء والأشغال العمومية والري 2213,6 مليار دينار، ممثلة بذلك ب15,4 بالمائة من القيمة المضافة للاقتصاد بمفهومه الحقيقي و11,7 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي، حيث ساهم نشاط هذا القطاع في نمو إجمالي الناتج الداخلي ب32,3 بالمائة وفي نمو إجمالي الناتج الداخلي خارج المحروقات ب24,4 بالمائة في 2017 وبلغ العرض الإجمالي للسكنات الجديدة (التسليمات) 800300 وحدة سكنية، دون احتساب البناء الفردي. من جهتها، بلغت القيمة المضافة للخدمات المسوقة وغير المسوقة 329,48 مليار دينار في 2017 وهي تمثل 44,1 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي، باعتباره أهم قطاع نشاط في الاقتصاد الوطني، يُشغل ما يُقاِرب 6,4 مليون شخص، أي ما يمثل 59,1 بالمائة من التشغيل الإجمالي. الصناعات الغذائية، المياه، الأشغال والطاقة تساهم في نمو الصناعة وصنف ذات التقرير سنة 2017، من بين أحسن الفترات في وتيرة توسع نشاط قطاع الصناعة ب4,8 بالمائة بعدما كان في حدود 3,8 بالمائة في 2016، وبلغ تدفق الثروة المنتجة من طرف هذا القطاع 1037 مليار دينار، ما يمثل 5,5 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي. كما يساهم القطاع ب17 بالمائة في النمو الإجمالي للنشاط الاقتصادي، مقابل 6,2 بالمائة في 2016. وباستثناء فرع «المناجم والمحاجر»، حقّقت كل الفروع الأخرى معدلات نمو إيجابية. وساهمت ثلاثة فروع في نمو الصناعة، وهي الصناعات الغذائية، بمعدل نمو 5,7 بالمائة، المياه والطاقة ب8,3 بالمائة ومواد البناء ب6 بالمائة، فيما تدارك قطاع النسيج والملابس والجلود والأحذية، التأخر، الذي كان يميزه في السنوات الماضية، حيث سجل ارتفاعا في نسبة النمو ب3,5 بالمائة و2,1 بالمائة على التوالي. نمو الإنتاج الصناعي العمومي ب2,3 بالمائة وسجل إنتاج الصناعة العمومية، المقاس بتطور مؤشر الانتاج الصناعي، نموا بنسبة 2,3 بالمائة سنة 2017، بعدما كان في حدود 1,5 بالمائة سنة 2016، حيث سجلت زيادة في وتيرة توسع الانتاج الصناعي العمومي، لاسيما خارج المحروقات، بفعل ارتفاع النمو في فرع «الطاقة»، الذي ارتفع مؤشر إنتاجه إلى 7,1 بالمائة مقابل 2,4 بالمائة في 2016. وحققت 5 فروع معدلات نمو موجبة في مؤشرات إنتاجها، فضلا عن «الطاقة، وهي تشمل مواد البناء، الصناعات الغذائية والتبغ، النسيج والملابس والخشب والورق. ونتجت الزيادة في وتيرة نشاط الصناعات الغذائية، أساسا، عن ارتفاع وتيرة نشاط صناعة البذور ب19,9 بالمائة، بينما تراجع إنتاج صناعة أغذية المواشي وصناعة الحليب ب18,4 بالمائة و3,9 بالمائة على التوالي. تراجع فرع الصناعات الميكانيكية والكيمياء والصيدلة في المقابل، سجلت معدلات نمو سلبية في سنة 2017، على مستوى كل من فروع «المناجم والمحاجر» و»الصناعات الحديدية والمعدنية والميكانيكية والإلكترونية والكهربائية» و»الصناعات الكيميائية» و»صناعة الجلود والأحذية» و»الصناعات المختلفة»، حيث يرتبط التراجع في «المناجم والمحاجر» بالانخفاضات في الإنتاج في استخراج المواد المعدنية والفوسفات، المقدرة بناقص 23,9 بالمائة وناقص 12.7 بالمائة على التوالي، في حين شهد إنتاج معدن الحديد ارتفاعا قدره 13,2 بالمائة وازدادت حّدة ترجع النشاط «الصناعات الحديدية والمعدنية والميكانيكية والإلكترونية والكهربائية»، لينتقل نمّوها من ناقص 2,9 بالمائة في 2016 إلى ناقص 6,3 بالمائة في 2017، بسبب انخفاض النشاط في كل من إنتاج وتحويل المعادن غير الحديدية (-53,1 بالمائة) صناعة مواد التجهيز الميكانيكية (- 55,6 بالمائة ) ومواد الاستهلاك الكهربائية (-35,9 بالمائة) . وفي الصناعات الكيميائية، قدر الانخفاض في النشاط بناقص 8,7 بالمائة، ويرتبط هذا الانخفاض بتراجع النشاط في كل من الكيمياء العضوية القاعدية وصناعة الأسمدة والمبيدات والصناعة الصيدلانية وصناعة الأصباغ. مؤشرات إيجابية في قطاع المحروقات وجاء تقرير بنك الجزائر إيجابيا بالنسبة لقطاع المحروقات، حيث ارتفعت حصة القطاع في إجمالي الناتج الداخلي منتقلة من 17,4 بالمائة في 2016 إلى 19,1 بالمائة في 2017، وهذا نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية للبترول، بينما بلغت القيمة المضافة لقطاع المحروقات 3608,8 مليار دينار، بزيادة قدرها 19.3 بالمائة مقارنة بالسنة السابقة وذلك بسبب التحسن المسجل في الأسعار، حيث ارتفع متوسط أسعار تصدير البترول الخام ب20.3 بالمائة سنة 2017. وحسب الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية الدكتور شريفي أحمد، فإنه من المقرر أن يعرض محافظ بنك الجزائر محمد لوكال هذا التقرير على غرفتي البرلمان مع نهاية شهر ديسمبر المقبل أو مطلع جانفي على أقصى تقدير.