القوة هي أساس الحياة، ومن لا يملك القوة فلا مكان له فوق الأرض إلاّ مكان الذلّ والخنوع والإذعان لما يملى عليه، أمّا فكرة "العدل أساس الملك" فإنّها نظرية قد تمّ اغتيالها منذ امتلك الظلمة أسباب القوّة وأصبحوا يفرضون شريعة ظلمهم على أنّها عدل، وأنّ قتل الأطفال والنساء وتهديم بيوت العبادة والإفساد في الأرض بكلّ أنواع الأسلحة التي تتحسّس دبيب النملة وتلتقط خلجات الأنفس هي دفاع عن حياتهم وحياة مواطنيهم من أوهام أسلحة أكّدنا نحن وبغباوة صحّة فتكها وقوّة دمارها، هل نلوم الصهاينة في أعمال الإبادة الجماعية التي يمارسونها ضد أطفالنا وأهلنا في غزّة أم نلوم أنفسنا لأنّنا أمّة تنازلت عن حق القوّة لأعدائها واكتفت بالتوسّل لمجلس الأمن بأن يحرّر كلمة تنديد ضد الصهاينة؟. لو افترضنا أنّ دولة عربية واحدة تملك قنابل ذرية ومن حقها أن تملكها، هل يتجرأ الإسرائيليون على ارتكاب مثل هذه المجازر؟ وهل يبقى مجلس الأمن متفرّجا على ما يحصل ويدين الضحية بدل الجلاد؟. إنّ المظاهرات والمسيرات والضجيج الإعلامي لا يحمي الأطفال من الموت، بل إنّ القوة التي صنعت كيان الصهاينة المعتدين هي وحدها القادرة على حماية الأطفال والمنازل التي تدكّ على رؤوس أصحابها أمام مرأى ومشهد العالم الذي يدّعي الحرية وحقوق الإنسان. مازلنا نحن "العرب" نؤمن بمجلس الأمن وبالأممالمتحدة التي لم نستشر حين إنشائهما بل كانت معظم أقطارنا محتلّة أوتحت وصاية الانتداب تصارع هذه الدول التي نستجدي منها اليوم لائحة تنديد وكلمة حق لأنّنا أمة عزلت نفسها من أحقيتها في امتلاك السلاح وتركت أمرها لعدوّها، وقد صدق الشاعر الذي قال "يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم"، وقول الآخر: "لا يلام الذئب في عدوانه ..إذ ما الراعي كان عدوّ الغنم ". إسرائيل تملك القوّة لتحمي نفسها من الوهم العربي الذي صنعته لنفسها حتى تبرّر جرائمها وتقوم بقتل الأطفال الرضّع والنساء وتروّع كلّ آمن بمباركة مجلس الأمن الذي منحها شرعية العدوان والجرائم التي ترتكبها في حقّ شعب أعزل من السلاح ومن كل وسائل الحياة، شعب حاصره الأشقاء قبل الأعداء شدّدوا عليه الخناق، تركوه للعدوّ يفعل فيه ما يريد بمباركتهم، بل ينصحونه بعدم التألّم. غزّة يا عزّة الأطفال ولعنة الشهداء والوصمة التي تشي بالمتخلّفين من الأعراب والمرتدين منهم على أمتهم..استأسد القردة والخنازير لأنّ أعين الجبناء أجحظها الروع، ولأنّ الرؤوس الوهمية محشوّة بالجبن، وأنّ غزة مجرّدة من السلاح ومن الخبز والدواء، ألقينا غزّة مكتوفة في الحرب وقلنا ينبغي عليها أن لا تصرخ. العالم العربي وبالأخصّ المثقفين منهم يستعدون هذه السنة ليحتضنوا القدس عاصمة للثقافة العربية والأحرى بهم أن يجعلوا من غزّة عاصمة للصمود ولعنة على الجبناء النُوَّم.