عُثر مؤخرا بولاية الجلفة، في اكتشاف أثري هام، على عظام متحجرة (أحفورية) لوحيد القرن وحصان وحيوان بقري صغير، حسبما كشف عنه، أول أمس الإثنين، المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ. جاء في بيان صحفي للمركز، تم فيه إماطة اللثام عن هذا الاكتشاف الأثري، بحضور وزير الثقافة عز الدين ميهوبي "أنه بعد العثور على عظام متحجرة (أحفورية) بمنطقة "وادي ملاح"، بالمخرج الشمالي لمدينة الجلفة، شرع فريق متعدد التخصصات من أثريين ومحافظين ومختصين في الأركيولوجيا، التابعين للمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ عن الإنسان والتاريخ في الأعمال الضرورية لتحاليل البقايا الباليونتولوجية. كانت أول مرحلة في هذا الأمر، التنظيف الشامل للعظام الأحفورية وتدعيمها وتقويتها، وتم تشخيص كل قطعة من حيث تشريحها وتصنيفها السلالي (النوع والسلالة الحيوانية) كلما أمكن ذلك. كشفت دراسة هذه البقايا العظمية على ثلاثة أفراد يافعة، من بينها وحيد القرن من نوع سيراتوتيريوم سيموم (Certotherium simum) متمثلة في "جمجمة كاملة مع الفك السفلي، ولوح الكتف وأضلاع وفقرات وعظام الرسغ والمشط والسلاميات"، إلى جانب حصان صغير من نوع إيكوس (Equus sp)، وحيوان بقري صغير تدل عليه عدة أجزاء عظمية. كان وحيد القرن يعيش في بيئة من نوع "السافانا" مفتوحة نسبيا مع تواجد نقاط الماء، غير أن هذا الحيوان لم يبق له أثر في شمال إفريقيا. أما فيما يخص الحصان المكتشف، فإنه يبدو في حجم حمار الوحش أو الحماري، وفقا لباحثي المركز. أضاف البيان أن ما يميز البقايا العظمية؛ الحفظ الجيد، باستثناء بعض الأجزاء من العينات التشريحية التي تعاني من الإتلاف المناخي والترابي، بعد الانجراف الناتج عن النهر، وسوف ترتكز البحوث المستقبلية على دراسة مدققة للمصنفات السلالية التي جمعت من حيث التطور النظامي لكل جنس، وتأثرهم بالبيئة القديمة. علاوة على ذلك، يجري تحليل "تافونوميا" لهذه البقايا من أجل التأكد مما إذا كان تراكمها ناتج عن فعل بشري أو حيواني (أكلات اللحوم)، وبصيغة أخرى، تحت أي ظرف تراكمت؟. أضاف المختصون أنه لا زال مبكرا القيام بتقدير زمني لوحيد القرن، ومع ذلك يمكن أن يمتد على تسلسل زمني يتراوح بين 5ر0 مليون سنة إلى عدة آلاف سنة، فترة الهولوسين (أي المرحلة الأخيرة من الزمن الجيولوجي الرابع.) إن اكتشاف البقايا الأحفورية لوحيد القرن في هذه المنطقة، يكتسي أهمية كبيرة من حيث التطور الباليونتولوجي والباليوإيكولوجي لهذا النوع، وفيما يتعلق بتمثيل هذا الحيوان في النقوش الصخرية بالمنطقة. كما أن تأريخ الموقع المكتشف يعطي مؤشرات كرونولوجية للفن الصخري بالجلفة، خاصة تلك المحطات التي تبرز نقوش وحيد القرن بالمواقع الأثرية (زكار، عين الناقة، وادي رميلة، بوسكين، فيجة اللبن وادي الحصباية). تجدر الإشارة، إلى أنه بعد تبليغ مواطن عن وجود هيكل عظمي، كشفت عنه مؤخرا سيول وادي ملاح، شمال مدينة الجلفة، تحرك فريق متطوع مطلع شهر يناير الفارط، يتشكل من مهتمين بالآثار والتراث، ويتعلق الأمر بالأساتذة شويحة حكيم وبن سالم المسعود وجاب الله محمد وشويحة عبد القادر والدكتور عيساوي بوعكاز، الأستاذ الجامعي في الآثار بجامعة "زيان عاشور"، حسبما علم من هؤلاء. أضاف المصدر أنه "طُلبت رخصة من مديرية الثقافة لتنفيذ حفرية إنقاذية مستعجلة، من أجل استخراج الهيكل العظمي المهدد بفيضانات وادي ملاح، في ظل صدور آنذاك، نشرية جوية خاصة عن أمطار مرتقبة، وعلى إثر ذلك، تم وبصفة تطوعية، للحفاظ على مكنون الجلفة الأثري، تنفيذ الحفرية الإنقاذية بالمعايير العلمية، مما سمح باستخراج فكي جمجمة كاملة في وضعية ممتازة، ومجموعة من العظام الأخرى". أكد أعضاء الفريق أنه بعد معاينة العظام، تم التوصل إلى خلاصة أولية تتعلق بتحديد نوع الحيوان، وهو "وحيد القرن الأبيض ceratothérium simum". تمت العملية بنجاح نتيجة احترافية الفريق في عملية الإنقاذ وسرعة التدخل. أكد وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، أول أمس بالجلفة، أن ما تم اكتشافه مؤخرا في هذه الولاية، من أثار عظمية مكتملة لحيوانات في فترة ما قبل التاريخ، "سيعزز مكانتها الأثرية في الخارطة الوطنية والعالمية". في إطار زيارة العمل التي قام بها إلى الولاية، ثمن السيد ميهوبي ببهو المسرح الجهوي "أحمد بن بوزيد"، جهود الفريق الذي وصل إلى هذا الاكتشاف، بداية بالمواطن الذي بلغ عن وجود هياكل عظمية، فريق العمل المحلي الذي أنقذ الاكتشاف، وكذا الفريق المتخصص للمركز الوطني للبحوث في عصور التاريخ، علم الإنسان والتاريخ، الذي أجرى دراسات بحثية أولية حول ما تم العثور عليه. أضاف الوزير أن الأجزاء المكتملة التي تم العثور عليها، توحي نتيجتها الأولية وما اتفق عليه الباحثون، أن بقايا وحيد القرن "تترجم بصورة دقيقة الرسم الصخري لوحيد القرن الموجود في موقع بلدية زكار(30 كلم جنوب الولاية)، حيث أثبت الاكتشاف وجود الحيوان بالمنطقة، كما تعززه النقوش الصخرية". في إطار الاهتمام بهذا الإرث، أكد الوزير أنه "سيتم تحديد موقعه ووضعه تحت طائلة القانون، ويكون مكانا للباحثين والدراسات العلمية، في الوقت الذي سيجعل هذا الاكتشاف الجلفة في موقع هام في خارطة أبحاث فترة ما قبل التاريخ، ليس في الجزائر فحسب، لأن المركز يتوقع الحصول على نتائج أكثر، تعزز مكانة الجزائر في الأثار العالمية، لاسيما بعد آثار عين الحنش التي تم اكتشافها بولاية سطيف في الفترة الأخيرة". كما أضاف أنه ستكون هناك دراسات علمية وأكاديمية حول ما تم اكتشافه ونشره في مجلات علمية محكمة، حتى تكتسي الصبغة العلمية والاعتراف.