* email * facebook * twitter * linkedin تحولت أنظار كل العالم طيلة أمس، باتجاه العاصمة الأمريكيةواشنطن، ترقبا لرد الفعل الأمريكي من عمليات القصف الصاروخي الإيراني الذي استهدف قاعدتين عسكريتين أمريكيتين قرب العاصمة بغداد ومدينة أربيل، وذلك بعد خمسة أيام من إقدام طائرات أمريكية على قصف سيارة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بالقرب من مطار بغداد. قصفت إيران أمس، في إطار ما أسمتها عملية "الزهراء" القاعدة الجوية الأمريكية، عين الأسد بالعاصمة العراقيةبغداد، وأخرى بمدينة أربيل، تنفيذا لوعيدها بالانتقام لمقتل الجنرال قاسم سليماني في تحد لتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضرب 52 موقعا إيرانيا استراتيجيا (أي بعدد الدبلوماسيين الأمريكيين الذين تم احتجازهم في مقر السفارة الأمريكية سنة 1979) في حال انتقمت إيران لمقتل قائدها العسكري. واعتمدت السلطات الإيرانية عنصر المفاجأة هي الأخرى في التعامل مع التصعيد الذي فرضه الرئيس الأمريكي بإعطائه فجر الجمعة الماضي، الضوء الأخضر لاغتيال قائد "فيلق القدس"، فاتحا بذلك أبواب منطقة الخليج وكل منطقة الشرق الأوسط أمام خيارات كارثية لمنطقة هي أصلا على فوهة بركان ينذر بانفجار شامل. ولكن إلى أي مدى ستذهب السلطات الإيرانية في قبضتها مع الإدارة الأمريكية في حال عاود الرئيس ترامب ضرب الأهداف الحيوية التي توعد هو الآخر بتدميرها في حال أقدمت إيران على الانتقام لمقتل قاسم سليماني؟ فقد بدا منذ الوهلة الأولى أن السلطات الإيرانية قصفت القاعدتين الأمريكيتين ضمن سياسة رد الفعل، رافضة بذلك تأجيج الموقف العام ربما في انتظار رد الفعل الأمريكي إما باتجاه التصعيد أو التهدئة. وهو ما يبقي الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات المطروحة على طاولة صناع القرار في البلدين، وهو الأمر الذي عكسته تصريحات مسؤوليهم الذين أبدوا الاستعداد لتفادي تأجيج المواقف والاكتفاء بمبدأ القصاص المعروف "العين بالعين" دون الوصول إلى مرحلة "النفس بالنفس". وبغض النظر عن تكتم الجانبين الإيراني والأمريكي واحتفاظهما بكل المواقف والاحتمالات الممكنة، فإن الرئيس الأمريكي، ورغم وقع صدمة القصف الإيراني، فضل التريث وترك الاعتقاد بأن رد فعله سيكون مرهونا بحجم الخسائر، حيث قال في تغريداته الصباحية أمس، إن "الحصيلة ليست ثقيلة" وأن "كل شيء إلى حد الآن على ما يرام" رغم أن قناة تلفزيونية إيرانية سارعت صباح أمس، إلى التأكيد أن الصواريخ الاثني والعشرين خلفت مقتل 80 أمريكيا داخل القاعدتين. كما سادت لغة التهدئة أيضا تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي أكد أن بلاده ستكتفي بضرب القاعدتين الأمريكيتين وأنها لا تريد تصعيد الموقف ولا الدخول في حرب مفتوحة، في إشارة إلى أن إيران لن تعاود ضرب أهداف أمريكية أخرى وما أكثرها في العراق. ولكن حرس الثورة الإيراني الذي يشكل قوة النخبة في إيران، نصح الولاياتالمتحدة بسحب قواتها من العراق لتفادي خسائر جديدة في صفوف قواتها، مهددا في نفس الوقت بضرب إسرائيل وحلفائها في المنطقة، في إشارة واضحة إلى العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وكان الرد الأمريكي سريعا على لسان الرئيس ترامب الذي أكد أنه لن يترك العراق مجالا مفتوحا أمام الإيرانيين وأن "الانسحاب منه لم يحن بعد ومتى جاءت فرصة ذلك سننسحب". وإذا كانت الولاياتالمتحدة اختارت احتفالات العالم بأعياد نهاية العام المسيحي لتصفية قاسم السليماني، فقد اختارت إيران انتهاء مراسم تشييع جنازة هذا الأخير بمسقط رأسه لتنفذ تهديداتها بالانتقام لاغتياله كما اختارت نفس توقيت الاغتيال لقصف القاعدتين. وهي طريقة ذكية من السلطات الإيرانية لامتصاص الغضب الشعبي الذي خلفته عملية الاغتيال، وأيضا التأكيد للولايات المتحدة أنها ليست لقمة صائغة، ورسالة قوية باتجاه الرئيس الأمريكي بإعادة النظر في قراراته ومراجعتها كلما تعلق الأمر بإيران. وجاءت الرسالة الإيرانية قوية خاصة وأن عمليات القصف تمت بصواريخ باليستية من دون أن تتمكن الدفاعات الجوية الأمريكية من التصدي لها أو تتوقعها قبل سقوطها على القاعدتين المذكورتين.