أكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان السيدة فافا لخضر بن زروقي أن تقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في الجزائر سيرفع إلى رئيس الجمهورية في شهر مارس المقبل كأقصى تقدير،مشيرة في حديث ل«المساء" إلى تقديمها اقتراحات للحكومة من أجل إعادة النظر في قانون الإعلام، على ضوء التعديل الدستوري لسنة 2016 وإنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، فضلا عن مراجعة النسبة المخصصة للأشخاص المعاقين ورفعها في مجال التشغيل، حيث حظيت هذه النقطة بالقبول، حسب السيدة بن زروقي التي أوضحت بأن التقارير التي تعدها المنظمات الحكومية وغير الحكومية الدولية والتي تعتمد على ما تنشره بعض المنظمات الوطنية غير الحكومية،"غالبا ما تتعمد تسييس حقوق الإنسان وإتباع سياسة الكيل بمكيالين، من خلال تجاهلها لبعض الحقوق التي حققت فيها الجزائر انجازات هامة". المساء: مرت أكثر من سنتين على رئاستكم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كيف تقيمين عمل الهيئة لاسيما فيما يتعلق بتغطية انشغالات المواطن؟ بن زروقي: يحتفل المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم 9 مارس المقبل بالذكرى الثانية لتنصيبه. وقد قمنا في بداية الأمر بتنصيب اللجان الستة الدائمة وهي لجنة الشؤون القانونية، لجنة الحقوق المدنية والسياسية، لجنة الطفل والمرأة و لأشخاص الضعفاء، لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخاصة بالبيئة، لجنة الوساطة ولجنة المجتمع المدني، حيث تنشط كل هذه اللجان حسب اختصاصها، كما نصبنا المندوبيات الجهوية التي تقدر بخمس مندوبيات وتشمل غرب البلاد والوسط والشرق والجنوب الغربي و الجنوب الشرقي. ويترأس كل مندوبية عضو من المجلس الوطني لحقوق الإنسان تكمن مهمته في مساعدة عمل المراسلين الجهويين. كما سنقوم خلال الأسبوع الجاري بتنصيب المراسلين الجهويين لمندوبية الجنوب الشرقي في انتظار تنصيب المراسلين الجهويين لمندوبية وسط الجزائر خلال الأيام القادمة. و تكمن مهمة المجلس في تغطية كافة انشغالات المواطن في مختلف القطاعات التي تتولاها اللجان المذكورة. ماهو عدد الشكاوى التي يتلقاها المجلس بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان منذ إنشائه وماهي طبيعتها؟ ❊❊هذه الشكاوى لا تعتبر انتهاكات لأن أغلبيتها عبارة عن طلب معلومات وتوجيهات، لذا أفضل أن أسميها عرائض. ففي سنة 2018 استقبلنا على مستوى المقر 885 شخصا و1439 عريضة وقمنا بدراسة 935 شكوى وعريضة . وعلاوة على الاستقبال، يمكن الاتصال بالمجلس عن طريق كافة الوسائل، منها البريد العادي والاتصال بالمندوبيات. كما فتحنا بوابة الكترونية لتسهيل الاتصال بنا وبلغت عدد الشكاوى والعرائض التي تلقيناها عن طريق البريد 591 في 2018 . في حين بلغت العرائض عن طريق الاستقبال 240 و120 عبر الفاكس و14 عبر البريد الالكتروني. واغتنم هذه الفرصة لأوجه عبر جريدتكم المحترمة نداء لدعوة المواطنين لتصفح البوابة الالكترونية للمجلس. أما الشكاوى حسب الجنس، فنجد 203 شكاوى للنساء و762 للرجال، في حين تتعلق أغلبية العرائض بالسكن ب285 شكوى والعدالة ب267 والعمل ب95 شكوى. وبخصوص الأشخاص الذين يتصلون بالمجلس فأغلبيتهم من الجزائر العاصمة ب244 مشتكي و56 مشتكي من ولاية المدية و37 من سيدي بلعباس و36 من البليدة. كما تلقينا من خارج البلاد، شكوتان من فرنسا وشكوتان من جنوب إفريقيا، في حين تلقينا شكوى واحدة من كندا والصومال ومالي وإفريقيا الوسطى وتتعلق كلها بطلب توجيهات حول تسليم التأشيرة. وسيتم تدوين كل ذلك في التقرير السنوي الذي نحن بصدد إعداده. للمجلس صلاحيات واسعة كتقديم اقتراحات وتوصيات للحكومة والمجلس الشعبي الوطني، هل يمكنك تقديم أمثلة عن هذه المقترحات وما مدى تجاوب السلطات العمومية في التعاطي مع المشاكل التي تطرحونها؟ ❊❊المجلس له صلاحية دستورية وصلاحية مخولة بموجب قانون 3 نوفمبر 2016، حيث أن المادة 4 منه تنص على أن المجلس الوطني يقدم آراء و توصيات ومقترحات و تقارير إلى الحكومة أو إلى البرلمان، حول أي مسالة تتعلق بحقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي وذلك إما بمبادرة منه أو بطلب منهما. كما يدرس المجلس مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية ويقدم ملاحظات بشأنها، علاوة على تقييم نصوص سارية المفعول على ضوء المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. نحن نقدم الآراء والتوصيات، غير أنها هذه التوصيات تخص المسائل التي لها صلة بحقوق الإنسان، كما أن الحكومة حرة في تبني الاقتراحات التي تراها مناسبة، فمثلا قمنا بطلب إعادة النظر في قانون الإعلام على ضوء التعديل الدستوري 2016، فضلا عن تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. ويجب التأكيد في هذا المقام بأن أهداف التنمية المستدامة المنصوص عليها من قبل الأممالمتحدة، والتي يبلغ عددها 17 تم تكريسها بموجب دستور2016. كما اقترحنا ترقية ونشر مبادئ المصالحة الوطنية على الصعيد الدولي والإقليمي وبخاصة تجاه الدول التي مازالت تعاني من نزاع داخلي. فالمصالحة الوطنية أصبحت سنة تتبع من قبل كل الدول التي عرفت نزاعات داخلية. وتقدمنا أيضا بمقترح تعزيز تكوين الأطباء المختصين في مجال طب كبار السن، مع إنشاء مصالح طبية خاصة على مستوى المستشفيات، بالإضافة إلى مراجعة النسبة المخصصة للأشخاص المعاقين ورفعها في مجال التشغيل. وقد أخذت هذه النقطة بعين الاعتبار من قبل القطاع المعني وهي وزارة التضامن الوطني التي أصدرت أوامر بمتابعة كل الشركات الخاصة التي لا تطبق هذه النسبة ولا تشجع تشغيل هؤلاء الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. رغم أن المجلس يعمل مع مؤسسات دولية كالأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية،إلا أن هذه الأخيرة تعتمد في التقارير التي تعدها ضد الجزائر على بعض المنظمات الوطنية الحقوقية بدعوى أنها أكثر حرية، ما تعليقكم؟ ❊❊ المجلس هو عضو مؤسس للتحالف العالمي لمؤسسات حقوق الإنسان ويعمل تحت لواء المفوضية السامية لحقوق الإنسان بناء على مبادئ باريس التي أنشئت في 1993. والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تعد عضوا مؤسسا لهذا التحالف، وأشير هنا إلى أن هذه المؤسسة أنشئت قبل مبادئ باريس في 1991 . وتحولت إلى مرصد يترأسه المرحوم رزاق بارة. وفي 2001 قام رئيس الجمهورية بترقية هذه المؤسسة ليصبح اسمها اللجنة الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان المنصبة في 9 أكتوبر 2001.وعرفت هذه المؤسسة نقلة نوعية، حيث أصبحت تسمى المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهو مستقل تماما من الناحيتين الإدارية و المالية، وينشط في إطار مبادئ باريس. كما يعد المجلس عضوا فعالا ضمن الشبكة الإفريقية للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وكذا الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، إذ كان من حظ الجزائر ترؤسها من أكتوبر 2016 إلى أكتوبر 2018. ويعد المجلس تقارير موضوعية وموازية لتقارير الحكومة، يقدمها للهيئات الدولية. أما التقارير التي تعدها المنظمات الحكومية وغير الحكومية والتي تعتمد على تقارير بعض المنظمات الوطنية غير الحكومية، فإنها غالبا ما تقوم بتسييس حقوق الإنسان وإتباع سياسة الكيل بمكيالين حول بعض الحقوق التي حققت فيها الجزائر انجازات هامة غير أنها تتعمد للأسف عدم ذكرها. وللعلم فان كل تقرير خاص بحقوق الإنسان، يجب أن يتسم بالموضوعية والشفافية وأن يحتوي على الايجابيات والسلبيات، لأن الفائدة من التقرير تكمن في تقديم الحلول والتوصيات، باعتبار منظمات المجتمع المدني شريك فعال في ترقية وحماية حقوق الإنسان. لماذا برأيك ترفض بعض المنظمات الدولية زيارة الجزائر لمعاينة حقوق الإنسان، في حين تعتمد على الانتقادات البعدية، كما لا تتوانى في إصدار أحكام مسبقة؟ ❊❊ باعتبار الجزائر عضو في مجلس حقوق الإنسان الأممي فقد دعت 7 مقررين خاصين لزيارتها. وقد سبق للمقرر الخاص بالصحة الجنسية والعقلية أن زار الجزائر من 27 افريل إلى 10 ماي 2016، فضلا عن زيارة المقرر الخاص المعني بالحق في التربية من 27 جانفي إلى 3 فيفري 2015 والمقرر الخاص بالسكن الملائم من 9 إلى 19 جويلية 2011 والمقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير من 10 إلى 17 افريل 2011 والمقرر الخاص المعني بمسالة العنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه من 1 إلى 10 نوفمبر 2011، فضلا عن زيارة أخرى لنفس البعثة من 21 جانفي إلى 1 فيفري 2017. أما المنظمات التي ترفض زيارة الجزائر فهي حرة في ذلك، وأبواب الجزائر تبقى مفتوحة. ففي شهر مارس الماضي أصدرت منظمة العفو الدولية "امنيستي" تقريرا غير مطابق للوضعية، وقد استقبلت مسؤولة فرع المنظمة في الجزائر بمقر المجلس وأخبرتها عن استعداد الجزائر لاستقبال المنظمة ومرافقتها ميدانيا إن أرادت الاطلاع على وضعية حقوق الإنسان. وأخبرتني أن للمنظمة مكتب في تونس وهي تتلقى الشكاوى والرسائل وبناء عليها تقوم بإعداد تقاريرها. ما يجعلني في كل مرة أؤكد بأن هذه التقارير لا تظهر الواقع الحقيقي لحقوق الإنسان في الجزائر. كما تجدر الإشارة إلى أن الدستور الأول للجزائر لسنة 1963، أشار في مادته 11 إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتوي على 30 مادة و كلها تتحدث عن كرامة الإنسان وعدم التمييز والحرية وهي قيم تضمنها دستورها الأول كما تضمنتها الدساتير اللاحقة. ولا تسمح مؤسستنا الحقوقية بأي انتهاك لأي حق من الحقوق المكرسة لها بموجب المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر والتي تعلو على القوانين الداخلية رغم أنها تنصب أيضا في إطار احترام حقوق الإنسان. فمثلا قانون الإجراءات الجزائية المعدل في 27 مارس 2017، تحدث ولأول مرة في مادته الأولى عن المحاكمة العادلة واحترام حقوق الإنسان وكرامة الإنسان، وحتى قانون الإجراءات القانونية يشير إلى أن كل المواد التي يشملها هذا القانون يطبق بناء على المحاكمة العادلة واحترام كرامة الإنسان. ما مدى نجاح مبدأ الدفع بعدم الدستورية التي تعد آلية قانونية جديدة في الجزائر وهل ستمكن حقا المواطن من حقوقه؟ ❊❊ مبدأ عدم الدستورية كان لي بمثابة حلم، وتمنيت أن يكون موجود لدينا منذ زمن وقد تحقق بموجب المادة 188 من الدستور، التي تنص على إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي احد الأطراف في المحاكمة أمام الجهة القضائية، أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يتضمنها الدستور. فمن كانت له في السابق إمكانية إخطار المجلس الدستوري، غير رئيس الجمهورية ثم رئيسي البرلمان أو الوزير الأول أو 30 عضوا من مجلس الأمة أو 50 نائبا من المجلس الشعبي الوطني. فحاليا يمكن لكل متقاضي سواء أمام الجهات الادراية أو الجهات المدنية أو الجنح أو الجنايات، تقديم الطعن بعدم الدستورية وبالتالي فهذه نقلة نوعية في مجال حماية الحقوق وحريات الأشخاص وسيطبق ابتداء من 9 مارس المقبل وكل الإجراءات جاهزة، علما أن وزير العدل حافظ الأختام قام بندوات تحسيسية لشرح الإجراءات والنصوص الخاصة بالقانون العضوي. متى سيرفع المجلس التقرير السنوي إلى رئيس الجمهورية وماهي مضامينه؟ ❊❊ يترأس اللجان الدائمة عضو دائم متفرع لهذه المهام وكل لجنة تعمل في إطار اختصاصاتها، حيث تحضر مشروع التقرير مع الأعضاء التابعين للجنة. وقد أنشأنا خلال اجتماع الجمعية العامة التي انعقدت في 23 ديسمبر الماضي لجنة صياغة، تترأسها لجنة الوساطة بتشكيلات متنوعة، حيث يوجد في اللجنة رؤساء لجان آخرين. وكل لجنة تحضر مشروعها، ثم هناك اجتماع مصغر واجتماع مكتب المجلس الوطني لحقوق الإنسان المتكون من رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورؤساء اللجان الست والأمين العام، حيث توضع اللمسات الأخيرة قبل إرساله إلى كل الأعضاء عن طريق البريد الالكتروني، للاطلاع عليه وفي آخر المطاف تجتمع اللجنة العامة من اجل المصادقة على التقرير. وهذه الطريقة تبين بأن كل عضو تابع للمجلس الوطني لحقوق الإنسان يشارك أيضا في إعداد هذا التقرير وفق قرارات المكتب الدائم الذي ينعقد 3 مرات في الشهر. وردا عن سؤالكم، أؤكد لكم بأننا في المرحلة النهائية من عملية إعداد التقرير السنوي للجنة الصياغة التي انعقدت الأسبوع الماضي، والوتيرة محمودة، كما ننتظر التقارير التي قد تأتينا من منظمات دولية غير حكومية من الخارج للإجابة عليها في التقرير السنوي .قبل رفعه شهر مارس كأقصى تقدير إلى رئيس الجمهورية.