بدأت شعبية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تنحصر شيئا فشيئا في المشهد السياسي الأمريكي كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية في الثالث نوفمبر القادم قابله صعود لافت لمنافسه الديمقراطي، جو بايدن، الذي بدأ يحصد ثمار نكسات المرشح الجمهوري المتلاحقة منذ تفشي وباء "كورونا". وأكدت نتيجة آخر عملية سبر للآراء نشرت أمس في سياق انقلاب موازين الرغبات الانتخابية، تأييد 55 بالمئة من الأمريكيين للمرشح الديمقراطي، جو بايدن بينما تهاوت شعبية الرئيس الحالي إلى حدود نسبة 40 بالمائة فقط في وقت لم يكن المرشح الديمقراطي يتفوق على الرئيس الجمهوري إلى غاية شهر ماي الماضي سوى بفارق 10 نقاط ومجرد نقطتين فقط، شهر مارس. وهي نتيجة غير مسبوقة جعلت صحيفة "واشنطن بوست" تؤكد أمس أن الرئيس، ترامب أصبح "يواجه تحديا انتخابيا كبيرا" قد يسقط رغبته الملحة في الفوز بفترة رئاسية ثانية ويجعلها من سابع المستحيلات كنتيجة حتمية لتوالي النتائج العكسية التي خلفها وباء "كورونا" وفشله في وقف تبعاته الكارثية بعد أن تجاوز عدد ضحاياه أمس عتبة 140 ألف ضحية. وهي حصيلة مازالت مرشحة لارتفاع قادم في ظل غياب علاج فعال للحد من انتشاره مما جعل 72 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون أن بلادهم سلكت طريقا خاطئا في كيفية التصدي لهذا الوباء الكوني ضمن صفعة انتخابية لرئيس أمريكي حاول أن يلصق مسؤولية ذلك في الصين التي اتهمها بالتكتم عن خطورة الوباء بمجرد ظهوره وفي منظمة الصحة العالمية التي اتهمها بالتأخر في تحديد طبيعة الفيروس ودرجة خطورته على حياة الناس. وأكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية في عددها لنهار أمس أنه بالاعتماد على كل هذه المعطيات فإن جميع التوقعات تزيد الاعتقاد بهزيمة ترامب في الانتخابات القادمة بسبب ما وصفته الصحيفة البريطانية باقتران عهدة ترامب ب"وضعية كارثية" زادها تأزما سوء تقديره لحقيقة الموقف الوبائي لهذا الفيروس المجهول ثم قراره بإلغاء إجراءات الحجر الصحي دون التأكد من تحكمه في وضع وبائي لم يكشف عن كل أسراره. وبدأ الرئيس الأمريكي يستشعر حقيقة هذا الخطر وتجلى ذلك من خلال مواقفه وتصريحاته المتذبذبة ولجوئه إلى تغيير مساعديه المقربين ضمن تصرفات لم يسبقه إليها أي رئيس أمريكي آخر. ولم تكن القرارات الارتجالية التي اتخذها الرئيس، ترامب سواء ذات الصلة بوباء "كورونا" أو تلك التي ارتبطت بقضايا خارجية، أن تمر هكذا دون أن تنقلب سلبا على صورته، بل إنها تحولت إلى سجال سياسي حاد وملاسنات غوغائية في اعلى هرم دولة بحجم وقوة الولاياتالمتحدة، كان آخرها مع مستشاره لشؤون الآمن القومي، جون بولتن الذي اصدر كتابا كان وقع مضمونه والأسرار التي كشف عنها كبيرا على صورة رئيس متقلب الأطوار، قبل أن تصدر ابنة أخيه الأكبر، كتابا ثانيا فضح هو الآخر أسرار عائلة ترامب وتاريخها من الجد إلى الأحفاد. والمؤكد أن الرئيس ترامب لم يكن والى غاية بداية العام يتوقع توالي هذه الانتكاسات وهو الذي اقنع نفسه انه سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة لتنكسر طموحاته بنفس درجة انتكاسة الاقتصاد الأمريكي الذي تراجعت منحنياته الإيجابية مع تسجيل أول ضحية لفيروس كورونا نهاية شهر فيفري الماضي وكان ذلك كافيا ليحول الصعود القوي للرئيس ترامب في نتائج عمليات السبر إلى تهاو كارثي في نسب شعبيته. فكلما زادت نسبة انكماش الاقتصاد الأمريكي مع اشتداد أزمة "كوفيد 19" كلما فقط الرئيس الملياردير، الأمل في إمكانية انتخابه وهو الذي جعل الورقة الاقتصادية ضمن أوراقه الانتخابية الرابحة ومن تراجع نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها ورقة إقناعه الأولى للناخبين الأمريكيين، قبل أن تبدأ كبرى الشركات الأمريكية في تسريح ملايين العمال تباعا، جعل أعدادهم تفوق عتبة 60 مليون مسرح ضمن رقم كان وبالا آخر على صورة رئيس، خابت كل تقديراته في تجسيد شعاره " أمريكا قبل كل شيء". ثم إن فشل الرئيس الأمريكي في تعامله مع الوباء وتساهله مع إجراءات الحجر ثم إقدامه على رفعها إرضاء لأرباب الشركات مما أدى إلى ظهور موجة تفشي ثانية جاءت لتؤكد أن ترامب تعامل مع الوضع الوبائي باستهتار زائد رغم تحذيرات اقرب مساعديه في مجال الصحة. وبقدر ما كانت هذه الأمور مجتمعة، في غير صالح الرئيس الجمهوري فإن نتائجها الكارثية صبت إيجابا في ميزان شعبية منافسه، جو بايدن، وهو الذي بدت حظوظه يوم ترشح لقيادة الحزب الديمقراطي لموعد شهر نوفمبر القادم ضئيلة إن لم نقل معدومة في ظل الصعود المتواصل للملياردير الجمهوري لولا الظهور المفاجئ لهذا الفيروس القاتل الذي قتل حلم رئيس كان يطمح لأن يواصل قيادة أمريكا إلى قمة المجد العالمي.