بين ثلاث سنوات وعامين وسنة واحدة وعدة أشهر، تباينت مواقف مختلف الأطراف المالية والإقليمية وحتى الدولية في تحديد المدة التي تستغرقها المرحلة الانتقالية التي يتعين للعسكريين الماليين البقاء خلالها في سدة الحكم في باماكو قبل تسليم مقاليد الرئاسة لسلطة مدنية. فبينما اقترح أعضاء لجنة خلاص الشعب المالي من العسكريين ثلاث سنوات، اقترحت حركة "الخامس جوان" المناهضة لسلطة الرئيس المالي المطاح به، إبراهيم أبو بكر كايتا مدة عامين في وقت ألحت مجموعة دول غرب إفريقيا، "إيكواس" على مدة سنة واحدة رأت فيها فرنسا بأنها مدة طويلة وقالت بحتمية انتهائها خلال أشهر فقط. واقترحت حركة "الخامس جوان" الاحتجاجية في مالي أمس، على أعضاء لجنة "خلاص الشعب المالي" مرحلة انتقالية لا تتعدى عامين بدلا من ثلاث سنوات التي سبق لهذه اللجنة أن حددتها لتنظيم انتخابات عامة ورئاسية ووضع أسس دولة مالي الجديدة. واقترحت الحركة أن تكون إلى جانب العسكريين الذين أطاحوا بنظام الرئيس، إبراهيم أبو بكر كايتا في 18 أوت الجاري خلال المرحلة الانتقالية، ضمن غطاء سياسي لعملية التحضير لكل الترتيبات المؤدية إلى إعادة الحياة الدستورية في مالي. وجاء تحرك حركة "الخامس جوان" بعد اتهامات كالتها لأعضاء اللجنة الوطنية ل"خلاص الشعب المالي" بعدم دعوتها لأولى جلسات الحوار التي بداؤها وتجاهل دورها في التحول الذي عرفه هذا البلد منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات العامة شهر أفريل الماضي ومحاولة الانقضاض على عملية التغيير. وحذر الإمام ورجل الدين، محمود ديكو الذي تحول إلى شخصية كاريزمية في مالي وقيادته لهذه الحركة الاحتجاجية، العسكريين الذين استولوا على السلطة في باماكو، بأنهم ليسوا أحرارا في اتخاذ القرارات التي تحول لهم وأنه ليس لهم "ورقة بيضاء" للتصرف في مصير البلاد وأنهم مخطئون إذا حاولوا تسيير شؤون البلاد من داخل ثكنة مدينة كاتي المجاورة للعاصمة باماكو، والتي كانت شهدت أولى حركة تمرد سمحت بالإطاحة بنظام الرئيس، إبراهيم أبو بكر كايتا وتجاهل كل دور للقوى الحية في البلاد. وكانت قيادة اللجنة الوطنية لخلاص الشعب المالي ألغت في آخر لحظة أول أمس، جلسات مشاورات مع مختلف القوى الفاعلة في المشهد المالي قبل أن تقرر عقد أولى مشاورات مع قيادة الحركة الاحتجاجية. وقال عيسى كاو جيم، الناطق باسم الإمام محمود ديكو، اللقاء بين شخصيات حركة الخامس جوان وقيادة لجنة الخلاص العسكرية سمحت بتسوية سوء التفاهم الذي حصل بين الجانبين. وسلم وفد حركة الخامس جوان للقيادة الجديدة في البلاد مذكرة مطالب كان من بينها تقليص مدة المرحلة الانتقالية من 18 إلى 24 شهرا، يتم خلالها تشكيل هيئة تسيير مشتركة، مدنية وعسكرية وتعيين شخصية مدنية في منصب رئيس للبلاد وحكومة توافقية وتشكيل مجلس انتقالي، إلى جانب تشكيل لجنة متابعة ومراقبة خلال المرحلة الانتقالية تكون مشكلة أيضا من عسكريين وشخصيات من حركة الخامس جوان. ولم تصدر اللجنة العسكرية للخلاص موقفها من هذه المقترحات وأكدت أنها ستأخذ الوقت الكافي لدراسة الوثيقة على أن يتم عقد اجتماع ثاني لاحقا بين الجانبين لمناقشة تلك المقترحات. وذهب مقترح مدة عامين التي حددتها حركة الخامس جوان للمرحلة الانتقالية إلى نقيض مقترح دول مجموعة غرب إفريقيا "إيكواس" التي طالبت بعودة فورية للحياة الدستورية في مالي في مدة لا تتعدى سنة واحدة كشرط لرفع سيل العقوبات التي فرضتها على هذا البلد العضو. ولكن فلورانس بيرلي وزيرة الجيوش الفرنسية اعتبرت مدة عام طويلة وأصرت على ألاّ تتعدى مدتها أشهرا معدودة وليس سنوات كما اقترح العسكريون أو حركة الخامس جوان. وبررت المسؤولة العسكرية الفرنسية قرار حكومتها بوجود قرائن متزايدة على استغلال التنظيمات الإرهابية مثل هذه المدة لفرض منطقها الإرهابي، بقناعة أنها تتغذى من ضعف الدول و"الدولة المالية ضعيفة وضعيفة جدا في مثل هذه الظروف".