حرب إبادة حقيقية تشنها إدارة الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع تتم برا وجوا وبحرا وسخرت لها أعتى الأسلحة وجندت لها وحداتها الخاصة في محاولة لتحقيق هدفها بالقضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة في هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية. ولم ينم الغزاويون ليلتهم الماضية بعد أن حولتها إسرائيل إلى ليلة حمراء بصواريخ طائراتها وقذائف مدفعيتها وبوارجها البحرية في وقت كان فيه جنودها ينفذون أقذر مهمة بإطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين. ورغم كل تلك الترسانة فقد دخل قطاع غزة حالة من الترقب يومين بعد بدء قوات الاحتلال في أوسع عملية برية ضد المدنيين الفلسطينيين وسط حرب نفسية من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أملته تطورات الوضع العسكري في الميدان. وفاجأت حكومة الاحتلال كل العالم ببدء هجومها البري على قطاع غزة في وقت كانت المجموعة الدولية تنتظر واهمة وقفها لعمليات قصفها الجوي ضد الأهداف الفلسطينية. ولكن تطورات الوضع خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة لم تكن مفاجأة بالنسبة للفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون مثل هذا الاجتياح وخاصة بعد أن فشلت مقنبلات "أف 16" ومروحيات الأباتشي من تحقيق الأهداف المسطرة لها بالقضاء على المقاومة الفلسطينية بعد عشرة أيام منذ بدء المذبحة الإسرائيلية. وقد قسمت إدارة الاحتلال قطاع غزة الممتد على مساحة 326 كلم مربع إلى ثلاث جبهات في محاولة للتحكم فيها والتضييق على عناصر المقاومة. وتضاربت المعلومات حول حقيقة ما جرى إلى حد الآن على أرض المعركة بعد أن اشتدت الحرب النفسية والدعائية بين الجانبين تخللتها بيانات وبيانات مضادة حول ما يجري وخاصة من حيث عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي والشهداء في الجانب الفلسطيني. وأكدت تقارير استشفائية فلسطينية أمس سقوط 40 شهيدا وإصابة أكثر من مائتي فلسطيني آخر معظمهم من المدنيين والأطفال خمسة منهم ينتمون إلى عائلة واحدة عندما استشهدوا في سقوط قذيفة مدفعية على سيارتهم في غزة ليرتفع عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا منذ بدء العدوان إلى 500 شهيد سقطوا جميعا في كل من بيت لاهيا وجباليا وخان يونس. وأكدت تقارير كتائب عزالدين القسام أنها ألحقت خسائر بشرية بقوات الاحتلال بمصرع عشرة جنود وأسرها لجنديين اثنين. ولم يعترف الجيش الإسرائيلي إلى حد أمس إلا بمقتل جنديين اثنين وإصابة ثلاثين آخرين بجروح متفاوتة. ولم تعرف عملية الهجوم البري أية مواجهة حقيقية في الميدان حيث كانت تعزيزات جيش الاحتلال تتقدم في أرض مفتوحة ولكن على خلفية مقاومة عنيفة تنتظرها كلما اقتربت إلى الأحياء السكنية التي اتخذها عناصر المقاومة مواقع دفاعية لهم في إطار تكتيكات المواجهة التي فرضتها العملية العسكرية. وغادر آلاف الغزاويين مساكنهم باتجاه الجنوب في انتظار اشتداد حرب الشوارع التي ينتظر أن تندلع من حين لآخر عندما يتقدم جنود الاحتلال إلى المواقع الاستراتيجية الحساسة في قطاع غزة. ويراهن المقاومون الفلسطينيون من مختلف الفصائل على عامل الوقت لتمديد عمر المواجهة لأطول مدة ممكنة حتى تمتص الضربة الأولى وتمكنها فيما بعد من التحكم في زمام المبادرة وإلحاق أكبر الخسائر البشرية في صفوف قوات الاحتلال. وهو ما تخشاه إسرائيل وهي التي كانت تنتظر تحقيق نصر حاسم من خلال تكثيف غاراتها الجوية إلا أن حسابات وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك خابت في ذلك واضطره هذا الفشل إلى إقحام وحداته البرية في المستنقع الغزاوي. ويتأكد من يوم لآخر أن ايهود باراك لا يعرف حقيقة القوة الفلسطينية وهو ما جعله يتعامل مع الوضع دون تخطيط واضح ومسبق بدليل تصريحاته الأخيرة أن العدوان سيتوسع حسب الوضعية الميدانية. وإذا كانت أولى التقارير الإسرائيلية أكدت أن عملية الاجتياح تمت دون عناء ودون أية مقاومة إلا أن مصادر قيادية في حركة حماس أكدت أن العدو الإسرائيلي لم يحقق أيا من أهدافه وأن مفاجآت غير سارة في انتظاره. وأكد بيان لكتائب عز الدين القسام أن ايهود باراك سيكتشف حمق قراره باجتياح قطاع غزة.